نحو 3 اسابيع مضت على انعقاد مؤتمر «مساعدة سوريا والمنطقة« في لندن في الرابع من الشهر الجاري، برعاية المملكة المتحدة وألمانيا والنروج والكويت والامم المتحدة وحضور نحو سبعين دولة، والذي نتج عنه اعلان دول وجهات مانحة تعهدات للنازحين السوريين والدول المضيفة لهم، لا سيما دول الجوار، بأكثر من 11 مليار دولار موزعين حتى العام 2020.
لكن الى اليوم، لا تزال هذه المليارات موجودة في خطابات قادة الدول والمسؤولين التي ألقوها خلال المؤتمر. فالصورة عن التمويل، وآلياته، وحصص الدول المضيفة للنازحين، لا تزال «غير واضحة«، كما يقول المدير الاقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي، فريد بلحاج، في حديث الى «المستقبل». وبالتالي، فإن حصة لبنان المضيف لنحو مليون ونصف مليون نازح سوري والذي طرح في ورقة عمل قدمها للمؤتمر حاجته الى 11 مليار دولار للسنوات الخمس المقبلة، لا تزال غامضة بدورها.
«طرحت كل دولة مانحة خلال مؤتمر لندن رقماً للتمويل، لكن هناك علامة استفهام حول نوعية هذا التمويل والجهة التي سيذهب اليها وكيفية استفادة الدول المضيفة منها»، يقول بلحاج قبل ايام على زيارة مرتقبة لمجموعة من المديرين التنفيذيين في البنك الدولي للبنان بهدف الاطلاع على الصورة الصحيحة لآثار الأزمة السورية على البلاد. ويضيف «ما تم اعلانه خلال المؤتمر هو تعهد الجهات المانحة توفير 11 مليار دولار، ولا املك معلومات عن تفصيل توزيع هذا المبلغ. لكن ثمة امكانية ان تكون للدول الحاضنة للنازحين حصة اكبر من تلك التي خصصت لها في مؤتمر الكويت» الذي عقد في آخر أيار الماضي وتم خلاله التعهد بتقديم مبلغ 3,8 مليارات دولار.
لطالما انتقد البنك الدولي تقاعس المجتمع الدولي في التعامل مع ازمة النازحين في دول الجوار. وهو امر ردده بلحاج، بقوله: «ان المجتمع الدولي متلكئ تجاه الدول المضيفة للنازحين، وخصوصاً في لبنان والاردن في ظل تنامي الضغوط فيهما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. فرغم ثقل هذه الضغوط، الا ان المجتمع الدولي لم يبد التزاماً كاملاً لمساعدة لبنان والاردن على تخطي صعوباتهما الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت بفعل استضافتهما للاعداد الكبيرة للنازحين».
وجدير بالذكر هنا بأنه تم في 12 ايلول 2014 اطلاق صندوق الائتمان متعدد الأطراف بادارة البنك الدولي وبمساهمة عدد من الدول المانحة بهدف دعم المجتمعات اللبنانية المضيفة للنازحين. الا ان المبالغ لم تتعد الى اليوم الـ75 مليون دولار فقط، في حين بلغت الخسائر الاقتصادية التي تسبب بها النزوح 7.5 مليارات دولار بحسب تقديرات البنك الدولي.
في مؤتمر لندن «حصل تحول«، يقول بلحاج، فـ»ثمة انتقال من التعامل مع هذه الازمة انسانياً وعلى مستوى الاغاثة، الى مستوى تنموي واستثماري«. كيف ذلك؟ يجيب: «لقد تخطى تفكير الدول المانحة مسألة العمل على توفير هبات وتبرعات للدول المضيفة الى تأمين استثمار لها. بمعنى ان الدول المانحة باتت تريد ان تستثمر في لبنان والاردن من اجل استقرار اقتصادهما، باعتبار ان هذين البلدين هما مفتاح الاستقرار الاقتصادي في المنطقة. كأن تتدخل مثلاً في مشاريع لتنمية البلديات او تحسين الصرف الصحي او التعليم او الصحة«.
ولكن هل هذه النظرة الجديدة من الدول المانحة تفرض في مقابلها شروطاً على الدول المضيفة باخراط النازحين في سوق العمل؟ «لم تطرح شروط خلال المؤتمر«. لكن في الفترة الاخيرة، جال عدد من مسؤولي المؤسسات الدولية على المسؤولين في لبنان بهدف التسويق لفكرة اخراط النازحين في سوق العمل، فهل طرحت هذه الفكرة في المؤتمر؟ يجيب بلحاج: «يوجد في لبنان اليوم مليون و500 الف نازح سوري. يجب الاعتراف بواقع تواجدهم في لبنان ومحاولة ايجاد حلول لهذا التواجد تكون ابعد من توفير الاغاثة والتبرعات لهم. في موضوع التعليم مثلاً، يجب العمل على إخراط الاطفال السوريين في منظومة التعليم رغم تكلفته المرتفعة وهو ما على المجتمع الدولي ان يتحمله. كذلك، هناك يد عاملة سورية موجودة اليوم، وهذا ليس بالامر الجديد، وسوق العمل اليوم يعاني صعوبات جمة بفعل الضغوط المتنامية. نحن من جهتنا، نسعى الى ايجاد حل لتواجد هؤلاء من خلال العمل على ادخالهم في ديناميكية الانتاج وليس ان يكتفوا بالحصول على تبرعات فقط. وهذا يفتح نافذة لانعاش بعض جوانب الاقتصاد في بعض المناطق وفي بعض القطاعات«. ولا ينفي بلحاج حساسية هذا الموضوع ودقته ولا يعتبره الخيار الامثل متسائلاً في الوقت نفس: «ما هي الخيارات الاخرى التي نملكها؟».
ولفت بلحاج الى ان البنك الدولي اقترح توفير قروض الى لبنان مقابل قيام بعض الجهات المانحة بدفع فائدتها، ما يعني ان القرض سيكون بفائدة صفر بالنسبة الى البلد. «صحيح ان الحل ليس مثالياً، لكن في ظل الضغوط التي يعانيها لبنان، فهو يحتاج الى تمويل لم يتيسر من خلال جهود التي بذلت لتوفير الهبات. وبالتالي، فان الخيار الثاني هو تأمين قروض بفائدة صفر بالنسبة الى لبنان».
النمو
وعن النسبة التي توقعها البنك الدولي في حصول نمو في لبنان بـ2,5 في المئة هذا العام، قال بلحاج: «ان هذه النسبة وضعت مقارنة بطاقات الدولة. فقبل الازمة السورية، كان متوسط النمو منذ التسعينات نحو 4,5 في المئة، حتى انه بين 2008 و2010 كان اعلى. ان نسبة 2,5 في المئة التي توقعها البنك الدولي تعني ان الاقتصاد ينمو من دون طاقته. نحن حالياً نعيد تقويم نسب النمو ونحن نقوم حالياً بعملية تقويم لنمو الاقتصاد في 2015 وتوقعات الـ2016 تبنى على نتائج العام الماضي حيث كانت دون المستوى المنشود. وسنصدر نسباً جديدة في خلال نحو شهر تقريباً. لكننا لسنا متفائلين رغم ان النمو المتوقع سيكون إيجابياً أيضاً بسبب رزمة التحفيزات التي اطلقها مصرف لبنان«. وبرأيي بلحاج، فان فتح باب الاعمار في سوريا سيفيد لبنان بسبب الطاقات التي يملكها، و«هذا سيكون له وقع إيجابي على نمو الاقتصاد».
لكن ما هي الخطوات التي يراها بلحاج ضرورية لكي تقوم بها اي حكومة جديدة لتفعيل النمو؟ يعدد اربعة محاور يمكن للبنك الدولي ان يساهم فيها، مع تشديده على وجوب اقرار موازنة كخطوة اولية، وهي: الطاقة، المياه، والاتصالات، والنقل، وهي محاور «للقطاع الخاص الدور الاكبر فيها، ما يستدعي وجود آلية قانونية ترعى عمله، ووجوب اقرار مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الموجود في المجلس النيابي». يضيف بلحاج ان البنك الدولي دخل في مشاريع خاصة بالمياه «لكن هذا ليس كافياً، فثمة مشاريع على مستوى اعادة هيكلة منظومة المياه بصفة عامة وهذا يحتاج الى عمل كبير. كذلك الامر بالنسبة الى موضوع الطاقة او النقل او الاتصالات التي تعتبر اساسية لاستقطاب الاستثمارات. بالاضافة الى ذلك، وجوب توفير المناخ المناسب للاستثمار والعمل على خلق الثقة التي يعوّل المستثمر عليها».
سد بسري
وفي ما يتعلق بالمشاريع التي بدأ البنك الدولي بتنفيذها بعد اقرار المجلس النيابي العام الماضي سلة من القروض كان منحها البنك الدولي وغيره من المؤسسات المانحة، قال بلحاج ان المشروع الاضخم هو سد بسري الذي يتطلب تنفيذه بين سبع سنوات أو ثمانٍ، موضحاً ان العمل بدأ بتنفيذه حيث يتم الان استدراج العقود والتي ستعتمد فيها الشفافية المطلقة.
اجتماعات الربيع
وعن الاجندة التي يحضر لها البنك الدولي في اجتماعات البنك وصندوق النقد الدوليين في 15 نيسان المقبل، قال بلحاج ان الموضوع الابرز اليوم هو الازمة الاقتصادية التي تواجهها دول العالم وكيف يمكن للبنك ولصندوق النقد الدوليين مواجهتها، لا سيما موضوع تراجع النمو في الصين وانعكاس انخفاض أسعار النفط، وما تعانيه المنطقة العربية من تجاذبات وصراعات.