أشارت الوكالة “المركزية” أنّ التوتر الداخلي الذي تركه قرار السعودية توقيف هباتها للجيش والقوى الامنية اللبنانية، وما تلاه من خطوات خليجية تصعيدية ازاء لبنان، شكّل اعتراضاً على السهام التي لا ينفكّ “حزب الله” يوجهها الى المملكة، وعلى سياسة لبنان الخارجية التي تراها الرياض مصادرة من “الحزب”، التهديدَ الاخطر لركائز الحوار الثنائي المستمر منذ أواخر العام 2014 بين “الحزب” و”تيار المستقبل”، فكاد يطيحه، جدياً هذه المرة، لولا الاتصالات المكوكية “العابرة للحدود” التي تولاها رئيس مجلس النواب نبيه بري من مقره في بروكسل، لانقاذه.
الحوار اجتاز منذ نشأته مطبات كثيرة، وفق ما تقول اوساط سياسية مستقلة متابعة للتواصل بين الطرفين، لـ”المركزية”، واستمرّ رغم المبارزات الكلامية الحادة التي كانت تدور، على مستوى القيادة أو النواب والمسؤولين، في ضوء التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة ـ وأهمها في سوريا واليمن بعيد انطلاق عمليات “عاصفة الحزم” ـ وفي الداخل، لناحية تقاذف التهم في شأن من يتحمل مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية، وفي مسألة قتال الحزب في سوريا ومبدأ النأي بالنفس وصولا الى أزمة النفايات، علما ان التناقض الفاقع بين موقعي “الحزب” و”التيار”، تُرجم في بعض الاحيان اشتباكات محدودة اندلعت بين مناصري الفريقين كان أبرزها في السعديات. لكن الحوار صمد وتمسك القيمون عليه بالركون اليه رغم الرياح الخارجية، لانهم رأوا فيه الوسيلة الوحيدة لتحصين الساحة المحلية ضدّ عواصف الكباش المذهبي المستعرة في المنطقة، فبات هدفه الرئيس، وفق الاوساط، مقتصرا على تنفيس الاحتقان السنّي ـ الشيعي، ولو أنه شكّل في أكثر من محطة فرصة لمناقشة بعض الملفات السياسية، كالعمل الحكومي والنيابي أو ملف الرئاسة. الا انّ الوضع اختلف في الجولة الخامسة والعشرين، وجسّد التصعيدُ السعودي أول تهديد حقيقي للحوار منذ انطلاقته. فالرئيس الحريري قرّر إرجاءه، في سابقة لافتة مثقلة بالرسائل السياسية، ما دفع عرّاب الحوار، الرئيس بري الى التدخل سريعا لانقاذه، فأفضت مساعيه في نهاية المطاف الى التئام الجلسة لكن بحضور منقوص، لتنتهي ببيان من 4 كلمات “جرى بحث الاوضاع الراهنة”.
أما جلسة “الحوار بالقوة”، اذا جاز القول، والتي استمرت قرابة تسعين دقيقة، فانعقدت حسب الأوساط، للصورة وحفظا لماء الوجه فقط، فلم تقارب ملف الاجراءات الخليجية الشائك الا من بعيد، حيث اكتفى الطرفان بعرض قراءتيهما لما حصل، فأثار “المستقبل” الاساءات المتكررة في حق المملكة وضرورة وضع حدّ لها، أما “حزب الله” فاعتبر ان الرياض كانت البادئة في التصعيد عندما قررت التدخل في اليمن. واذا كانت “جرّة” الحوار سلمت هذه المرة، فان مصيره ضبابي حاليا، اذ ان أي موعد لجولته المقبلة لم يحدد، ويرتقب ان يُبَتّ مستقبله خلال مشاورات ستدور بين الرئيسين بري والحريري فور عودة الاول من الخارج، علما ان معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل قال اليوم “طبعا هناك جلسة مقبلة للحوار مع المستقبل، وعلى الجميع ان يتعاطوا بمسؤولية ويتعاونوا”.
من جهته، أوضح عضو كتلة “المستقبل” النائب سمير الجسر الذي تغيب أمس للمرة الاولى عن الحوار الثنائي، لـ”المركزية” أن اجتماعا “تمهيديا” عُقد في “بيت الوسط” امس قبل جلسة الحوار تقرر فيه “تأجيلها” الى ما بعد عودة الرئيس نبيه بري من الخارج وعقد لقاء بينه وبين الرئيس سعد الحريري، الا اننا تراجعنا عن موقفنا واوفدنا مدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري كممثل للتيار بناءً على رغبة الرئيس بري الذي اصرّ من بروكسل على استمرار الحوار وعلى تمنّ من النائب وليد جنبلاط ايضاً”. واشار الى ان “لقاءً سيُعقد قريباً بين الرئيسين بري والحريري بعد عودة الاول الى لبنان للبحث في ما آلت اليه الاوضاع اخيراً، وان موعد الجولة السادسة والعشرين للحوار سيُحدد بعد اللقاء”. واذ سأل “التفريط في علاقة لبنان مع السعودية ومصالحه الخارجية فمن يخدم”؟ مذكّراً بالمواقف التاريخية للمملكة الى جانب لبنان”، أقرّ الجسر رداً على سؤال بان “التقدم “شبه معدوم” للحوار الثنائي في ايجاد حلول لقضايا عدة كانت اُدرجت على جدول اعماله، صحيح كان “تنفيسة” للاحتقان المذهبي الا ان تقدّمه “بطيء” جداً ودون المرجو”.