IMLebanon

رجل الأعمال الذي جنى المليارات من “عمل” الأطفال

kidzania

إليزابيث بالاشيوس

عندما كان رجل الأعمال المكسيكي خافيير لوباز أنكونا طفلاً، كان يحلم بأن يصبح رئيساً. ويمكن القول إنه حقق حلمه.
يدير لوباز أنكونا عدداً من مدن الملاهي المخصصة للأطفال حول العالم، بعد أن أسس مدينة ملاهي “كيدزانيا” للأطفال، والتي تشترك جميعها في لغتها الخاصة، وكذلك عملتها النقدية، وقواعد اللعب الخاصة بها.
هذه الملاهي التي تحاكي العالم الحقيقي تتيح لزائريها من الأطفال تقليد أدوار الكبار مقابل فوزهم بعملة “الكيدزوس”، وهي عملة خاصة بتلك الملاهي يمكن للأطفال إنفاقها على شراء اللعب، وممارسة الأنشطة والألعاب المختلفة أثناء وجودهم داخل مدينة الملاهي.

ويمكن للأطفال القيام بمجموعة كبيرة متنوعة من الأعمال، من جمع القمامة، إلى محاكاة دور طبيب الأسنان، أو رجال الإطفاء، في عدة أماكن كثيرة متنوعة معده لهذه المهام، ومنها أيضا المسارح، وقمرة القيادة في الطائرة، والمطاعم، ومحطات الإذاعة.

وتحاكي هذه الأماكن داخل مدن الملاهي مثيلاتها في العالم الحقيقي، مع فارق أن كل شيء يبلغ ثلثي حجمه المعتاد.
وقد صادف تقاضي رسوم من الأطفال مقابل تقليد ساعات الدوام من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء نجاحاً مدهشاً. وقد توسع في افتتاح هذه الملاهي بسرعة كبيرة منذ افتتاح المدينة الأولى في ضاحية سانتا المكسيكية عام 1999.
ويوجد الآن 21 مدينة ملاهي في 18 بلدا، وتفيد أحدث الأرقام المتوفرة حتى نهاية عام 2014 بأن عدد الزوار الذين جاءوا لمرة واحدة فقط، بلغ 42 مليون شخص.

ويبلغ عائد الشركة السنوي حوالي 400 مليون دولار على مستوى العالم، ويعمل فيها حوالي 2000 شخص في المكسيك، مع 9000 آخرين لهم علاقة بالشركة بطرق مختلفة.
لكن الأكثر إثارة للدهشة هو ابتكار لوباز، البالغ من العمر 50 عاماً، هذا العالم للأطفال على هذا النطاق الواسع. لم يكن لوباز يخطط ليبدأ عمله الخاص، وليس لديه شخصياً أي أطفال، وكان طموحه أن يكون رئيساً.
وكما يفيد شعار مدينة الملاهي “كن مستعداً لعالم أفضل”، يأمل لوباز أن يساعد العالم المصغر الذي أوجده على إعداد الأطفال لعالم أقل فساداً، ويتحلى بالمسئولية الإجتماعية، ويسود فيه تكافؤ الفرص للجميع.
ويقول لوباز “أعتقد أن الأطفال يستحقون عالماً أفضل. كيدزانيا تعد محفزا خلاقا للإنطلاق و السعادة”.
بالنسبة لمدينة ملاهي للأطفال يعتبر هذا تحدياً كبيراً، ويقول منتقدو المشروع إن الطريقة التي تربط فيها الشركة كل وظيفة من الوظائف بمثيلتها في العالم الحقيقي، هو شيء عكس الإبداع والابتكار تماماً، فهم على سبيل المثال لا يصنعون البيتزا فحسب، ولكن يصنعون بيتزا دومينوز على وجه التحديد، ويقودون طائرات الخطوط الأمريكية، ويفتحوا حساباً بنكياً في بنك “أتش أس بي سي”.

هذه العلامات التجارية يطلق عليها صفة “الراعي الرسمي”، وتدفع الاموال مقابل وجودها في مدينة الملاهي. إن فرض العلامات التجارية على الأطفال الصغار وتلقي مبالغ مالية منها في المقابل يشجع على النزعة الاستهلاكية كما يقول البعض.
لكن السيد لوباز يرفض ذلك، ويقول إن الشراكة مع هذه العلامات التجارية تجعل مدن الملاهي أكثر واقعية، وهذا يعني أن الشركات يمكنها أن تقدم للآخرين خبرتها العملية، حسب مجال عملها.
ويقول “لم نتجاوز أبداً حدودنا فيما يتعلق بما هو موجود في الحياة اليومية للأطفال في المدن التي يقطنون فيها. نحن فقط نقوم بمحاكاة ما يراه الطفل يومياً في الشارع والبيت وفي كل مكان”.
لكن الإنتقادات لم توقف مدن الملاهي عن توسعها السريع. فرغم ذلك، عندما اقترح أفضل صديق للسيد لوباز، واسمه لويس خافيير لارسغويتي، أن يشترك معه في افتتاح روضة أطفال تقوم على قاعدة تمثيل ومحاكاة الأدوار، رفض الفكرة في البداية، فقد كان مرتاحاً وسعيداً في عمله بشركة أسهم خاصة ولم يفكر في مغادرتها.
لكن لارسغويتي ألح على صديقه لوباز حتى وضعا معاً فكرة مدينة “كيدزانيا” التي أطلقا عليها اسما في البداية باللغة المكسيكية يعني “مدينة الأطفال”، وهي فكرة شعرا أنها جديرة بالمتابعة والتطبيق

لم يكن تمويل فكرة مشروع من المشاريع في المكسيك أواخر التسعينيات أمراً سهلاً. فلم يكن هناك دعم حكومي متوفر بسبب معاناة البلاد من آثار الأزمة المالية.
في البداية، وضع الثنائي كل مدخراتهما في ذلك المشروع، لكن ذلك لم يكن كافياَ ليقف المشروع على قدميه. ومن ثم توجها إلى شخص ثالث، وهو أحد أشقاء لوباز الستة، طلباً لمزيد من الدعم المالي، لكن المال الذي في أيديهما نفذ مرة أخرى قبل أن يتمكنا من افتتاح مدينة الألعاب.
وهكذا لم يتمكنا من توفير المال اللازم لافتتاح أول مدينة ملاهي إلا بعد التواصل مع شركات العلامات التجارية والتي وافقت على المساهمة في المشروع مقابل حضورها في مدينة الملاهي تلك.
وقد نجح المشروع من البداية تقريباً. ففي أول عامين، تضاعف العدد ليصل إلى 400 ألف زائر، كما توقعوا في البداية
في عام 2004، قرر لارسغويتي أن ينسحب من المشروع ويغادر إلى الولايات المتحدة. ويقول السيد لوباز إن مغادرة شريكه كانت واحدة من أكبر التحديات التي واجهها منذ أن بدأ المشروع، لكنها مسألة لا يرغب في الحديث عنها كثيراً.
وقد انضم شقيق لوباز إلى المشروع كشريك ومستثمر جديد، وبعد محاولة غير موفقة للتوسع في المشروع باتجاه الولايات المتحدة، كانت وجهتهما آسيا، وهي خطوة ثبت أنها نقطة التحول الكبيرة في نجاح المشروع.

توسع سريع

ومن أجل أن يصبح ذلك ممكناً من الناحية المالية، قرر الأخوان تشغيل جميع مدن الملاهي الدولية بطريقة منح الامتياز لمشغلين محليين. في عام 2006، وقع اختيارهما على العاصمة اليابانية طوكيو كأول سوق خارجية لهما، لأنه حسب ما يقول السيد لوباز، تعتبر اليابان مثالاً يحتذى في مجال الاستثمار والابتكارات بالنسبة لبقية البلدان الآسيوية.
وقد ثبت صواب هذه الخطوة، ونتج عنها توسع سريع في جميع أنحاء آسيا بامتيازات إضافية في كل من ماليزيا، وتايلاند والفلبين. أما أول مدينة ملاهي يفتتحانها في أوروبا فقد كانت في العاصمة البرتغالية لشبونة، لكن منذ ذلك الوقت، واصلت الشركة توسعها من خلال افتتاح مدينة الملاهي التابعة لها في لندن العام الماضي.
ويقول لوباز “سوف تساعدنا ملاهي كيدزانيا في لندن على التوسع بسرعة في أوروبا. نحن نحقق تقدماً في المفاوضات التي نجريها الآن للوصول إلى كل من إيطاليا وفرنسا”. وبالإمكان مستقبلاً أن تتوسع مدينة ملاهي كيدزانيا في 80 دولة حول العالم، أي أربعة أضعاف العدد الحالي.

لماذا يعتقد أن فكرته تحظى بقبول واسع؟

“الفكرة كانت جيدة منذ البداية. هناك ملايين الأفكار التي لا يمكن أن تصل إلى أي شيء. أعتقد أن العامل الحاسم في الموضوع كان الناس. ما ننتجه هو الناس. اللهو مع الطفل وجعله يعتقد أنه رجل إطفاء، أو طبيب، أو صحفي، هو أكثر شيء أفتخر به”.
لكن مارتا ريفيرا-بيسكويرا، رئيسة قسم التسويق بكلية (IPADE) لإدارة الأعمال، تعزو نجاح المشروع لما يسمى بـ “التعليم الترفيهي”، وتقول: “المزج بين التعليم والتسلية، يعتبر فكرة جذابة للمدارس، والأطفال، وأولياء الأمور. كما أنها جديدة وأصلية. كما أن عدم وجود ألعاب فيديو وعنف داخلها يجعلها فريدة من نوعها حقا على مستوى العالم”.