جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي الصريح لدى بنك جيه بي مورجان، لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا حول الاضطرابات التي يعتقد أن الحي المالي في لندن سيعانيها، حال باتت بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي.
في مقابلة مع صحيفة “فاينانشيال تايمز”، يحذر دايمون من “النزوح الجماعي” إلى المركز المالي الذي من شأنه عكس عقود من النمو للمصارف الدولية في لندن، وبعثرتها في جميع أنحاء أوروبا وبقية العالم.
ويخشى من أن المصارف في المملكة المتحدة لن تكون قادرة على بيع الخدمات في جميع أنحاء الكتلة، إذا تركت بريطانيا الاتحاد الأوروبي. إن مصرفه الخاص سيقلص عملياته في لندن ويقيمها في مكان آخر: “إذا كان لا يمكننا العبور من الحي المالي في لندن، ينبغي لنا إقامة عمليات مختلفة في أوروبا”.
هذا أبعد ما يكون عن أول مرة سمع فيها الحي المالي في لندن مثل هذه النبوءات. بالنسبة للمخضرمين مثل أندريه فيلنوف، الرئيس السابق لمجلس لندن الدولي للعقود المالية الآجلة وخيارات الصرف، فإن النقاش يعيد ذكريات التحذيرات في وقت متأخر من التسعينيات، التي ثبت في نهاية المطاف أنه لا أساس لها.
يتذكر فيلنوف أنهم: “قالوا إن الحي المالي سوف يموت لأن المملكة المتحدة لن تكون جزءا من اليورو. وقالوا إن فرانكفورت سوف تكون هي المركز المهيمن. على أن لا شيء من ذلك حدث”. وبدلا من ذلك، ازدهر الحي المالي، وصمد وليس فقط أمام الحياة خارج اليورو، بل أيضا في وجه الأزمة المالية العالمية العاصفة.
والسؤال هو ما إذا كانت التحذيرات اليوم لا أساس لها مثل تلك التي كانت منذ عقد ونصف. إنها القضية التي تقسم الحي المالي – وأحيانا المجموعات الفردية – وتحرض الوسطاء والمديرين التنفيذيين لصناديق التحوط، المذعورين في موجة القانون التنظيمي لما بعد الأزمة في الاتحاد الأوروبي، ضد المصرفيين الاستثماريين الحريصين على الاستيلاء على الأسواق الأوروبية من قاعدة الحي المالي في لندن.
المجموعات الصغيرة، والناس الذين قضوا حياتهم يعملون فيها هناك احتمال أكبر لرغبتهم في ترك الاتحاد. المؤسسات الكبرى الدولية تؤيد بأغلبية ساحقة البقاء في الكتلة.
يقول أليكس ويلموت – سيتويل، رئيس الذراع الأوروبية لبنك أوف أميركا ميريل لينش: “هناك قدر كبير من التجارة المالية محجوزة حاليا في الحي المالي في لندن قد ترحل إذا غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي”. ويضيف: “لن يحدث هذا بين عشية وضحاها، ولكن من المؤكد أنه قد يتشتت في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي”.
مؤيدو خروج بريطانيا يردون بأن الحي المالي سوف يستمر في الازدهار إذا فك ارتباطه بقيود بروكسل البيروقراطية. يقول هوارد شور، رئيس المجلس التنفيذي لشور كابيتال جروب، الشركة الوسيطة المتخصصة في الشركات الصغيرة: “خارج أوروبا، نحن لن نعاني من القانون التنظيمي الأوروبي”. ويضيف: “سوف نكون قادرين على تحرير اقتصادنا، وترسيخ إطارنا وقواعدنا لتناسبنا”.
بما أن الخدمات المالية تمثل ما يصل إلى عشرة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة، فإن النتيجة هي ذات أهمية حيوية للبلد ككل.
بعض العاملين في القطاع المالي يشعرون بالقلق من أن خروج بريطانيا من الاتحاد من شأنه أن يضعف ليس فقط الحي المالي، ولكن القطاع المالي في الاتحاد الأوروبي ككل. ليس هناك أي مركز مالي أوروبي آخر يعتبر قريبا من الحي المالي في لندن.
الخوف هو أنه إذا نقلت المصارف والمجموعات المالية الأخرى خدماتها في أماكن أخرى في القارة، فإن ذلك قد يعزز في النهاية منافسين مثل سنغافورة وهونج كونج وطوكيو. ويقول جونتر دنكل، الرئيس التنفيذي للمصرف الألماني نورد إل بي: “سيخسر الجميع إذا انسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فرانكفورت قد تكسب بعض الأعمال من الحي المالي في لندن، ولكن أوروبا التي تعتبر مجزأة أكثر، قد تكون أوروبا أكثر ضعفا في العالم”.
من المستحيل حساب التأثير الدقيق لخروج بريطانيا من الاتحاد على إمكانية الوصول إلى الأسواق التي يتوق إليها الحي المالي أو على القوانين التنظيمية التي يكرهها. لا يوجد وضوح حول شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
من اليسير نسبيا تحديد القطاعات التي ازدهرت على الأقل جزئيا بسبب الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي الموحدة. قام الحي المالي ببناء قوته في تداول العملات الأجنبية ليصبح أكبر مركز لتداول اليورو.
وقد عززت المصارف الاستثمارية العالمية عملياتها في لندن. التأمين، الذي يعتبر تخصصا منذ فترة طويلة، قد ازدهر أيضا، مع العديد من شركات التأمين التي تستخدم لندن مقرا لها بالنسبة للاتحاد الأوروبي ككل.
وقد فتحت أسواق جديدة: المملكة المتحدة تدير تريليون يورو من صافي الأصول في الصناديق العابرة للحدود، وهو ضعف الرقم الذي كان موجودا منذ خمس أو ست سنوات.
وفي الوقت نفسه، معالم النقاش تعكس التغيرات التي طرأت على القطاع المالي نفسه. وفي حين أصبح طابع الحي المالي دوليا، تحول تركيزه من اقتصاد المملكة المتحدة إلى أوروبا وخارجها. اليوم، هناك 11 في المائة من موظفي الحي المالي – أكثر من 38 ألف شخص – يأتون من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى وليس من المملكة المتحدة.
وقد بنت المصارف الأمريكية ما يصل إلى 999.6 مليار جنيه استرليني من الأصول في البلاد، في كثير من الأحيان لخدمة السوق الموحدة. بالنسبة لجميع المصارف الكبرى وشركات التأمين وشركات إدارة الأصول والمهن المساعدة، فإن لندن باعتبار الحي المالي فيها، هي المركز المالي باعتبارها الجسر إلى أوروبا القارية يعتبر أمرا حيويا. المصرفيون، على وجه الخصوص، يميلون إلى أن يكونوا مؤيدين للاتحاد الأوروبي بحماسة. وقد قام بنك جولدمان ساكس بدفع نصف مليون دولار إلى الحملة للبقاء في الكتلة، مع المصارف الأمريكية الكبرى الأخرى التي تحذو حذوه.
هناك قبيلة أخرى للحي المالي، أصغر ولكن أكثر صخبا، تقاتل بحماسة ضد عضوية الاتحاد الأوروبي. جزء كبير من صناعة صناديق التحوط، والوسطاء الذين يخدمون في المملكة المتحدة، يشاركون ا شور اقتناعه بأن خروج بريطانيا من الاتحاد من شأنه أن يجعلهم، والاقتصاد عموما، أفضل حالا.
يقول كريسبن أودي، مؤسس صندوق التحوط أودي لإدارة الأصول: “أوروبا ليس لديها حب كبير للحي المالي في لندن – والفرنسيون والألمان كانوا دائما غيورين من نجاحها. أوروبا تحولنا إلى مستعمرة، ونحن تعودنا على إمبراطورية”.
كثير من صناديق التحوط تعتبر صغيرة نسبيا، وركزت على الأموال التي تم جمعها محليا ومن خارج الاتحاد الأوروبي، ما يجعل من السهل الوصول إلى كتلة القيمة المحدودة. في أعلى قائمة كراهيتهم هو توجيه مديري الصناديق الاستثمارية البديلة، الذي يحدد القوانين التنظيمية الجديدة التي يشكو كثيرون بأنها مكلفة، ومرهقة وبيروقراطية.
هذه المظالم تصب في الاستياء الأعم من حد الاتحاد الأوروبي على المكافآت، الذي يلقى اعتراضا كبيرا في الحي المالي إلى درجة أن بإمكانه التغلب على مخاوف أكثر عمومية حول الاستقرار.
كما يقول مايكل سبنسر، الرئيس التنفيذي لشركة وسيطة بين التجار هي ICAP، الذي لم يقرر بعد كيفية التصويت: “خروج بريطانيا من الاتحاد قد يكون عاملا خطرا”. ويضيف: “على أنه أيضا يمكن أيضا أن يحررنا من الحد الأعلى السخيف للمكافآت وتشريعات جديدة أخرى”.
أنصار الاتحاد الأوروبي يردون بأن المملكة المتحدة سوف تحتاج إلى أن تكون محكومة بقواعد الاتحاد إذا أرادت الاحتفاظ بالوصول إلى أسواقها. ويضيفون أنه في الوقت الحاضر، بريطانيا قادرة على مراقبة العديد من هذه القواعد بنفسها.
حصل ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء، على مستوى من الطمأنينة في قمة الأسبوع الماضي، بأن هذا الحكم الذاتي سيبقى. يقول بيل أونيل، رئيس مكتب الاستثمار في المملكة المتحدة في UBS لإدارة الثروات: “إذا كنا خارج [الاتحاد الأوروبي]، فإن قدرتنا على التأثير على السياسة قد تخفض بشكل كبير”.
فيلنوف يتذكر أن قرار المملكة المتحدة عدم المشاركة في اليورو في عام 1999 أدى إلى انتكاسة حقيقية واحدة فقط: خسارة العقود الآجلة لسندات الخزانة الألمانية إلى فرانكفورت.
على أنه أضاف أنه إذا تركت بريطانيا الكتلة، فإنه سيكون من المستحيل الحد من الأضرار في مثل هذه الطريقة. ويقول فيلنوف: “إننا سوف نكون متوسلين في الخارج”. وفي حين أنه قد سمع التحذيرات من قبل، يقول إن هذه المرة قد تكون مختلفة.
على الرغم من كل التغييرات التي شهدها الحي المالي خلال في العقود الأخيرة، يمكن لخروج بريطانيا من الاتحاد أن يمثل أكبر ثورة حتى الآن.