Site icon IMLebanon

الحكومة تعتمد المطامر و5 سنوات لبدء تشغيل المحارق

waste burning

مي عبود ابي عقل

بعد فضيحة ترحيل النفايات الاسبوع الفائت، وافشال المناقصات لانشاء معامل للمعالجة في آب الماضي، عاد الحديث الى نغمة المطامر، ومن دون الكلام عن تدوير ومعالجة، ما اثار استغراب خبراء بيئيين دوليين وتساؤلاتهم: كيف يجوز، ونحن في سنة 2016، الحديث عن اعتماد حل المطامر الذي كان يستخدم في تسعينات القرن الماضي؟ وكيف يغيب الكلام عن المعالجة قبل الطمر؟

المعروف عالمياً ان السلم الهرمي للادارة المتكاملة للنفايات الصلبة يقوم على 7 مراحل تبدأ بالتخفيف من انتاج النفايات، تليه اعادة الاستعمال، والفرز من المصدر، والتدوير، والتسبيخ، واسترداد الطاقة، واخيراً الطمر عبر استصلاح المواقع المشوّهة مثل الكسارات وغيرها لطمر العوادم. وكالعادة عندما تفشل حكوماتنا في معالجة اي قضية، تلجأ الى الحلول الاسهل والاكثر كلفة مادياً وبيئياً، من دون الالتفات الى تبعاتها واضرارها على كل المستويات، فقفزت مباشرة الى المرحلة الاخيرة من السلّم، وقررت اعتماد المطامر الى حين تجهيز محارق حديثة. وبنظرة على الموقع الالكتروني لـ”مجلس الانماء والاعمار” يتبين ان المحارق تحتاج الى 5 سنوات على الاقل لتبدأ العمل، بين تأهيل اوّلي للشركات، ووضع دفتر الشروط واستدراج عروض وتقديم مناقصات، ثم بناؤها الذي يستلزم وحده 3 سنوات. في هذا الوقت كيف وأين سيطمرون 90% من اطنان النفايات يومياً التي تبلغ 6500 طن/يوم، بينها 3250 طناً/يوم لبيروت وجبل لبنان وحدهما؟ وأي منطقة وسكان سيقبلون بهذا الأمر؟

السلّم الهرمي للنفايات
يشدد خبراء بيئيون دوليون اطلعوا على خطط الحكومة على “ضرورة تطبيق السلّم الهرمي، وعدم القفز فوق الخطوات المعتمدة عالميا”، ويؤكدون “اهمية اعتماد مبدأ المعالجة قبل الطمر، اي استرداد اكبر كمية من النفايات قبل الطمر، على ان تطمر العوادم في مطامر صحية على الدولة ان تفرضها، لتستوعب 25% فقط من النفايات، وليس 90% كما حصل في الناعمة، وبذلك تطول فترة استيعابها لمدة اطول”. ونصحوا بالعودة الى “الخطة المتكاملة لمعالجة النفايات الصلبة” الاساسية التي سبق أن أقرها مجلس الوزراء في 30/10/2014 وأجريت المناقصات على اساسها وكانت تقتصر على بيروت وجبل لبنان، وعدلت في 1/12/2015 لتشمل 6 مناطق، واعتمدت نسبة استرداد 60% في السنوات الثلاث الاولى، و75% في السنوات اللاحقة، وصولاً الى الحرق”. ومع اقرارهم بأن “النفايات الموجودة الآن مصيرها الطمر”، الاّ أنهم يتخوفون من “اكتفاء الحكومة بتحديد مطامر من دون اتخاذ اي اجراء آخر كإعادة احياء مناقصات او اجراء مناقصات جديدة، ما يدل على انها ستعتمد طريقة الطمر الدائمة ولكل شيء”.

خطتان وفوارق
وفي مقارنة للحلول المقترحة لأزمة النفايات خلال المرحلة الانتقالية الى حين البدء بتشغيل المحارق، بين الخطة رقم (1) التي تعتمد الطمر الصحي تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 9/9/2015 والتي تعتمدها الحكومة اليوم، والخطة رقم (2) التي تقوم على “المعالجة ثم الطمر الصحي” تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 12/1/2015 التي ينصح بها الخبراء البيئيون، يتبين الفوارق الآتية:
– تبلغ نسبة الطمر في (1) 90 – 95%، ما يعني تكرار تجربة الناعمة التي كانت الاسوأ لجهة الثقة بين الاهالي والحكومة. بينما في (2) تتراوح بين 25 و40% وتالياً يكون تقبّل الاهالي أسهل.
– سيكون الخطر الصحي المحتمل اكبر في (1) كون نسبة الطمر أعلى، وتالياً التأثير المحتمل على المياه الجوفية والهواء أعلى.
– من الناحية الاقتصادية كلفة (1) غير معروفة، علماً ان النظام نفسه كان يكلف 150 دولاراً/ طن بين تشغيل وصيانة، بينما سيكلف 120 دولاراً/ طن بين جمع ومعالجة وطمر صحي بما فيه كلفة الاستثمار.
– ستبلغ كلفة التدهور البيئي جراء الطمر والفرص الضائعة (بين فرز ومعالجة) اكثر من 40 مليون دولار سنوياً ( استناداً الى ارقام 2012) في (1)، بينما تقدر بأقل بكثير في (2).
– يمتد الحل بموجب (1) نظرياً على 18 شهراً، انما واقعياً هي الفترة التي ستستغرقها عملية مناقصات معامل التفكك الحراري والتلزيم والتشييد في بلد يعاني من ضعف في الاستقرار، أقله 5 سنوات. ومثال على ذلك الفترة ما بين صدور قرار مجلس الوزراء الأول عن هذا الموضوع ( ايلول 2010)، وتقرير اللجنة المختصة عن دراسة الجدوى الاقتصادية لهذا النوع من المعامل (شباط 2013)، استغرقت سنتان ونصف السنة لتلزيم دراسة المعمل واعدادها، فكم بالحري بالنسبة الى تشييد المعمل؟ بينما مدة الحل في (2) تستغرق 7 سنوات.
– من ناحية الجهوزية لبدء تنفيذ الحل، في (1) يكون فور تحديد المواقع في حال اعتماد المشغل الحالي (سوكلين)، وفي حال اعتماد مشغل آخر سيلزم أقله 6 أشهر لاجراء مناقصة. بينما في (2) تبدأ عملية تشييد معامل المعالجة فور توقيع العقود (وفترة التنفيذ 6 أشهر حداً اقصى)، اما تجهيز المطامر الصحية فيبدأ فور تحديد المواقع.
– من حيث شمولية الحل سيقتصر في (1) على بيروت وجبل لبنان، بينما في (2) سيشمل كل الاراضي اللبنانية.
– ولجهة الالتزام بتطبيق القوانين والنصوص المرعية فهو اضعف ما يكون في (1) كون المطامر الصحية تقع في اسفل السلم الهرمي، بينما هو جيد جدا في (2) كون نسبة المعالجة هي بين 60 و75%.
– لناحية عدد المشغلين والشفافية، في (1) وفي حال اعتماد المشغل الحالي (سوكلين) سيكون هو ذاته لبيروت وجبل لبنان، وهو نفسه منذ 18 عاما ولا شفافية على الاطلاق، وفي حال اعتماد مشغل آخر فمن سيقوم بالمناقصة، وستستغرق أقله 6 أشهر. بينما في (2) سبق أن تم اختيار 3 مشغلين لبيروت وجبل لبنان بناء على مناقصة.
– وفي عوامل الحوكمة الخارجية ولجهة سمعة لبنان وتوجهه نحو الاقتصاد الدائري وهبات الاتحاد الاوروبي فستكون سيئة في (1)، بدليل انه لا يشيّد معامل معالجة الا اذا كانت من خلال تمويل خارجي مثل الاتحاد الاوروبي وغيره. بينما في (2) ستعتبر خطوة ملحوظة نحو الاقتصاد الدائري، وبالتالي تحسين صورة لبنان في هذا القطاع وفي مجال التنمية المستدامة ككل.
ويخلص الخبراء الى ان القرارات المتخذة خلال عهد الحكومة الحالية والأعمال التنفيذية ذات الصلة بالخطة (1) لم تكن تهدف الا لتبرير معادلة الكلفة/نوعية المعالجة منذ العام 1997 في بيروت وجبل لبنان، والاستمرار باستخدام المشغل نفسه دون سواه. كما انه لم يتغيّر شيء بعد 18 سنة سوى المواقع، اذ بقيت نوعية المعالجة هي ذاتها (أقل من 10%)، والمشغل نفسه، ومستوى الحوكمة نفسه ( ضعيفة جداً)، والتبرير نفسه ( حالة الطوارئ)، والكلفة نفسها وهي أغلى. بينما باعتمادها الخطة (2) سعت الحكومة ونجحت في احداث تغيير.
وختم الخبراء الدوليون انه يمكن التفاوض مع الفائزين في المناقصات في (2) في شأن الاسعار، والاكتفاء بتلزيم المناطق الخدماتية الأكثر الحاحاً اي بيروت وجبل لبنان والشمال والجنوب.