كتبت روزانا بومنصف في صحيفة “النهار”:
لا تنفي مصادر سياسية متعددة عدم توقعها الاجراءات الدرامية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية والتي تضامنت معها الدول الخليجية في اجراءات مماثلة تقريبا، لكنها لا تنفي ايضا عدم توقعها المدى الذي بلغته على رغم الاقتناع بأن الدفع بالمزيد من الاجراءات قد يساهم في أذية لبنان واللبنانيين الى حد كبير، والاقتناع على نحو راسخ بأن لا المملكة ولا الدول الخليجية قد تدفع في هذا الاتجاه.
وتأمل المصادر المعنية التي تنضم اليها مصادر ديبلوماسية ألا يطول الموقف الخليجي في ظل ما يواجهه لبنان، وان تتم معالجة ما حصل في أقرب وقت ممكن. وهي تخشى ان تؤدي هذه الاجراءات إذا تخطت قدرة اللبنانيين على الاحتمال الى رد فعل عكسي. اذ ان الايام القليلة الماضية حفلت بمواقف التضامن السياسي والشعبي الكبيرين مع المملكة عن اقتناع من اصحاب هذا التضامن بأن الاداء الذي ينتهجه “حزب الله” يضر بلبنان. إلا أن ذلك لم يخف في المقابل تلمس أضرار اساسية كبيرة واضرار جانبية بعضها معروف وبعضها الآخر غير واضح للعلن، الى الحد الذي لم تخف مصادر ديبلوماسية خشيتها على الوضع اللبناني ليس نتيجة هذه الاجراءات بل نتيجة وضع هش بحيث تكون هذه الاجراءات بمثابة النقطة التي تفيض بها الكأس.
ومن حيث التوقيت، فإن هذه الإجراءات غطت بنسبة كبيرة ليس على عودة الرئيس سعد الحريري بل على الدينامية التي انشأها في اتجاه الدفع نحو انتخابات رئاسية على خلفية الجلسة المحددة في 2 آذار المقبل، من دون ان يعني ذلك وجود أوهام بأن هذه الجلسة كانت ستؤدي الى انتخاب رئيس جديد. لكن الاجراءات السعودية والخليجية تاليا تساهم في استبعاد كلي لموضوع الرئاسة، مع ترجيح قوي لعدم امكان “حزب الله” التخلي عن دعم العماد ميشال عون، خصوصا متى فهم كثر هذه الاجراءات إطاحة لحظوظ الزعيم العوني على وقع مسؤولية صهره جبران باسيل في مؤتمري القاهرة وجدة، وتاليا التسبب برد الفعل السعودي الغاضب، علما ان عون، وربما بدعم من رئيس “القوات اللبنانية”، سعى الى ترطيب الموقف في كتلته مع المملكة. إلا أنه في الجانب الآخر من الموضوع، وقع الافرقاء المسيحيون في موقع صعب. اذ فيما وجد الحلفاء انفسهم في موقع حرج من ضمن صراع سني – شيعي واضح المعالم، وان ثمة بيانا وزاريا تم تحضيره مسبقا من أجل الموافقة عليه في مجلس الوزراء او انه كان هناك قرار في مكان ما بالاستقالة وفق ما اعلن الوزير اشرف ريفي، مما أدى الى رد فعل متحفظ من حزب الكتائب. في حين ان النائب سليمان فرنجيه الذي تدعمه المملكة وجد الحل الانسب في عدم الادلاء بدلوه في صراع بين من يدعمه للرئاسة إقليميا ومحليا، وحلفائه في “حزب الله”.
ثمة مصارحة كانت مصادر سياسية عدّة ترغب في إيصالها الى المسؤولين في المملكة. فالضغط الذي شكلته الاجراءات السعودية يمكن ان يساهم في تشكيل قوة ضاغطة ومؤثرة مواجهة لسياسة “حزب الله” ليس في لبنان، بل في المنطقة. الا ان هذه النقطة قد تتخطى قدرة اللبنانيين المعنيين بذلك، انطلاقا من ان المواجهة المطلوبة تتطلب ادوات لم تعد تتوافر لهم.
فاذا كانت المملكة عبر الاجراءات التي اتخذتها تود الانسحاب من لبنان، فإنها لن تساعده بطبيعة الحال، لكن الامر لن يكون مناسبا لها في الوقت نفسه لان الانسحاب او الفراغ سيؤدي الى تعبئته من الحزب او من ايران. والاعتبار نفسه يسري على المساعدات التي تقدمها المملكة للجيش، لأن وقف هذه المساعدات يخدم الحزب الذي سعى الى افشال حصولها لدى الوعد بها، فيما المقصود من دعم الجيش اسقاط مقولة ان الحزب هو الذي يحمي لبنان. وحتى سبل المواجهة من اللبنانيين للحزب ليست متوافرة استنادا الى انسحاب من جانب المملكة للدعم السياسي والاعلامي والاقتصادي وحتى الاجتماعي في لبنان انطلاقا من ان للمواجهة متطلبات ليست متوافرة، ليس منذ الامس القريب بل منذ بضع سنوات. فيسجل حضور اقوى لايران كل شهر او شهرين الى لبنان في ظل غياب خليجي شبه كلي.
وبالتزامن مع توافد السياسيين والوفود الى السفارة السعودية تضامناً، عقد السفير الايراني في لبنان مؤتمرا صحافيا أعلن فيه مساعدات للفلسطينيين من السفارة الايرانية في بيروت، بدلا من ايران، لانه مطلوب الاعلان عن ذلك من عاصمة عربية وفي حضور للتنظيمات الفلسطينية في رسالة الى تركيز ايران على قضية فلسطين الاولى لدى العرب.
من جهة أخرى، وإذا تمت العودة الى البيان الذي اصدره مجلس الوزراء والذي لم تره الديبلوماسية السعودية كافيا وشافيا، فانما ذلك يعني ان هذا البيان الذي كانت الاتصالات عشية اجتماع مجلس الوزراء الاثنين قد اوصلت الى استنتاج ان سقفه قد يكون عاليا بما يدفع الحزب وحده الى التحفظ عن بعض بنوده، قد خرج بسقف اقل من المتوقع للضرورات المعروفة لبنانيا، اي الاجماع عليه من حيث المبدأ، إلا أنه يعني انه يلبي شروط الحزب أيضًا.
فهناك نقاط “ملغومة” تتصل بالتمسك بالاجماع العربي في القضايا المشتركة، في حين أنّه ليس واضحا ما يمكن ان تكون هذه القضايا. كما أنّ ثمّة لغمًا آخر تنطوي عليه وفق المصادر السياسية عبارة الدول الشقيقة والصديقة التي وردت في البيان بما تعنيه من مطالبة بالتضامن مع سوريا ومع ايران كون الاولى يدرجها البعض في إطار الشقيقة فيما ايران من الدول الصديقة.