ميليسا لوكية
ليست الصرخة التي أطلقها المعنيون في الزراعة في الآونة الآخيرة إلاّ خير دليل على الواقع المزري الذي وصل إليه القطاع، في ظلّ التغاضي المتواصل عن المصالح العامة. وإذا كانت أزمة النفايات لم تصل بعد إلى خواتيمها السعيدة، يتساءل البعض كيف يمكن أن تجد مخاوف المزارعين من يهدّئها، خصوصاً أنَّ الأرقام التي حققتها الصادرات أخذت منحى تراجعياً.
دقّ رئيس جمعية المزارعين أنطوان الحويك ناقوس الخطر من جراء تراجع الصادرات بشكلٍ كبير في الأعوام الخمسة الأخيرة، متأثرة بالأوضاع الاقليمية المتوجّة بإقفال المعابر البرية، معتبراً أنَّ وزارة الزراعة فشلت “فشلاً ذريعاً في إدارة الملف الزراعي وبقيت الكارثة التي حلّت بالقطاع من دون أي ردة فعل من جهتها”، ومطالباً وزير الزراعة أكرم شهيب بـ”الاستقالة”.
وبيّنت الأرقام التي أوردها التقرير السنوي للجمعية عن الصادرات الزراعية وأداء وزارة الزراعة، أنَّ الصادرات هبطت 31.7% عام 2015 عن 2014، علماً أنَّ التراجع طاول معظم القطاعات، فتراجع تصدير البصل مثلاً 76.9% وتصدير الخس والملفوف 56%.
وفي دراسة تحليلية لوضع القطاعات، تبيّن أنَّ تصدير الحمضيات تراجع 57% بين عامي 2011 و2015، فيما تدنّى تصدير اللوزيات ( مشمش، لوز…) 46.6% من 2012 حتى 2015. أما صادرات التفاح في أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني وكانون الأول 2015، فتراجعت 43% عن الفترة عينها من عام 2014، وهبطت من 42 ألف طن إلى 24 الفاً.
ويقول الحويك في حوار مع “النهار” إنَّ “الدولة لا تعير أي اهتمام للواقع الزراعي، إذ كان يُفترَض أن تتّخذ قرارات عدّة تسهّل انسياب المنتجات المحلية إلى الأسواق المستوردة، وخصوصاً مصر، السعودية والخليج، وتضمن بقاء الحركة التصديرية كما هي، ولكنها لم تقدم على شيء”.
ويشير إلى أنَّ الجمعية اقترحت قبل نحو 5 أعوام أن تشتري الدولة 4 بواخر تتولّى نقل الشاحنات المحمّلة بالمحاصيل، على أن تتسلّم إدارتها إحدى شركات الشحن بموجب مناقصة، فتنتقل من مرفأ طرابلس مثلاً في اتجاه الأسواق الخارجية على أن تُدفع مبالغ رمزية لتنفيذ مهمة النقل، مؤكداً أنَّ تكاليف الشحن التي تدفعها الشاحنات التي تُدخل بضائع من الخارج إلى لبنان قادرة على تغطية نفقات التصدير.
ورغم اللجوء إلى الدعم المادي المباشر لنقل الشاحنات بواسطة العبّارات والجسر البحري، في محاولة لتفادي التبعات القاسية لإقفال المعابر البرية على الصادرات، يرى الحويك أنَّ هذه المبادرة “فشلت”، معتبراً أنًّ “وزارة الزراعة تحوّلت وزارة لتوزيع الشتول فقط”، ومتسائلاً عن الخطوات التي يمكن تنفيذها لتحسين الأوضاع في ظلّ الأوضاع الراهنة.
أما بالنسبة إلى رئيس مؤسسة تشجيع الاستثمار “إيدال”، نبيل عيتاني، فإنَّ النسب المتراجعة للصادرات أقل من تلك المذكورة آنفاً، إذ يعود بالذاكرة إلى الأيام التي سبقت إقفال معبر نصيب الذي كانت تمر عبره ما يقارب الـ 93% من البضائع اللبنانية، فيشير إلى أنَّ الصادرات كانت تشهد زيادات ملحوظة في تلك الفترة، قبل أن يُصاب المزارعون بالإرباك إثر إقفال المعبر.
وبما أنَّ الدولة تدعم الجسر البحري عبر “إيدال”، يؤكد عيتاني لـ”النهار” أنَّ التراجع الدراماتيكي الذي عرفته الصادرات في منتصف الشهر الماضي يعود إلى أنَّ العمل بالجسر بدأ في 17 أيلول المنصرم، أي بعد انتهاء ذروة الإنتاج الزراعي الذي يحصل عادة في فصل الصيف.
ويتابع “لقد عوّضنا بعضاً من التراجع الذي لحق بالصادرات الزراعية خلال الأشهر الثلاثة التي تلت بدء الإفادة من الجسر البحري، رغم أنَّ التراجع وصل إلى 42% تقريباً في نيسان و38% تقريباً في أيار، علماً أنَّ بعض المحاصيل التي يُحتّم تصديرها سريعاً توقفت تماماً”.
ويؤكد عيتاني أنَّ العمل بات منتظماً بعد مرور 6 أشهر على التصدير بحراً، بدليل أنَّ باخرة من أصل ثلاث تمر كل 3-5 أيام لنقل 63 شاحنة، آملاً في الوقت عينه أن يكون الدعم بعد 17 نيسان من السنة الجارية، أكثر شمولية.
على خط موازٍ، يشير رئيس تجمع المزارعين البقاعيين ابرهيم ترشيشي إلى أن مشكلة تراجع الصادرات تتمثل في تراجع الأسعار، واعطى مثلاً عن أسعار الخس التي شهدت تراجعاً في ثمنها بنسبة تصل إلى 50% في 2015 مقارنة بعام 2014، فضلاً عن تراجع القوة الشرائية لمواطني البلدان المستوردة. واعتبرا أنَّ الخط البحري كان له أثر إيجابي في تقليص الانحدار، لكنّه “لم يعوّض تماماً عن المعابر البرية، بسبب تعذر الوصول إلى العاصمة العراقية بغداد مثلاً، أو بفعل صعوبة دخول الأسواق الأردنية بسلاسة”.