حسن يحي
أصبح تعبير “شركات الكاراجات” رائداً في وصف التطبيقات والشركات الناشئة منزلياً ومن دون رأسمال يذكر، وبجهد شخصي بحت. فشركة “غوغل” أو “فايسبوك” أو حتى “واتساب”، كلها تطبيقات وشركات نشأت في “الكاراج” المنزلي وبمجهود شخصي للمؤسسين، الأمر الذي أدى الى اطلاق هذه الصفة على الشركات المماثلة.
التوقف عند نشأة “فايسبوك” أو “غوغل” يكشف حجم الثغرة التعليمية بين الولايات المتحدة الأميركية مثلاً، وبقية العالم. اذ ان كل هذه المشاريع التي أصبحت شركات برأسمال يقدر ببلايين الدولارات، كانت عبارة عن مشاريع جامعية استطاعت شق طريقها إلى العالمية والتحول إلى شركات عابرة للقارات. وهذه الثغرة التعليمية الموجودة بين بقية البلدان وأميركا، تعود إلى كون الأخيرة تتربع على عرش صناعة التكنولوجيا ومرفقاتها، فرغم كل الشهادات التي يحملها أبناء البلدان العربية في علوم الكومبيوتر، الا أن أغلبهم لم يستطع تحقيق ما حققه هؤلاء الأفراد في شركاتهم.
وتدرك الولايات المتحدة جيداً أهمية علوم الكومبيوتر ولغات البرمجة بشكل خاص، اذ ستكون هذه “المهارات” أدوات صناعة المستقبل. ولهذه الغاية، أصدرت ولايات عدة في اميركا قوانين تُجبر المدارس الرسمية على تعليم لغات البرمجة للتلاميذ في جميع الصفوف والمراحل الدراسية.
وكان عمدة نيويورك بيل بلاسيو، من السبّاقين في ادخال قوانين مشابهة الى الولاية، اذ أعلن خطة لادخال علوم البرمجة إلى كل المدارس الرسمية في ولاية نيويورك في مدة أقصاها عشر سنوات. لتتبعه ولاية فلوريدا حيث ستصوت قريباً على اقتراح قانون يقضي بتعليم لغات البرمجيات للأطفال في المدارس الرسمية، عوضاً عن صفوف اللغات الأجنبية. من جهتها، ولايات كينتاكي وجورجيا ونيومكسيكو وأوريغون وواشنطن العاصمة، تذهب المذهب نفسه. اذ سبق للمشرعين في هذه الولايات أن تقدموا باقتراحات قوانين لالزام المدارس بتعليم هذه اللغات في المدارس، والمشروع في طريقه إلى التنفيذ.
هذه القرارات التي اتخذتها الولايات الأميركية ليست عشوائية، بل مستندة الى اهمية اكتساب “مهارة” البرمجة وتأثير ذلك في تغيير الشروط الوظيفية في المستقبل، خاصة وأن امتلاك “مهارة” البرمجة يصب بشكل مباشر في تحسين الظروف المعيشية للأفراد، بالاضافة إلى رفع قدراتهم على الابتكار وتطوير أعمالهم المستقبلية، وخصوصاً اننا مقبلون على مرحلة يعتبر فيها الحاسوب والعالم الالكتروني أساساً لعملية التطوير.
ولهذه الغاية، عمدت معظم الشركات الرائدة في “صناعة الانترنت” إلى الاستثمار في مجال تعليم لغات البرمجة، اذ تعمل شركة “ياهو” و”مايكروسوفت” و”غوغل” على اطلاق برامج مساعدة على تعلم هذه اللغات، بالاضافة إلى ضخها مبالغ هائلة في استثمارات ومساعدات سواء على مستوى المدارس والجامعات أو الأفراد، لتعميم ثقافة البرمجة وتأثيرها في تغيير المستقبل.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة أمام واقع كهذا، هو هل ستستطيع مدارسنا وجامعاتنا العربية، والجامعات اللبنانية على وجه الخصوص، تعميم هذه الثقافة بين الطلاب لادخال علوم البرمجيات في المناهج الدراسية؟
من المؤكد أنه في حال وجدت الارادة والوعي الكافيين لتغيير المناهج وتعديلها، فان كل العوائق ستزول. اذ يصطدم مشروع كهذا بعوائق أبرزها الجهوزية التعليمية التي يتمتع بها الاساتذة في العالم العربي، بالاضافة إلى التمويل اللازم لمشروع كهذا. وقبل البدء بتذليل العقبات، يجب توافر الوعي والادراك الحكومي والشعبي لأهمية هذه المناهج واللغات في تحويل المستقبل المعيشي للأفراد. وفي اطار تذليل العقبات، طرحت صحيفة “نيويوركر” الاميركية في الثلاثين من تشرين الثاني الماضي (بعد شهر من قرار العمدة) اشكالية تمثلت بسؤال “هل يستطيع مدرس لغة انكليزية تعلم لغات البرمجة؟”.
وخلصت الصحيفة في موضوعها إلى نتيجة ايجابية، اذ اعتبر أكثر من مدرس لا صلة لهم بلغات البرمجة، أن تعلمها ليس بالأمر الصعب مطلقاً. واستشهدت الصحيفة بتجربة ميريديث تاون البالغة 38 عاماً، والتي تُدرس اللغة الانكليزية في احدى مدارس نيويورك. وانتقلت تاون، وفق ما يرد في مدونتها “تاون هول”، من تدريس اللغة الانكليزية إلى التدريس في “اكادمية هندسة البرمجيات”. وفي الاطار عينه، فإن المهندس السابق في شركة “امازون” احدى أكبر الشركات الكترونية المتخصصة في مبيعات التجزئة في العالم، سين ستيرن، قال لـ”نيويوركر” بان “العائق الأول أمام المدرسين هو الخوف. فمعظم المدرسين وخصوصاً مدرسي اللغات البعيدة عن علوم الهندسة، يخافون من التكنولوجيا وتعلُّمها بحجة أنها معقدة وصعبة الفهم”.
من المؤكد أن ادخال تجربة مشابهة في الدول العربية ستحمل فوائد اقتصادية بالغة الأثر، فهو أولاً استثمار طويل الأمد في رأس المال البشري وتجهيزه للمستقبل المعلوماتي الذي لم يعد بعيداً أبداً، بالاضافة إلى الاستفادة الاقتصادية المباشرة من الاستثمارات التكنولوجية التي بأغلبها لا تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، وهو ما تشهده دولة الامارات على سبيل المثال لا الحصر كونها الأكثر انفتاحاً عربياً على المستوى التكنولوجي.
وتجدر الاشارة الى ان الامارات العربية، تسير على خطى التطوير التكنولوجي، إذ بلغ حجم قطاع التكنولوجيا نحو 3.4 بليون دولار في العام 2015، وسط توقعات بنمو هذا القطاع بنسبة 5.5% العام المقبل ليصل إلى 3.68 بليون دولار. وحازت البرمجيات على نسبتها من الارتفاع ايضاً، اذ وصل نمو قطاع البرمجيات خلال 2015 الى 7.1% بحجم سوق وصل إلى 600 مليون دولار.