كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
لم يكن الاجتماع الذي عقد، أمس الأول، في مكتب وزير المال علي حسن خليل طارئا على “أجندة” من شارك به. الأطراف الاربعة المعنية بهذا اللقاء وهي “أمل”، “المرده”، “المستقبل” و “الاشتراكي”، اتفقت على اللقاء والتشاور في زمن الحوارات الضائعة والمفكّكة، فكيف في ظل الاعصار السعودي؟
لم يكن لبّ الموضوع بالتأكيد إقناع سليمان فرنجية، عبر ممثلَيه في الاجتماع، الوزير روني عريجي والوزير السابق يوسف سعادة، بالنزول الى البرلمان في الثاني من آذار للمشاركة في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لاعتبارَين اساسيَّين: أولا، لأن الرئاسة نفسها، في ظل التوتر غير المسبوق بين لبنان ودول الخليج، تراجعت الى قعر الاولويات مع تقدّم مصير الحكومة والخوف من سقوط قواعد اللعبة الى واجهة الاهتمامات بالتزامن مع انفجار البركان السعودي على الارض اللبنانية.
ثانيا، لأن موقف فرنجية معروف وثابت وواضح: لا للمشاركة في جلسة “تحدّ” يغيب عنها حليفه “حزب الله”.
على طاولة وزير المال طرحت مجموعة هواجس تتجاوز بأهميتها الاستحقاق الرئاسي نفسه. فهناك تهيّب واضح للحظة السياسية السعودية غير المسبوقة بخطورتها وجدّيتها وإنعكاساتها، وثمّة سؤال محوري تشارك الجميع في طرحه: لماذا هذا “الجنون” وما هو الهدف وأية نتيجة منتظرة؟
بعيدا عن “اللقاء الرباعي”، كانت مصادر مطّلعة في “8 آذار”، تتحدّث بكثير من الجزم بأنه إذا كان ثمّة “لائحة ضحايا” عند الجيل السعودي الجديد الحاكم، لاطاحة قواعد اللعبة التي حكمت تاريخيا العلاقة بين لبنان والرياض، فإن الرئيس سعد الحريري هو الاسم الأول على هذه اللائحة!
يكفي في هذا السياق، تتابع المصادر، رصد ما يحكى في كواليس “تيار المستقبل” عن “الفاجعة” التي ألمّت بـ “الشيخ” لحظة دخوله مذهولا مدار الغضب السعودي على لبنان وحكومته.
لن يزيد في عقم المشهد سوى “حفلة المزايدات” في حبّ السعودية وحماية مصالحها بين حلفاء الصف الواحد. ذهب البعض، ومنهم “القوات”، الى الحدّ الاقصى في “زرك الجميع” في الزاوية الى حدّ التذكير بأننا رفضنا أصلا المشاركة في حكومة اتّخذت شعار النأي بالنفس ثم تحوّلت الى غطاء لتدخّل “حزب الله” في سوريا والدول العربية.
سمير جعجع الذي حيّد الوزير جبران باسيل داعيا الحكومة الى “معالجة جوهر الازمة”، وواصفا بيانها بـ “الشاعري” ألزم الجميع، وعلى رأسهم “المستقبل”، بهذا السقف العالي وباللحاق به!
وبرغم ذلك، لا تزال الرئاسة تأخذ حيّزا مهمّا من الاهتمام. لم يبدل الاعصار السعودي حتّى الآن في أي حرف في معادلة رسمتها حسابات واصطفافات الداخل: زعيمان من “14 آذار” يتبنّيان ترشيح حليفَي “حزب الله” الذي يخوض معارك وجودية من اليمن الى بيروت مرورا بالعراق وسوريا والبحرين.
ترشيح جعجع لعون قائم ومستمر مع تلويح “بما هو أبعد من الرئاسة”، لكن الموقف العوني الذي يرى في الاستنفار السعودي و “جوقة” التطبيل والتصعيد التي رافقته محاولة لضرب تفاهم معراب، يقابل بموقف من “8 آذار” يذكّرهم بأنهم بذلك “يعطون أنفسهم حجما يوازي المنطقة والشرق الاوسط وهذا غير منطقي وغير صحيح”!
بالمقابل، ترشيح سعد الحريري لسليمان فرنجية قائم ومستمرّ أيضا. الثاني مقتنع بصدق الأول ونواياه، ولذلك لا يزال متمسّكا بترشيحه طالما لم يطرأ أي مستجدّ يزكّي خيار عون رئيسا. في المقابل، يغيب الكلام المباشر نهائيا بين “الجنرال” و “البيك الزغرتاوي”، فيما يقتصر التواصل على مستوى الصفّ الثاني في الحكومة واللجان النيابية والمناسبات الاجتماعية.
التزاما بتعميم صريح صادر عن فرنجية، قاطع “المَرَديون” منذ فترة وسائل الإعلام. لكن صمتهم اكتسب صفة “الموقف” في الآونة الاخيرة بعد الاجراءات السعودية الاخيرة ومحاولة المملكة جرّ الحكومة الى المزيد من التنازلات السيادية كمدخل للتخفيف من حدّة التوتر وإعادة الامور الى نصابها، إضافة الى ارتفاع وتيرة هجوم “المستقبل” على “حزب الله” الحليف الاول لفرنجية.
وأول من حاول تسليط الضوء على هذا الصمت هو محيط عون طارحا تساؤلات عمّا إذا كان صمت وزير “المرده” روني عريجي في المداولات التي رافقت صدور “بيان الاجماع العربي” في 22 الجاري هو لحسابات رئاسية، لكن معظم المشاركين في الجلسة نفسها يؤكّدون ان وزراء بينهم وزير “الطاشناق” ووزير “أمل” غازي زعيتر لم يشاركوا في النقاشات، فيما أيّد عريجي البيان بصيغته النهائية من دون تحفّظ.
وفي ظل قرار فرنجية الحالي بالغياب تماما عن الشاشة والتزام قيادات “المرده” بالامر الحزبي، باستثناء مقابلة يتيمة للوزير عريجي قبل يومين على إحدى محطات التلفزة، فإن مطّلعين على موقف بنشعي يفيدون بالآتي:
ـ فرنجية من المؤيّدين الأوائل للإجماع العربي، لكن ليس الى الحدّ الذي يمكن أن يتعارض مع المصلحة الوطنية ويشكل خطرا على لبنان، فيما يجب على لبنان ان يجنّب نفسه أي وضع يفرض عليه المفاضلة بين الامرين.
ـ الرهان على تفهّم الرياض للتركيبة اللبنانية واستيعاب التشنّجات الحاصلة المتأتية بشكل أساسي من الفراغ الرئاسي وتعقيدات الداخل.
ـ ضرورة التضامن مع الحكومة ورئيسها، الذي لا يُحسد على موقفه، ومساعدته ومساعدة كل القوى السياسية ممّن لها علاقات وطيدة مع دول الخليج على محاولة تجنّب الأسوأ والتخفيف من حدّة التوتر، “لأن الوقت ليس مناسبا لتسجيل مكاسب سياسية ظرفية”.
ـ الموضوع الذي حصل هو أكبر من أداء وزير خارجية، ولا يجوز تحميل الوزير المعني أكثر مما يحتمل.
ـ إذا كان ثمّة من يقول بأن ما صدر عن الحكومة بشأن العلاقة مع الدول العربية ودول الخليج غير كاف، فيجدر التكاتف حول الحكومة من أجل البحث كقوى مجتمعة بالموضوع من دون استثمار المواقف السياسية في السياسة الداخلية لأن الوضع دقيق وخطير جدا.
ـ لا ضرورة لـ “الاعتذار”، في مقابل ضرورة الإقلاع عن “النَفَس” التصعيدي والمزايدات والالتفاف حول الحكومة لاجتياز هذه المرحلة الحساسة.