تضاربت آراء الخبراء والمحللين اللبنانيين بشأن حجم تأثير الأزمة السياسية مع دول الخليج في ظاهرة بيع المستثمرين الخليجيين لعقاراتهم في لبنان، في مقابل تأثير العوامل الاقتصادية التي تزامنت معها.
ويرى البعض أن ربط الظاهرة بالعوامل السياسية لا يعطي تفسيرا كافيا، وأن هناك العديد من الأسباب الاقتصادية التي فجرت عملية التصحيح في الأسعار التي بلغت ذروتها بعد سنوات من الارتفاع المتواصل.
وقالوا إن ظاهرة انسحاب المستثمرين الخليجيين من القطاع العقاري اللبناني بدأت في عام 2010 وأنهم حققوا أرباحا خيالية من بيع العقارات التي تضاعفت أسعارها في تلك الفترة بنحو ثلاث مرات.
وتذهب مصادر أخرى إلى أن الأسعار تضاعفت أكثر من 10 مرات في عام 2007. وتشير إلى أن قيمة بعض العقارات قفزت من 100 ألف دولار إلى ما يصل إلى مليون دولار، خلال الطفرة الكبيرة التي شهدتها أسعار العقارات والتي تعتبر غير مسبوقة.
وأكد خبراء في قطاع العقارات أن تلك الذروة التي بلغتها أسعار العقارات، فرضت حدوث عملية تصحيح وأن موجة الهبوط كانت حتمية. وأضافوا أن كبار المستثمرين الخليجيين في قطاع العقارات في لبنان وصلوا إلى قناعة بأن الاستثمار لم يعد مجديا، ولذلك تحولوا إلى بيع عقاراتهم بشكل ملحوظ، ابتداء من عام 2011.
وكان اندلاع الحرب في سوريا في ذلك العام، الشرارة التي أطلقت عملية التصحيح، التي نتجت عنها بداية هبوط متسارع لأسعار العقارات في لبنان، بسبب ما رافقها من تهديدات أمنية للرعايا الخليجيين.
وقال المحلل الاقتصادي عبدالرحمن أياس في تصريحات لـ”العرب” إن هناك أسبابا اقتصادية مباشرة تفسر قضية عرض العقارات الخليجية للبيع في لبنان.
وأشار على سبيل المثال، إلى أن البيان الذي وجهه البنك الأهلي السعودي إلى بنك لبنان المركزي، قال إن إقفال فروعه في لبنان يعود سببه إلى الركود الاقتصادي اللافت، الذي يجعل من أي عملية استثمار في لبنان من دون أي جدوى اقتصادية. وأضاف أن البنك السعودي أكد أن إمكانية تحقيق أرباح باتت ضئيلة جدا، وأن هناك مخاوف من التعرض لخسائر.
ويرى أياس أن ذلك البيان يمكن أن يقودنا إلى تفسير عرض العقارات الخليجية للبيع، من خلال سببين أساسيين وعدد من الأسباب الفرعية التي ترتبط بهما مباشرة أو بشكل عرضي.
وقال إن السببين الرئيسيين هما الركود الاقتصادي الملحوظ، وعدم قدرة أي مستثمر أجنبي على منافسة البنوك اللبنانية التي تحتكر السوق العقارية بشكل شبه حصري.
وأشار إلى أن البنوك اللبنانية تمتلك بنية مالية قوية، تمكنت من خلالها من بسط سيطرة، تكاد تكون كاملة، على كل ما يتصل بالاستثمار العقاري في البلد، الأمر الذي جعل من الصعب أي منافس أجنبي الدخول إلى السوق العقارية في لبنان.
أما الأسباب الثانوية من وجهة نظر المحلل الاقتصادي فتتمثل في “أن امتلاك الخليجيين للعقارات في لبنان قديم، ويعود إلى فترة ما قبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 1975 وهي بالتالي ليست حديثة”.
وأوضح أن آخر موجة شراء للعقارات من قبل المستثمرين الخليجيين يمكن رصدها بعد انتهاء الحرب الأهلية وتحديدا في عام 1995. وأضاف أن تلك العقارات القديمة لا تقدم فرصة جيدة للاستفادة الفاعلة منها، لأن هامش الأرباح الذي يمكن أن تحققه للمستثمر بعد دفع تكاليف الصيانة والترميم الضروري أحيانا، لا يكاد يذكر.
وأشار أياس إلى ظاهرة تتمثل في أن جزءا من العقارات الخليجية هي عقارات تحولت إلى مولات، وهي تعاني من عزوف العلامات التجارية الكبرى عن استئجار محلات لعرض بضاعتها في المولات الكبرى، وهي ظاهرة ملحوظة منذ سنوات.
وأكد المحلل الاقتصادي لـ”العرب” انسحاب الاستثمارات الخليجية من لبنان إلى تركيا، التي باتت تشكل بيئة مناسبة للاستثمار الآمن في المجال العقاري.
وأرجع ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها قوة الاقتصاد التركي الذي حافظ على دورة اقتصادية نشيطة، رغم الاضطرابات الإقليموية، إضافة إلى الاستقرارالأمني، حيث أنه لم تصدر أي إيعازات للرعايا الخليجيين بمنع السفر إلى تركيا.
وأشار إلى التسهيلات القانونية التي تمنحها تركيا للمستثمرين، والإغراءات التي تقدمها لهم، وحجم السوق التركي الكبير والواسع والذي يؤمن فرصا ممتازة للربح، مقارنة بالسوق اللبناني، الذي ضاق وتقلصت قدراته كثيرا في السنوات الأخيرة منذ اندلاع موجة العنف الدموي في سوريا.