Site icon IMLebanon

المغرب: نمو الاقتصاد لا يصل إلى جيوب الناس

Dacia-Lodgy-Tangier-Morocco

ابراهيم محمد

يطرح ازدهار صناعة أجزاء السيارات والطائرات أمثلة على نجاح السياسات الاقتصادية المغربية في أكثر من مجال، غير أن استكمال النجاح مرتبط بعوامل في مقدمتها إصلاح التعليم وفرض نظام ضريبي يقلل عدد الفقراء والعاطلين عن العمل.

يبدي كثير من المغاربة استغرابا يصل حد السخرية أحيانا عند الحديث عن النجاحات الاقتصادية لبلدهم خلال السنوات العشر الماضية. “أي نجاح اقتصادي هذا الذي تتحدثون عنه، ألا ترون الفساد والإضرابات والفقر والأمية التي تعم المغرب”، يصرخ أحد العارفين مضيفا: “المغرب يستفيد من أزمات المنطقة العربية وهذا كل ما في الأمر”. غير أن هذا الاستغراب شيء ، وما تقوله الوقائع شيء آخر.
فحسب المعطيات المتوفرة ، فقد حقق المغرب بالفعل قفزة هامة لا تقتصر على معدلات نمو جيدة بحدود 3 إلى 5 بالمائة خلال السنوات القليلة الماضية، بل تشمل أيضا تنويع اقتصاده من خلال ترسيخ أقدام قطاعات جديدة في مقدمتها صناعة السيارات وصناعة أجزاء ومكونات الطائرات ، والطاقات المتجددة والاتصالات. وعلى سبيل المثال وصلت صادرات السيارات ومكوناتها إلى الأسواق الأفريقية والأوروبية إلى 3.5 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2015، أي ما يزيد على الصادرات الزراعية التي وصلت إلى 3.1 مليار دولار خلال نفس الفترة.
الملفت للنظر في مسيرة تنويع الاقتصاد المغربي أنّ تعزيز الصناعات الجديدة لا يتم على حساب القطاعات التقليدية كالزراعة والأنسجة والحرف والسياحة. فهذه القطاعات تستفيد بدورها من تحديث البنية التحتية والحوافز الضريبية والجمركية والترويجية والقروض الميسرة التي تقدمها الدولة.

اللامركزية خففت البيروقراطية

تعود بدايات التنوع الذي يدخل الاقتصاد المغربي من أبواب واسعة إلى بداية الألفية الحالية عندما وضعت حزمة دراسات وخطط ومشاريع وقوانين متنوعة. وقد ركزت تلك الحزمة بعد وصول الملك محمد السادس إلى السلطة على توفير البنية التحتية واللوجستية لصناعات و خدمات تقوم على أنّ المغرب يتمتع بميزات تنافسية مثل رخص قوة العمل والقرب من الأسواق الأوروبية والأفريقية والتسهيلات الضريبية، إضافة إلى جملة من اتفاقيات الشراكة والتجارة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أفريقية عديدة. ومع اندلاع ما سُمي بثورات “الربيع العربي” أعطى الملك لعملية الإصلاح الاقتصادي دفعة جديدة تجسدت في خطوات أبرزها “الجهوية المتقدمة” على حد تعبير الخبيرالاقتصادي الطيبي السعداوي في حديث مع DWعربية. ومما تعنيه هذه الجهوية تقسيم المغرب إلى مناطق للاستثمار تتمتع الإدارات المسؤولة فيها بحرية اتخاذ القرارات المتعلقة بالمشاريع الصناعية والزراعية والخدمية بما يخدم عملية التوازن الاقتصادي والتنمية، ما أدى إلى “تقليص الإجراءات الإدارية والحد من البيروقراطية المتعلقة بالوثائق والتراخيص اللازمة لإقامة المشاريع وتمويلها في مختلف القطاعات”، ويقول السعداوي مضيفا: “على الرغم من ذلك ما يزال الفساد الإداري والمالي منتشرا على نطاق واسع في الإدارات الحكومية ولو بدرجات مختلفة لدرجة أنه أصبح جزءا من ثقافتها في العمل اليومي”. ويذهب بعض الخبراء إلى تقدير الأضرار الناجمة عن الفساد بنقطتين مئويتين من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يزيد على 2 مليار دولار سنويا.

مشكلة الفساد وغياب الرؤية

الفساد ليس العائق الوحيد أمام السياسة الاقتصادية المغربية التي تقوم تنويع مصادر الدخل بالاعتماد على تطوير قطاعات جديدة وتعزيز القطاعات التقليدية. فالصناعات المغربية الناشئة تواجه منافسة عاتية من الصناعات الأوروبية والتركية والآسيوية وغيرها على حد قول عبد المجيد العيادي، الأمين العام للمنظمة العربية الأورو متوسطية للتعاون الاقتصادي. أما المشكلة الأكبر على ما يبدو فتتمثل في ضعف التنمية البشرية على مستوى عموم المغرب. “إذا أردت سياسة اقتصادية ناجحة مستدامة لابد لك من رفدها بكوادر وطنية مؤهلة لتوطين التكنولوجيا أولا وتطويرها في وقت لاحق”، كما قال العيادي في حديث مع DWعربية. ويدل على الضعف المذكور ، وصول نسبة الأمية إلى نحو 49 بالمائة في الأرياف وارتفاع نسبة الفقر والبطالة في صفوف الشباب بشكل يزيد من نسبة المهمشين وتراجع الفئات الوسطى في المجتمع. وعلى ضوء ذلك يرى العيادي أن “جزءا من المشكلة يكمن في أن المغرب ، مَثله مَثل دول عربية أخرى ، يواجه مشاكله المتراكمة منذ عقود ما بعد الاستقلال بحلول آنية، إنها سياسة إدارة الأزمات بدلا من سياسة تجنب نشوئها، وهذا ما يوقع البلد في دائرة شيطانية يصعب الخروج منها”.

فرص التعليم لا تواكب فرص الاستثمار

بدوره يقر الطيبي السعداوي بوجود خلل كبير في قطاع التعليم على الصعيدين الكمي والنوعي. ويزيد الأمر سوءا إضعاف حضور الدولة في هذا القطاع لصالح القطاع الخاص، ما يعني غياب تكافؤ الفرص أمام الأجيال الجديدة. وحتى على صعيد التعليم الجامعي لا يوجد ربط يذكر بين التعليم وسوق العمل. أما الإنفاق على البحث العلمي فهو في الحدود الدنيا. وعليه فإن إصلاح قطاع التعليم والجامعات أمر لا بد منه إذا أردنا الحديث عن موارد بشرية ترفد عملية التنمية في إطار سياسة اقتصادية تقوم على التنوع والتوازن. في هذا الإطار يرى العيادي أن المطلوب “سياسات تصحيحية تعليمية وغير تعليمية طويلة الأمد تحدد ماذا نريد تحقيقه حتى عام 2030 ومن ثم حتى عام 2050، وكيف يمكننا تحقيق الأهداف وما هي الآليات للوصول إلى الهدف؟”.

التجربة المغربية مهمة للدول العربية

رغم ثغراتها العديدة تبدو السياسة الاقتصادية المغربية سائرة في المسار الصحيح، ويدل على ذلك مؤشرات عدة منها معدلات نمو جيدة ونسب بطالة أقل في صفوف الشباب مقارنة بالدول العربية. ففي الوقت الذي تصل فيه هذه النسبة في معظم الدول العربية إلى 25 بالمائة، فإنها تقدر في المغرب بنسبة 16 بالمائة. وبالنسبة للنمو فيبدو أن المستفيد الأكبر منه هو فئات غنية وبيروقراطية تزيد ثرواتها بطرق مشروعة وغير مشروعة. ومن هذه الطرق على سبيل المثال التهرب الضريبي، فالأغنياء في المغرب كما في الدول العربية الأخرى لا يدفعون ضرائب تذكر، فيما يتم خصمها من راتب الموظف بشكل مباشر.
من هنا ، فإن تصحيح السياسات الاقتصادية المغربية يتطلب إعادة توزيع جزء من نتائجها من خلال نظام ضريبي أكثر عدالة يساعد في القضاء على الأمية والفقر والبطالة. خلاف ذلك ، فإن نجاحها سيصل إلى طريق مسدود وسيبقى في إطار محدود وانتقائي. ومن شأن حالة كهذه دفع الشباب والنقابات إلى مزيد من الاحتجاجات التي تهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي. غير أنه وفي كل الأحوال فإن خبرات المغرب في إصلاح اقتصاده نحو التنوع والتوازن جديرة باهتمام الدول العربية الأخرى، لاسيما تلك التي تعتمد اقتصادياتها على مبيعات النفط والغاز ومواد أولية أخرى.