IMLebanon

الضغوط السعودية على لبنان… حزب الله محمي إقتصادياً

hezballahh
خضر حسان

تستمر ضغوط المملكة العربية السعودية على الحكومة اللبنانية لإتخاذ موقف واضح من حزب الله، على كافة المستويات، وخاصة وجود الحزب في سوريا. وبرغم تصعيد المواقف والخطابات بين المملكة والحزب، ووقوع الحكومة اللبنانية بين فكي الكماشة، الا ان احتمال حصول “الأسوأ” على المستوى الإقتصادي، غير وارد.

تتعرض الحكومة الى ضغوط بدأت بالظهور مع محاولة “التضييق” الأمريكي على حزب الله من الناحية المادية، عبر قرارات من شأنها ان تجبر المصارف اللبنانية على عدم التعامل مع الحزب. واستمرت الضغوط مع قرار السعودية الأخير القاضي بوقف الهبة التي كانت مقررة للجيش اللبناني، والتلويح بما هو قادم على الصعيد الإقتصادي، حتى بدأت تلوح في الأفق امكانية سحب ودائع سعودية وخليجية من المصرف المركزي، الا ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طمأن الى عدم حصول ذلك بعد، وضمنياً الى ان هذه الخطوة لن تحصل.
تطمينات سلامة المعلنة وغير المعلنة، ترافقت مع الخطوات التي يقوم بها الوفد المصرفي اللبناني الذي ذهب الى نيويورك عملياً لتهدئة الأمريكيين، ولتطمينهم بأن الإقتصاد اللبناني وتحديداً القطاع المصرفي يسير وفق قواعد اللعبة الأمريكية – الدولية، وانه لا استثناء يمكن لحزب الله ان يفرضه في هذا المضمار. غير ان الحزب لا يتأثر إقتصادياً بالقرارات الامريكية ولا بالإجراءات اللبنانية، فهو يحمي نفسه مالياً بعدم الغوص بلعبة المصارف، إذ لا يدخل الحزب الى المصارف اللبنانية، فأمواله تأتي من مصادر مختلفة، واهمها “الكاش”. أما الوجود المصرفي للحزب، فهو عبر مناصريه، وبخاصة رجال الأعمال الذين ينضوون تحت لوائه فعلياً، لكن قانونياً وظاهرياً لا شيء يربطهم بالحزب سوى التأييد. ولعلّ هذا الأمر هو الذي “يحمي” الحزب من أي قرارات مالية، داخلية وخارجية. كما ان الحزب يعلم تماماً بأن السعودية لن تصل الى مرحلة تدمير الاقتصاد اللبناني، وهو بذلك يناور ضمن هامش تناقضات الواقع اللبناني الذي يسمح للسعودية في “معاقبة” لبنان، لكنه لا يسمح بقلب الطاولة على الجميع، والحزب بذلك يلعب في أضيق المساحات، مع الحفاظ على رؤية كاملة وواضحة للمشهد اللبناني والإقليمي. وربما يستند الحزب الى وقائع إقتصادية ملموسة، أهمها عدم سحب المملكة لودائعها وللودائع الخليجية، وعدم لجوئها الى طرد اللبنانيين المقيمين لديها، كما في سائر الخليج، عدم مقاطعة المملكة والخليج للبضائع اللبنانية، عدم استدعاء السفراء… وغير ذلك من الإجراءات التي يفترض بالسعودية إتخاذها، حتى قبل سحب الودائع في حال إمكانية ورود ذلك، وهذه الإجراءات أبسط بكثير من التوجه مباشرة نحو القطاع المصرفي، الذي يعتبر عماد الإقتصاد اللبناني. وعليه، فإن الحزب والسعودية يلتقيان على قبول الضغط السياسي على الحكومة، بغض النظر عن نتائج هذا الضغط سياسياً. والطرفان يعلمان جيداً بأن كل ما يتعلق بالشأن اللبناني لا يسير الا وفق التسويات، أي ان تصعيد المواقف من الطرفين، سينتهي بتسوية تحفظ موقفهما. أما إقتصادياً، فلن يكون هذا الجانب محط نقاش لأنه لم يكن أساساً محط خلاف جوهري. وعودة المياه الى مجاريها، ستكون بمساعدة مالية سعودية تظهر “حسن النوايا” تجاه الشقيق الأصغر لبنان، وتجاه الحلفاء المحليين.

السيناريو الهادىء لا يعني بأن السعودية ضعيفة، او لا يمكنها اتخاذ تدابير أكثر إيلاماً للحكومة، ولحلفائها أيضاً، لحثهم على اتخاذ مواقف أكثر حزماً. فالسعودية قد تلجأ الى التضييق على بعض المصارف اللبنانية وعلى رجال أعمال حزب الله، عبر التوصل مع الامريكيين الى صيغة، ربما، تكرر تجربة البنك اللبناني الكندي، الذي ذهب ضحية “التعامل” مع حزب الله. لكن هذه الخطوة تحتاج الى الكثير من التدقيق قبل تنفيذها، لأنها أولاً تعني وضع الأمريكيين في الواجهة، وهذا ما تحسبه الإدارة الأمريكية جيداً، مع الأخذ بعين الإعتبار نتائج نقاشها مع الوفد المصرفي اللبناني، وثانياً تعني دراسة وضع القطاع المصرفي اللبناني، تحديداً لجهة إذا ما كان يحتمل ضربة مباشرة أم لا، وفي هذه الحالة، نعود الى عدم رغبة أي طرف بالتأثير المباشر على المصارف وعلى الإقتصاد اللبناني.
ما يجري اليوم دقيق، ودقته تأتي من كثرة الخيارات والإحتمالات المفتوحة، التي مهما كثرت، لن تصل الى خيار الهدم من الناحية السعودية، ولن تصل الى “إستفزاز” الحزب للسعودية بوتيرة أكثر، لعدم جرّ إجراءات إقتصادية لن يستطيع تعويضها من إيران في المدى المنظور. إذ ان تطوير التقارب الإقتصادي اللبناني – الإيراني، على ضوء رفع العقوبات الدولية عن إيران، لن تثمر نتائجه الا من خلال اتفاقيات رسمية، وهذا ما لم يتحقق بعد، وبالتالي لن يخاطر الحزب أكثر ما لم يكن متأكداً من إمتلاكه لبديل إقتصادي يسند موقفه السياسي. لكن مما لا شك فيه، ان حزب الله حصن نفسه منذ سنوات، عبر دخوله في اللعبة السياسية بعد العام 2000، ونسج شبكة عنكبوتية داخل السياسة والإقتصاد، جعلت من الصعوبة بمكان، التضييق على الحزب دون التأثير على الشعب اللبناني عموماً، وعلى الإقتصاد العام.