كتبت رولا حداد
لم يكن مفاجئاً بالمعنى الحرفي للكلمة الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية بحق الفنان المعتزل فضل شاكر: 5 سنوات سجناً بتهمة تعكير صلات لبنان بدولة شقيقة. فالحكم الصادر بأسلوبه ومنطوقه يذكر اللبنانيين بزمن الوصاية السورية، ليس لناحية شخصية فضل شاكر المثيرة للاجتهادات بين اللبنانيين سواء دفاعاً عنه أو تجريماً له، بل لناحية مضمون الحكم: الإساءة إلى النظام السوري في مقابلة أجريت في العام 2014!
بالمنطق السياسي البسيط يحق لمن يريد أن يسأل: كيف أساء فضل شاكر إلى العلاقات مع النظام السوري؟ وهل علاقات الدولة اللبنانية جيدة مع هذا النظام الذي يرتكب مجازر إبادة جماعية وتسبب بهجرة أكثر من 6 ملايين سوري من الأراضي السورية، ولبنان حظي بحوالى المليونين منهم؟! كيف انعكست تصريحات شاكر سلباً على علاقات لبنان بالنظام السوري؟ هل تأثرت سلباً الحركة الاقتصادية المتوقفة أساساً بين البلدين؟ هل تأثرت استثمارات اللبنانيين في سوريا المدمّرة؟ هل يمكن للمحكمة العسكرية أو أي سياسي أن يخبرنا كيف حصل تعكير الصلات مع نظام أرسل المتفجرات مع ميشال سماحة كما كان يرسل الإرهابيين أمثال شاكر العبسي وجماعته إلى لبنان لتقويض الاستقرار؟ أولم يكن يجدر بالحكومة اللبنانية أساساً بعد فضيحة سماحة- المملوك- الأسد أن تقطع كل العلاقات الدبلوماسية مع هذا النظام المجرم؟
وفي المقابل كيف يمكن التغاضي عن الإساءات غير المسبوقة، التي ارتكبها ويرتكبها “حزب الله” والجوقة المحيطة به، بحق العلاقات اللبنانية مع المملكة العربية السعودية؟ وهل يحتاج إلى تفسير أو شرح عن الانعكاسات الكارثية لهذه الإساءت على علاقات بيروت بالرياض، وعلى الاقتصاد اللبناني بدءًا بوقف الهبات السعودية للجيش اللبناني والقوى الأمنية، مروراً بالطلب إلى الرعايا السعوديين ومن ثم الخليجيين بعدم السفر إلى لبنان ما يضرب القطاع السياحي، وحركة عرض العقارات المملوكة منهم للبيع ما ينعكس سلباً على القطاع العقاري، وصولاً الى ترحيل لبنانيين من السعودية بالعشرات والخوف قائم اليوم على أكثر من 500 ألف لبناني مقيم وعامل في الخليج؟!
هل اطلعت المحكمة العسكرية على هذه الوقائع الناجمة أولا عن انخراط “حزب الله” بحروب خارج الحدود اللبنانية، من سوريا مرورا بالعراق وصولا الى اليمن والتحريض في البحرين؟ هل اطلعت المحكمة العسكرية على اتهامات الأمين العام لـ”حزب الله” للسعودية بالتعامل مع الإسرائيليين؟ وهل سمعت هتافات “الموت لآل سعود”؟ وماذا عن مطالبة البعض بطرد السفير السعودي؟ ألا تسيء هذه المطالبة إلى العلاقات اللبنانية- السعودية؟ وماذا عن منشد مزعوم لا يتورّع عن الإساءة اليومية لدول الخليج ويضرب مصالح جميع اللبنانيين؟ ألا من يستحق المساءلة؟
في كل الدول المتحضرة تكون السياسة في خدمة الاقتصاد لتأمين رفاهية الشعوب، وهذا أقل الإيمان. ونحن في لبنان حريصين على عدم الإساءة للعلاقات اللبنانية- الإيرانية لأن ثمة صادرات لبنانية إلى إيران تبلغ حوالى 50 مليون دولار سنويا، وذلك رغم الإساءات الإيرانية المتكررة إلى لبنان، سواء بالإصرار على تسليح “حزب الله” وسواء بادعاءات مسؤولي الحرس الثوري الإيراني بأن طهران تحكم 4 عواصم عربية بينها بيروت وبإن حدود إيران وصلت إلى شواطئ المتوسط وجنوب لبنان.
فهل نقبل في المقابل الإساءة إلى علاقات لبنان مع السعودية التي لطالما حضنت اللبنانيين من منتصف القرن الماضي، مرورا برعاية اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية، وصولا الى كل المساعدات والاستثمارات التي تقدمها السعودية في لبنان والتي فاقت الـ70 مليار دولار في السنوات الـ25 الماضية؟! وألا يجب على النيابة العامة التمييزية وكل السلطات القضائية، ومن ضمنها المحكمة العسكرية، إضافة الى السلطات السياسية، بأن تقوم بأبسط واجباتها في وضع حد للمقامرين بعلاقات لبنان ليس فقط مع السعودية، بل مع كل دول الخليج العربي وكل الدول العربية؟!
إذا كان البعض يظن للحظة أن بإمكانه أن يغافل اللبنانيين ويعيد عقارب الساعة إلى الوراء بالهيمنة مجدداً على المؤسسات والسلطات اللبنانية في استعادة لزمن الوصاية، فما عليه إلا أن يتذكر أن كل الوصايات انقرضت… وبقي لبنان!