الحرب الدائرة رحاها بين السعودية وإيران، في سوق النفط منذ سنوات، والتي كانت الكفة الراجحة فيها تميل نحو الرياض، تشهد تغيراً واضحاً مؤخراً، وبخاصة بعد نجاح إيران في إسقاط العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل أمريكا وأوروبا.
ولعل أبرز ملامح هذا التغيير، تصريح وزير النفط الإيراني بيجن زنكة “أن اقتراحاً من منتجي النفط لتنسيق تجميد الإنتاج (مثير للضحك)”، لأنه لا يسمح لإيران باستعادة الحصة السوقية التي خسرتها أثناء العقوبات”.
مبعث الضحك لدى الوزير الإيراني، ليس فقط تفسيره حول حصة بلاده من إنتاج النفط، في ظل فكرة تجميد الإنتاج عند سقف يناير/كانون ثاني 2015، ولكنه يحتمل على أن يكون الوضع السلبي للاقتصاد السعودي، والذي دعا السعودية لهذا التفكير، أو تبني المقترح، لأن الرئيس الإيراني روحاني، سبق وصرح في بدايات أزمة انهيار النفط، بأن دولاً خليجية ستتألم من أزمة النفط قبل إيران.
وقبل العقوبات، كانت إيران كثيراً ما تدعو لخفض الإنتاج من أجل المحافظة على ارتفاع أسعار النفط، بينما كانت السعودية ترفض هذا المقترح، وتتعهد بتعويض السوق بأي انخفاض في الكميات، من قبل الدول أعضاء منظمة الأوبك أو غيرها من الدول النفطية خارج المنظمة.
وكانت سياسة السعودية المعلنة في ذلك الوقت، أنها تلعب دور المرجح في سوق النفط، وليست صانعة السوق، وأن السوق يجب أن يخضع لآلية العرض والطلب.
وتبنت السعودية الدعوة لتجميد الإنتاج عند سقف يناير 2015، في إطار تذمر دول نفطية أخرى، مثل فنزويلا وروسيا ونيجيريا، وحاولت السعودية عرض الأمر على أنه ليس مطلباً فردياً، ولكنه مطلب جماعي، كي لا يفسر على أنه سعي منها لتدارك ما أصابها من مضار اقتصادية، بسبب انهيار أسعار النفط منذ يوليو 2014.
وتحسبت أسواق النفط لإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن تجميد حصص الإنتاج، على ما كانت عليه في يناير 2015، ما أدى إلى زيادة أسواق النفط لتتجاوز 34 دولاراً للبرميل، ولكن بعد الإخفاق في الوصول لهذا الاتفاق من قبل السعودية ودول نفطية أخرى، وكذلك رفض إيران للمبدأ، انهارت أسعار النفط مرة أخرى لتقترب من سقف 30 دولاراً للبرميل
الوضع المالي في السعودية، وتوالي إعلانها عن إصدار سندات لتمويل احتياجاتها المالية، قد يقوي الموقف الإيراني في تبنيه لرفض المقترحات السعودية بشأن تجميد أو تخفيض سقف الإنتاج، من أجل رفع أسعار النفط بالسوق العالمي.
>في السابق، كانت إيران تستهدف رفع سعر النفط، لكي لا ينخفض سعره عن 100 دولار للبرميل، وترى أن سعر 100 دولار للبرميل يحقق مصالح المنتجين والمستهلكين، ولكن حقيقة الأمر أن إيران، كانت تريد أن توجع الدول الغربية وأمريكا، باعتبارهما مستوردين للنفط، واستمرار ارتفاع الأسعار يصب في انهاكهما مالياً، وفي نفس الوقت يخفف من الضغوط الاقتصادية المفروضة عن إيران.
ولكن إيران تناست ما كانت تدعو إليه من قبل رفع العقوبات عنها، حيث أكد الرئيس روحاني نهاية عام 2014، أن انخفاض أسعار النفط لا يرجع لعوامل اقتصادية، ولكنه مؤامرة ضد اقتصاديات دول العالم الإسلامي، وكذلك صرح محمد صادق المسؤول الإيراني بوازاة النفط في نفس الفترة، بأن انخفاض سعر النفط عن 80 دولار يضر بتوازن السوق.
فأين إيران الآن من سياستها قبل رفع العقوبات الاقتصادية تجاه أسعار النفط، وضرورة خفض الإنتاج؟ لقد دفع إيران لتغير موقفها بشأن السياسة النفطية، حربها المعلنة تجاه المملكة العربية السعودية، حيث تخوض البلدان حرباً في اليمن وسوريا، وعما قريب قد تكون لبنان مسرحًا للحرب المباشرة بين البلدين.
النفط أداة الصراع
على الرغم من الفارق الكبير بين حصة الإنتاج النفطي لكل من السعودية وإيران، إلا أن العائدات النفطية تشكل محور إيرادات الموازنة العامة فيهما، ولعل إيران تستشعر الآن، أن موقفها أقوى بعد تلقيها لعروض باستثمارات أجنبية في مجال النفط، من أجل تطوير حقول إنتاجها، ووجود سوق مفتوحة بشكل كبير في كل من اليابان وأوروبا.
في نفس الوقت، لإيران سطوتها على صناعة القرار في العراق، فيما يخص النفط، وبالتالي فيمكن القول أن الحصة الإنتاجية لإيران تتضمن الحصة العراقية كذلك.
وحسب بيانات التقرير الشهري لمنظمة الأوبك عن فبراير 2016، يتضح أن حصة السعودية من الإنتاج ما زالت مرتفعة حتى يناير 2016، وبلغت 10.2 مليون برميل يومياً، بينما حصة إيران في نفس الشهر 3.3 مليون برميل، والعراق 4.1 مليون برميل، أي أن إيران لا تتحدث عن حصتها الإنتاجية التي تبلغ نحو ثلث حصة السعودية الإنتاجية، ولكنها تتحكم في إجمالي حصتها وحصة العراق ليكون ما تديره إيران من إنتاج نفطي 7.4 مليون برميل يوميا.
سياسة النفس الطويل.
خاضت إيران مواجهة طويلة الأمد مع العقوبات الاقتصادية، واستطاعت أن تحافظ على موقفها السياسي إلى حد ما، ولعلها تراهن على الزمن في موقفها تجاه السعودية، بالتركيز على انهاك الاقتصاد السعودي، تحت وطأة انهيار أسعار النفط، وبخاصة أن السعودية تعلن عن تفاقم العجز بموازانتها ليصل 20%، وتبني سياسات اقتصادية تستهدف رفع الدعم عن السلع والخدمات.
فمما زاد من حدة الأزمة الاقتصادية في السعودية، في ظل انهيار أسعار النفط، أنها فتحت أكثر من جبهة خارجية تستنزف مواردها الاقتصادية، مثل دعمها الاقتصادي لمصر، وكذلك دعم المعارضة المسلحة في سوريا، بل وإعلان السعودية عن استعدادها للتدخل البري في سوريا، والدخول في حرب مفتوحة مع الحوثيين في اليمن اقتربت من عامها الأول دون حسم.
وبلا شك أن التغير الحادث في السياسة الإيرانية تجاه أسعار النفط، وعدم مبالاتها بانخفاض أسعاره مبعثه تحقيق أكبر خسائر ممكنة للسعودية، ولكن سيكون لتلك السياسة آثارها السلبية على إيران كذلك.
فإيران تعتمد على الموارد النفطية بنحو 70% من موارد موازنتها العامة. وتأمل في تحسن اقتصادها والتخلص من أعباء اقتصادية واجتماعية عانت منها طوال فترة العقوبات الاقتصادية.
مستقبل السيناريو الإيراني
أصبحت السعودية هي من تدعو لتجميد حصص الإنتاج من النفط، على ما كانت عليه في يناير 2015، من أجل تحسين الأسعار في السوق العالمية، وتتبنى الموقف الإيراني السابق، وتخلت السعودية عن دورها التاريخي في أوبك والذي استمر حتى شهور قليلة ماضية.
بينما إيران تتبنى خطاباً مختلفاً عن ذي قبل، وتتقمص الدور السعودي، بأن من حقها الاحتفاظ بحصتها الإنتاجية، وأنها ترى أن السوق تحكمه قواعد العرض والطلب.
وهذا الخطاب الجديد لإيران، يراهن على أمرين، الأول سعي إيران لزيادة آلام الاقتصاد السعودي اقتصادياً، تحت وطأة انهيار أسعار النفط، وكذلك رهان إيران على استقدام استثمارات أجنبية مباشرة في مجالات مختلفة، تعوضها عن خسائرها من انخفاض أسعار النفط.
فهل ستتخلى السعودية عن مواجهة إيران، في السوق النفطية، أو في الملفات الأخرى التي تخص دول المنطقة، والتي تتصارع فيها مع طهران؟.
إن سعى السعودية مؤخراً لعودة العمل الدبلوماسي في العراق، يشير إلى زيادة الصراع وليس السعي لإنهائه، فالسعودية شعرت أنها تركت العراق فريسة لإيران منذ عام 2003، حيث تفردت إيران بالعراق في مجالات السياسة والاقتصاد، بل وأصبحت ورقة ضغط على السعودية من قبل إيران.