IMLebanon

البقاعيون يعالجون نفاياتهم “ذاتياً”: لا تطمعوا فينا!

النائب دي فريج يفتتح معمل فرز النفايات في بعلبك
النائب دي فريج يفتتح معمل فرز النفايات في بعلبك

لوسي بارسخيان

في وقت تعصف أزمة النفايات بمحافظتي بيروت وجبل لبنان، تكثر في البقاع معامل الفرز والمطامر الصحية. فبعد زحلة التي احتضنت أول معمل لفرز النفايات منذ 14 سنة، بوشر بتشغيل معمل لفرز النفايات وتسبيخها في بعبلك بالتعاون مع وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية، وذلك بالتزامن مع إنطلاق ورشة تجهيز معمل آخر في بر الياس، سيبصر النور نهاية هذا العام، كما ستستكمل دراسات لمعامل أخرى في جب جنين، وراشيا وقب الياس.
ولكن لا رابط بين انشاء هذه المعامل والحلول المقترحة لنفايات العاصمة، فالبقاع متخم عملياً بإنتاجه المتزايد جراء تزايد عدد اللاجئين السوريين، الذين تسببوا بزيادة كمية النفايات الصلبة بنسبة 15% منذ بداية اللجوء السوري الى لبنان، وفقا لتصريحات مسؤول قسم التنمية المستدامة في بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان مارسيللو موري خلال افتتاح معمل الفرز في بعلبك في أيلول الماضي. في المقابل هناك نقص كبير في البنية التحتية الأساسية لمعالجة هذه النفايات، حيث ان 8% فقط من النفايات البلدية يتم تدويرها، و9% تتم معالجتها على طريقة التسبيخ.
بحسب أرقام بلدية زحلة التي تعالج في معملها نفايات 25 بلدة في القضاء، فإن كمية النفايات الواصلة الى المعمل ارتفعت مؤخرا الى 250 طناً يومياً، بعد أن كانت الكمية القصوى قبل اللجوء السوري تصل الى 150 طنا. فيما يتحدث رئيس بلدية بر الياس عن أن 100 طن ستكون كافية لتشغيل المعمل الموعود في البلدة من دون الحاجة لنفايات المرج وقب الياس. وتؤكد بلدية بعلبك انطلاق معمل الفرز بقدرته التشغيلية الكاملة لمعالجة ما لا يقل عن 120 طناً، وذلك قبل استيعاب كل نفايات المحافظة وفقا للمخططات الموضوعة لمعالجة مشكلة المكبات العشوائية في المنطقة.
هذا الضغط الذي يسببه اللجوء السوري الكثيف الى البقاع، كان دافعا لتخصيص البقاع بأربعة مشاريع من قيمة الهبة التي حددها الاتحاد الاوروبي بـ 77 مليون يورو لمعالجة مشكلة النفايات في لبنان، حيث مول إنشاء معمل فرز في بعلبك، ويمول معمل بر الياس، والمعمل الموعود في جب جنين، بالاضافة الى تزويد معمل الفرز الموجود في زحلة بمحطة للتسبيخ.
يشرح عضو مجلس بلدية زحلة المكلف بملف المطمر الصحي نديم ابو ديب، ان إستحداث محطة التسبيخ في المطمر سيترافق مع تأهيل خطوط الفرز وتزويدها بتجهيزات إضافية لتحسين عملية الفرز، سواء عبر الاتحاد الاوروبي او عبر منظمة “ميرسي كوربس” mercy corps، ومع محاولات لتعزيز عملية الفرز من المصدر، في سعي لتحسين نوعية السماد العضوي بما يتلاءم مع المواصفات الزراعية المطلوبة. ويشير لـ”المدن” الى ان هذه الورشة ستعيد تعزيز مكانة معمل زحلة، بعد الضرر الذي الحقه المتعهد السابق بمنشآت المعمل والمطمر، متحدثا عن أهمية الهبات في تخطي الروتين الاداري والعراقيل المالية التي تحول دون تأهيل الموقع على نفقة البلدية.
والمعلوم ان كلفة المعالجة الأدنى في معامل فرز النفايات، هي في زحلة، حيث تتقاضى البلدية مبلغ 13 دولارا عن كل طن نفايات يعالج في المعمل، دون تعديل منذ 14 سنة. واذا كان الرقم لا يوازي كلفة التشغيل وإعادة الاستثمار التي تتراوح بين 39 و45 دولاراً للطن، كما يقول ابو ديب، فإن زحلة تتحمل العبء عن جيرانها تداركا لتأثرها بملوثات المكبات العشوائية التي كانت منتشرة في قرى الجوار.
أما في بعلبك التي التزمت شركة جهاد العرب ادارة معملها بعقد مباشر مع الدولة اللبنانية، فقد حددت كلفة إدارة طن النفايات بـ25 دولارا، تتضمن الفرز والتسبيخ، على ان تسدد البلدية كلفة الكنس والجمع. علما ان معمل الفرز في بعلبك مجهز ايضا بمعمل الـ”بيوغاز” المستخرج من النفايات والذي يمكن استثماره في مراحل متقدمة بإنتاج الطاقة الكهربائية.
هذه الصورة المشجعة لمعالجة النفايات عبر الفرز، يشوهها القلق الدائم من إستهلاك الأراضي في عملية الطمر التي تبقى ضرورية للتخلص من العوادم. وصحيح أن لدى زحلة حاليا قطعة أرض واسعة جهزت كمطمر صحي يفي حاجة المدينة لمدة 20 سنة، لكن يجب تدارك الاستهلاك السريع للمساحات التي قد لا يتوفر غيرها مستقبلا. ومن هنا يشير ابو ديب الى أهمية تسبيخ المواد العضوية ما يقلص الكميات المطمورة منها، الأمر الذي يسمح بإطالة عمر المطمر الصحي.
اما بعلبك التي لا تزال تنقل العوادم الناتجة عن عملية الفرز الى مكب الكيال العشوائي القائم في موقع أثري، فقد قدمت بلديتها قطعة الأرض المناسبة على مساحة مليون متر مكعب لبناء المطمر الصحي على ان تجهز بهبة 5 ملايين يورو من الاتحاد الاوروبي. ويشرح رئيس البلدية حمد حسن لـ”المدن” ان الخلية الأولى التي تستوعب العوادم لمدة 3 سنوات ستكون جاهزة خلال ستة أشهر، على ان يستكمل تجهيز الخلية الثانية التي تمتد على مساحة 800 الف متر مكعب وتكفي لمدة 15 سنة. لافتا الى ان البلدية بدأت مع “الهيئة الايرانية لاعمار لبنان” بوضع الدراسات اللازمة من اجل اقامة المنشآت الاستراتيجية في توليد الطاقة من العوادم waste to energy، تداركا لمرحلة ما بعد إستهلاك الارض المتوفرة.
يحرص حسن على استدامة المشروع بموازاة تشغيل معمل الفرز، فيلفت النظر الى هبة توفرت لأسطول حديث من حافلات نقل النفايات، هي عبارة عن 12 حافلة ستتسلمها البلدية في 18 آذار المقبل، ستضع بعضها في خدمة جمع النفايات المفروزة من المنازل. وهذا هدف آخر للبلدية التي تعاقدت مع المشغّل لتنظيم ورشات تأهيلية لفعاليات ومؤسسات المجتمع المدني، ومع كليتي الزراعة والصحة في الجامعة اللبنانية من ضمن مشروع عام سيساهم بانشاء محميات وخلق مساحات خضراء تحافظ على التوازن البيئي والايكولوجي لمدينة بعلبك. ويتوقع حسن ان يبدأ الفرز من المصدر بشهر نيسان او ايار المقبلين، مشيرا الى اننا اخترنا السير بشكل عكسي، فأقمنا اولا المعمل ووفرنا الحافلات الحديثة للنقل وللفرز ونعمل حاليا مع “UNICEFوUNHCR” والمنظمات غير الحكومية لتأمين حاويات مخصصة للفرز.
وعملية الفرز من المصدر تبقى أساسية بحسب حسن وابو ديب للتأكد من جودة “الكومبوست” العالية مستقبلا، بالاضافة الى كونه يحسن نوعية المواد التي يعاد تدويرها، وبالتالي يحقق التوازن المالي بإدارة المعمل والذي تتولاه بلدية زحلة مباشرة حاليا بالتعاون مع المتعهد والشركة الاستشارية حيث يتم التأكد من الكميات المفروزة، ويتم تغريم المتعهد اذا ما تدنت الكميات. فيما يشدد حسن على مسؤولية المتعهد في عدم تحويل معمل الفرز الى محطة لتحويل النفايات الى الطمر كما حصل في الناعمة.
وفشل مطمر الناعمة يجعل حسن يتجنب الحديث عن عدد البلديات التي تنقل نفاياتها حاليا الى المطمر، “لأننا لا نريد إستفزاز المجتمع البعلبكي المرحب بالمعمل”، فيكتفي بالاشارة الى استقبال نفايات القرى العاجزة عن حل مشكلتها. ويشرح حسن ان هناك حاجة تشغيلية لكل معمل، ولا يمكن تشغيله بأقل من قدرته الاستيعابية، وبالتالي “انا أحتاج لنفايات قرى الجوار حتى أشغل المطمر”.
واذ ينفي كل من حسن وابو ديب اي نية لمعالجة ولو جزء من نفايات بيروت في المعملين، يشجعان البلديات على المبادرة الى ايجاد الوسائل لإقامة المعامل والمطامر الصحية، ويقول حسن: “لا يجب ان نخاف من فكرة الفرز والطمر، خصوصا ان مصدر النفايات هو النشاط البشري، وهناك دور مطلوب من الدولة لتحفيز انشاء المطامر الصحية عبر تنشيط الخدمات الرديفة، ودور للقوى السياسية المؤثرة بمجتمعاتها، بالإضافة إلى دور البلديات في التأكد من سلامة المنشآت وادارتها، والجهات المانحة التي يجب ان تنفتح على توسعة المعامل ودعمها لتواكب المعايير”.