عدنان الحاج
لا يحتاج المرء إلى الكثير من الترقّب والتحليل للقول بإن العام 2016 سيكون اقل إيجابية من العام 2015 حتى لا نقول إن العام الحالي سيكون أسوأ من العام الذي سبقه لاعتبارات عدة، أبرزها تضرر أكثر العناصر المكونة للنمو الاقتصادي وضربها، مع إضافة عناصر من زيادة تراجع المؤشرات ونمو التأزم المالي والاجتماعي في ظل تراجع فرص العمل في لبنان والدول العربية والخارجية.
حسب نتائج مثلث عناصر النمو، تفيد المعلومات المتوافرة عن العام 2015 والشهرين الأولين من العام 2016 حتى لا نقول الفصل الأول الذي شارف على الدخول مع مزيد من التراجع نتيجة تفاقم الأزمات السياسية والأمنية في المنطقة ودخول لبنان مباشرة في الانعكاسات السلبية التي تظهر تباعاً. مثلث النمو الاقتصادي في لبنان ضرب وتراجع بشكل كبير خلال العام 2015 وهو يسير بالقوة ذاتها من التراجع خلال العام 2016.
على صعيد القطاع السياحي، فالنقطة الأخطر تبرز من خلال تقليص عمل النشاطات وإقفال مؤسسات تجارية نتيجة عجزها عن تسديد متوجباتها للمصارف من جهة، ونمو الديون المشكوك في تحصيلها من جهة ثانية، ولاسيما على صعيد القطاع التجاري، وفق معلومات جمعيات التجار في بيروت والمناطق. وهذا ما تؤكده أيضاً معلومات «غرفة التجارة في بيروت وجبل لبنان».
وحده القطاع المصرفي ما زال قادراً على تخطي الأزمات، نتيجة تنويع خدماته وقدرة مصرف لبنان على تحقيق الاستقرار النقدي ومنع التقلبات الحادة، نتيجة احتياطاته الكبيرة التي كوّنها من خلال هندسات أدخل بموجبها القطاع المصرفي ضمن اللعبة النقدية بالتسليفات والودائع لدى مصرف لبنان والاحتياطات بالليرة والعملات التي ساهمت بتحصين الاستقرار النقدي ضد الأزمات الطارئة المقبلة والتي حصلت في السابق، والتي قد تحصل لاحقاً نتيجة التضييق الخارجي على فرص العمل وزيادة تقليص التحويلات.
ـ ثلاثة قطاعات كانت تساهم بالنمو الاقتصادي أكثر من غيرها وهي التحويلات والرساميل الوافرة التي تراجعت من حوالي 16 مليار دولار إلى حوالي 11 مليار دولار بواقع حوالي 4 مليارات دولار خلال سنة تقريباً.
ـ النقطة الثانية تتعلّق بالصادرات الصناعية والزراعية التي تراجعت بحوالي 11 في المئة وخسرت حوالي المليار دولار في سنة.
ـ النقطة الثالثة تتعلّق بالرساميل والتحويلات الوافدة التي تراجعت 4 مليارات دولار، بما نسبته 26 في المئة في العام 2015، وتتابع تراجعها في العام الحالي في ظل توسّع توترات المنطقة. وهذا الواقع ينطبق على النشاط السياحي الذي كان تراجعه بمعدلات كبيرة هدّدت المؤسسات بالتوقف والإقفال حسب القطاعات ونقابتها المعنية.
فادي الجميل: الصادرات من 800 مليون إلى 3.7 مليارات دولار
رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل أكد رداً على سؤال أن العام 2015 كان صعباً على الصعيد الاقتصادي والصناعي للظروف المحيطة بلبنان، في أكثر دول المنطقة لجهة الأسواق التي يعتمد عليها لبنان وصعوبة الوصول الى هذه الأسواق.
كل الفكرة أن الصناعيين لا يريدون فقدان الأسواق التي لهم علاقة بها، ولاسيما دول الخليج التي تستقطب القسم الأكبر من الصناعات.
لقد تراجعت صادراتنا الصناعية في العام 2015 حوالي 20 في المئة خلال العامين الماضيين، منها حوالي 10 في المئة خلال العام 2015 وكانت الصادات تراجعت في السنتين السابقتين للعام المذكور، على التوالي ما بين 16.7 في المئة و6.9 في المئة. لكنني أقرؤها بشكل جيد مع كل الذي حصل التطورات الحاصلة حولنا على اعتبار أن صادراتنا لم تنهَرْ. وهذا دليل قوة، ومرونة في التأقلم مع الظروف الصعبة. على الرغم من زيادة كلفة التصدير البحري والجوي، وذلك نتيجة تراجع الصادرات عن طريق البرّ في ظل الأوضاع القائمة في سوريا والمحيط وهذا خلق تراكمات وأعباء إضافية على القطاع الخاص بنسبة 10 في المئة على القطاع الخاص.
هناك أكثر من 8000 مؤسسة صناعية في لبنان على الرغم من الإحصاء الأخير الذي أجرته منظمة «اليونيدو» والذي أشار إلى وجود حوالي 4033 مؤسسة صناعية في لبنان من فئات محددة وفق التصنيف الصناعي يعمل فيها أكثر من 7 إلى 10 عمال. كما تظهر الإحصاءات أن عدد العاملين في القطاع الصناعي يقارب حوالي 130 الف عامل، وهؤلاء يشكلون الكتلة الأكبر مع القطاعين الزراعي والسياحي والمصرفي في لبنان، وفق إحصاءات المنتسبين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمستفيدين على عاتقهم والبالغ حوالي 1.2 مليون مواطن بمعدل 2.7 مواطنين على المضمون الواحد.
ويقول الجميل إن القطاع الصناعي يشكل حوالي 10 في المئة من الناتج المحلي اللبناني المقدَّر بحوالي 45 مليار دولار.
وفي مقاربة حركة الصادرات اللبنانية فإن قيمة الصادرات الصناعية ارتفعت من 800 مليون دولار في العام 2011 إلى حوالي 3.7 مليارات دولار في العام 2015، على الرغم من تراجعها في السنة الأخيرة. فالصادرات اللبنانية تتم بمعدل الثلث عن طريق البر والثلث عن طريق البحر والثلث الآخر عن طريق الجو، وقد تأثرت عملية النقل براً أكثر من غيرها بسبب الأوضاع عند الحدود السورية. ونظراً لوجود مشكلات ليس للبنان سلطة عليها أو علاقة بها.
عندما قام مصرف لبنان بتسهيل عملية القروض للقطاعات الصناعية والسياحية بفوائد مدعومة زادت معدلات الاستثمار الصناعي بشكل ملحوظ وتوسّعت القاعدة الصناعية.
قطاعات قابلة للتراجع بسبب التوترات
في مجال الحديث عن المؤشرات والقطاعات، لا بدّ من التذكير بالقطاعات المتأثرة أو الأكثر تأثراً بالتطورات الحاصلة في هذه المرحلة، من توتر العلاقة اللبنانية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأبرزها:
ـ هناك موضوع أساسي يتعلّق بتراجع تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، والبالغة حوالي 8.7 مليارات دولار سنوياً، فإن حوالي 55 في المئة منها من دول الخليج أكثرها (حوالي 70 في المئة من السعودية) ما يقارب 4.7 مليارات دولار. مع الإشارة إلى أن عدد العاملين في دول الخليج يقارب 400 الف لبناني، أكثرهم في المملكة السعودية.
ـ هناك موضوع ومعضلة الصادرات اللبنانية الزراعية والصناعية، فإن سوقها الأساسي هو دول الخليج، بما يقارب حوالي 55 إلى 65 في المئة من هذه الصادرات، بما قيمته حوالي 3 مليارات دولار سنوياً، اكثرها من الصادرات الصناعية. ومعروف بهذا الخصوص ان الصادرات الى الدول الخليجية، وفي مقدمتها السعودية تشكل في اصعب الظروف وفي ظل إقفال المعابر مع سوريا أكثر من 56 الى 60 في المئة من حجم السلع والصادرات اللبنانية. كما يُذكر أن الصادرات الزراعية السريعة العطب بشكل عام، يعتبر الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية سوقها الأول.
ـ أما بالنسبة لحركة الودائع الخليجية في لبنان، وخصوصاً لدى مصرف لبنان، وهي تبلغ حوالي 860 مليون دولار، فالقسم الأكبر منها للودائع من المملكة وغيرها من الدول. وتؤكد مصادر رسمية لـ «السفير» أن الوديعة سعودية وحدها تشكل حوالي 280 إلى 300 مليون دولار حالياً. ومعروف أن هذه الودائع السعودية والخليجية الموجودة في مصرف لبنان والمودعة من قبل الحكومات استخدمت لتعزيز ودعم الاستقرار النقدي أيام الصعوبات وتردّي احتياطات النقد بالعملات الأجنبية وأعطت الثقة للقطاع النقدي والمالي اللبناني. أما اليوم فإن احتياطات مصرف لبنان بالعملات نتيجة السياسة النقدية للبنك المركزي، تشكل حوالي 37 مليار دولار وهي من أعلى الاحتياطات التي يتمتع بها لبنان منذ أواسط التسعينيات بفعل سياسة حاكم البنك المركزي باستيعاب السيولة بالعملات والليرة.
ـ المساهمات في القطاع المصرفي فهي تعتبر محدودة من خلال مساهمات أفراد أو بعض المؤسسات. وقد جرت مؤخراً عملية بيع للبنك الأهلي التجاري السعودي الذي خرج من السوق قبل التطورات وحجمه لا يساوي حوالي 0.3 في المئة من حجم القطاع المصرفي وكانت فروعه محدودة في لبنان.
ـ على صعيد الودائع المصرفية البالغة حوالي 150 مليار دولار، فإن معظم هذه الودائع للمقيمين في لبنان من أفراد ومؤسسات، في حين أن ودائع غير المقيمين من كل الاغتراب وضمناً دول الخليج لا تشكل أكثر من حوالي 40 الف مليار ليرة (حوالي 25 مليار دولار، بما نسبته حوالي 10 في المئة).
تبقى ملاحظة أخيرة لا بد منها حول انعكاسات خسارة المنتجات اللبنانية للثقة الاقتصادية والمالية العربية التي تعتبر الداعم الأول لها. فهي في حال تضرّرها تضرب العديد من القطاعات المرتبطة بالخارج، خصوصاً لجهة تمركز القوى العاملة اللبنانية غير المقيمة. وكذلك للنشاطات المالية للعديد من المؤسسات في دول المنطقة.