كتبت صحيفة “الراي الكويتية:
ينتقل الملف اللبناني هذا الأسبوع الى باريس ، ولا سيما في شقّه المتعلّق بالأزمة المستجدة بين بيروت و السعودية ودول الخليج الأخرى، على خلفية خروج الديبلوماسية اللبنانية عن الإجماع العربي في إدانة الاعتداء على السفارة السعودية في طهران.
واذا كان ملف هبة المليارات الثلاثة للجيش اللبناني التي اوقفتها السعودية سيكون محور بحث بين الفرنسيين والسعوديين عبر وفد يزور الرياض غدا، فإنه سيحضر بقوّة أيضاً ومعه مجمل الانتكاسة في العلاقة بين بيروت ودول الخليج خلال زيارة ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف الرسمية لباريس الخميس الى جانب ملفات الساعة الساخنة اقليمياً، ولا سيما الوضع في سوريا في ظل بدء سريان الهدنة ومخاطر سقوطها، والواقع في اليمن والعراق، من دون إغفال قضية تنفيذ الاتفاق النووي الايراني والتهديدات الارهابية.
والأكيد ان ثمة تعويلاً في بيروت على امكان ان ينجح الفرنسيون في تهدئة “الغضبة” السعودية وايجاد مخارج لهذه الأزمة التي لم تتمكّن الحكومة اللبنانية من احتوائها، بعدما حاولت الاسبوع الماضي ان توفّق بين مقتضيات الاستقرار الداخلي، وموجبات تصويب الخطأ تجاه المملكة، فخرجت ببيانٍ “سار بين النقاط” على قاعدة عدم استفزاز “حزب الله” وإرضاء الرياض التي اعتبرت سلوك حكومة الرئيس تمام سلام “غير كاف”، ما ساهم في عدم توفير مناخ ليبدأ الأخير بجولة خليجية انطلاقاً من المملكة لتدارُك الموقف، علماً ان وزير الخارجية جبران باسيل، وفي موقف بدا متأخراً، أعرب ليل الاحد عن استعداده للقيام بأيّ خطوة لانهاء الشق الديبلوماسي الخلافي مع السعودية ، داعياً الى تحديد المطلوب منه في هذا المجال من الطرف السعودي، ومؤكداً انه على استعداد للقاء نظيره عادل الجبير لتوضيح ما هو ملتبس.
والواقع ان الدخول الفرنسي على خط الانتكاسة اللبنانية – الخليجية، والذي يفترض ان يلاقيه الأميركيون، يرمي الى إبقاء الواقع اللبناني “تحت السيطرة” وعدم السماح بانزلاقه الى الفوضى، سواء من البوابة الاقتصادية بحال مضت دول الخليج في خياراتٍ “عقابية” ضد “حزب الله” يمكن ان تؤثّر على كل الوضعية الاقتصادية والمالية للبنان الذي يزرح تحت وطأة نحو 1.5 مليون نازح سوري، او من الباب الأمني بعدما ظهّر يوما السبت والاحد مشهداً بالغ الخطورة على خلفية تقليد أحد البرامج على شاشة “ام بي سي” الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وما أعقب ذلك من تحركات احتجاجية لمناصري الحزب بلغت مشارف السفارة السعودية في بيروت ومنزل الرئيس فؤاد السنيورة واشتمّت منها قوى “14 آذار” “رائحة تمرين” لـ”7 أيار” جديد (العملية العسكرية لـ”حزب الله” في بيروت والجبل العام 2008) اذا اقتصى الأمر ذلك.
وبات واضحاً في بيروت ان ثمة تهيُّباً دولياً من التخلي عن لبنان في لحظة بالغة الخطورة في المنطقة، حيث تكشّفت بعد بدء سريان الهدنة في سوريا “أوراق مستورة” للعبها بحال سقوط وقف النار بالكامل او اذا مهّدت الهدنة لحلّ سياسي، وهو ما عبّر عنه موقفان بارزان:
الاول، ما أعلنه الجنرال الأميركي المتقاعد جيمس ستافريديس القائد السابق لقوات التحالف بحلف شمال الأطلسي، من أن الخطة “ب” التي تحدث عنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري – في حال فشل اتفاق “وقف الأعمال العدائية” في سوريا – قد تتضمن عملية برية تستثنى روسيا منها، “وأعتقد أنها في الأغلب ستتضمن في مرحلة من المراحل إقامة منطقة حظر للطيران في منطقة آمنة يمكن فيها بناء معارضة معتدلة”.
اما الموقف الثاني، فعبّر عنه سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، لجهة ان موسكو تأمل في أن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية إلى فكرة إنشاء جمهورية فيديرالية.
وفي ايّ من الحالين اللذين أشار اليهما ستافريديس وريابكوف، فان لبنان يخشى تداعيات مباشرة تكثر الخشية من ان تكون هذه المرة في الشمال الحدودي مع سوريا، في ظلّ التقارير عن ان ايّ “سورية مفيدة” قد تولد من رحم الفيديرالية او التقسيم ستحتاج الى ان “تحمي ظهرها” من خلال إزالة او أقلّه “تقليم أظافر” الشريط السني (في لبنان) انطلاقاً من وادي خالد وامتداده.
وبانتظار ما ستسفر عنه المحادثات الفرنسية – السعودية، وما قد تفضي اليه الهدنة في سوريا، تتجه الأنظار في بيروت الى الجلسة رقم 36 لإنتخاب رئيس للجمهورية يوم غد الأربعاء، والتي تتقاطع كل المؤشرات عند انها ستنضمّ الى سابقاتها لجهة عدم توفير النصاب لانعقادها، رغم التوقعات بأنها ستنتهي في ظل حضور الرئيس سعد الحريري لها (للمرة الاولى) الى رفع مستوى المشاركة النيابية الى رقم مرموق دون بلوغ عدد الـ 86 المطلوب لافتتاحها.
ويتمّ التعاطي مع جلسة 2 آذار على انها ستشكّل عامل ضغط اضافياً على معطّلي نصاب الجلسات، ولا سيما “حزب الله” والعماد ميشال عون ، الذي سيقاطع مجدداً رغم نيْله دعم “القوات اللبنانية”، وذلك لتمسُّكه بمنطق رفض الحضور ما لم يضمن فوزاً ليس في جيْبه في ظل تمتُّع حليفه في “8 آذار” ومنافسه الرئاسي النائب سليمان فرنجية (يدعمه الحريري) بأفضلية رقمية كفيلة بإنتخابه في الدورة الثانية.
وبعدما كانت بعض الأوساط لم تُسقِط بالكامل امكان حصول مفاجأة بحضور فرنجية جلسة يوم غد، فإن مناخ الاحتقان الحاد الذي ساد البلاد في الايام الأخيرة ولا سيما السبت والأحد، كرّس صعوبة إقدام فرنجيّة على مثل هذه الخطوة.