كتب عماد مرمل في “السفير”:
كل شيء يوحي بأن لبنان امام 5 أيار “مستنسخ”. تحريض سياسي واعلامي من العيار الثقيل، استفزاز الشارع لاستدراجه الى الفتنة، إحراج المقاومة لاخراجها عن طورها، محاولات لتعطيل شبكة الاتصالات السياسية وشبكة المصالح اللبنانية في الخليج..
هل يعني ذلك ان 7 أيار آت كما يتوقع البعض؟
أغلب الظن ان “حزب الله” لن ينزلق الى أي مواجهة ميدانية في الشارع اللبناني، مهما اشتدت الضغوط عليه، بل هو يحاول ان يساهم في تهدئة محازبيه وانصاره وضبط انفعالاتهم قدر الامكان، حتى لا “تلدغه” عقارب ساعة الخصوم، وبالتالي لا يستدرج الى المكان الخطأ في التوقيت الخطأ.
يعلم الحزب ان المعركة الاصلية والكبرى لا تدور حاليا في لبنان، بل في سوريا واليمن بشكل اساسي، وبالتالي فالارجح انه يعتبر ان الرد الحقيقي والموجع على “عاصفة الحزم – فرع لبنان”، إنما يكون بشكل أساسي عبر تحقيق المزيد من الانجازات الاستراتيجية في الساحات الاقليمية المركزية حيث يدور الصراع الكبير، وليس من خلال الانغماس في الزواريب الداخلية التي قد تشتت الجهد الاساسي وتحرف المواجهة عن بوصلتها الصحيحة.
وما يجدر التوقف عنده ان الرياض قررت ان تخوض الاشتباك على “الجبهة اللبنانية” بنفسها، من دون الاستعانة بقفازات او أقنعة، تماما كما فعلت في اليمن حيث اندفعت الى الميدان باللحم الحي، بعدما كانت استراتيجيتها في الماضي تعتمد على المواجهة بالواسطة، لتخفيف الكلفة.
ولعل من دلالات هذا الخيار السعودي هو ان الرياض لم تعد تتكل على حلفائها اللبنانيين، او أقله أصبحت لا تكتفي بهم، لتحقيق التوازن المفترض مع “حزب الله” على الساحة الداخلية، ما استدعى تدخلها المباشر، سعيا الى تعويض الخلل في ميزان القوى، علما ان أكثر من نصف أعضاء مجلس الوزراء هم من أصدقاء المملكة!
والمفارقة، ان السعودية أخذت في طريقها الجيش اللبناني عبر حرمانه من الهبة العسكرية التي كانت مخصصة له، في حين ان إضعاف الحزب وتقزيم دوره، كما تريد المملكة والقوى الحليفة لها، يفترضان تقوية المؤسسة العسكرية وليس العكس، أما إذا كان الخوف هو من ان تقع الاسلحة في يد الحزب، كما يروج البعض، فان الاكيد هو ان مقاومة تملك أكثر من 100 ألف صاروخ وقدرات هجومية متطورة، وفق تقديرات العدو الاسرائيلي، لا تحتاج الى اقتناص مساعدات مقدمة الى الجيش.
وبرغم قساوة الاجراءات الانتقامية السعودية التي أصابت حتى اليوم المؤسسة العسكرية وشريحة من المغتربين اللبنانيين، إلا ان “حزب الله” المتمرس في الصبر واحتمال الضغوط لا يبدو بصدد الخضوع لاي مقايضة او مساومة، بل ان العارفين بطبيعته يؤكدون ان الحملة عليه تزيده تصلبا، ولسان حاله ان من واجه حرب تموز الوجودية وانتصر فيها، لن يغص في “ساقية”.
وانطلاقا من هذا الفهم لنمط تفكير الحزب، يجزم العارفون ان التدابير العقابية السعودية لن تؤدي الى خفض وتيرة النبرة الهجومية ضد السلوك السعودي، لافتين الانتباه الى ان “حزب الله” يتصرف على قاعدة ان من يقدم الدم في ساحة المواجهة، تهون امامه الاثمان الاخرى، من نوع إبعاد بعض اللبنانيين او استهداف المصالح الاقتصادية والتجارية.
ويؤكد المطلعون على طريقة صناعة القرار في الحزب، ان قيادته لا تقارب ما يحصل من زاوية الحسابات السياسية فقط وإنما انطلاقا من معيار مبدئي بالدرجة الاولى، فحواه ان الاولوية هي للكرامة، لا للمكرمة، مهما كانت كلفة هذا الخيار وتبعاته.
ويضع الحزب الحملة السعودية المتصاعدة، باشكالها المتعددة، في سياق الصراع الاوسع في المنطقة، استكمالا للتهور الذي يطبع سلوك المملكة في اليمن وسوريا، وبالتالي فهو يفترض ان ما اصاب لبنان من “الغضب الملكي” يندرج في إطار هزات ارتدادية للتخبط السعودي، على امتداد الاقليم.
ومع ذلك، فان الحزب لا يمانع في مواصلة الحوار مع تيار “المستقبل”، سعيا الى خفض منسوب التوتر والتشنج في الداخل، وبالتالي فهو لن يكون المبادر الى وقفه، لكنه في الوقت ذاته لن يتأثر إذا قرر الطرف الآخر في لحظة ما الانسحاب منه، “لان الحوار ليس مصلحة للحزب بل مصلحة لبنانية، وعلى من يعطله ان يتحمل المسؤولية وحده”.