كتبت صحيفة “السفير”:
أنقذ “لوبي” صناعة الأسلحة والديبلوماسية الأميركية صفقة طائرات “أي 29 سوبر توكانو” الى الجيش اللبناني، من الضياع في مهب الغضب السعودي على لبنان. ففي تعبير واضح، عن حرص الأميركيين الاستثنائي على استقرار لبنان، صدر “الأمر الأميركي” الى السعوديين باحترام الاتفاقات الموقعة بين اللبنانيين والشركات الأميركية، وبالتالي دفع 462 مليون دولار ثمناً لصفقة ست طائرات “سوبر توكانو”، وقع عليها لبنان مع أربع شركات أميركية، ومع شركتين بريطانية وبرازيلية.
وكانت الخارجية الاميركية قد أعطت موافقتها على الصفقة في 9 حزيران 2015، لتتحول الى تعهد من جميع الأطراف المعنية اللبنانية والأميركية والسعودية. العقد جرى إبرامه في تشرين الثاني 2015 بحسب جاكسون شنايدر المدير العام لشركة “إمبراير سكوريتي أند ديفنس” البرازيلية المصنعة لطائرات “سوبر توكانو”.
وعلمت “السفير” أن قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي تلقى ضمانات أميركية خلال زيارته الأخيرة لواشنطن في شباط المنصرم، بتسلم تلك الطائرات في الموعد المقرر لها في كانون الثاني من العام 2017، علـى ان تبدأ بعثة من الطيارين اللبنانيين بالتدرب عليها في البرازيل والولايات المتحدة. لكن حسم طريقة تمويل ما تبقى من المبالغ، التي دفع لبنان جزءاً من ثمنها، بنسبة 20 في المئة من الصفقة، كان ينتظر انحسار غبار الحملة السعودية في لبنان، لمصارحة السعوديين بأن عليهم تحمل مسؤولياتهم، تجاه الشركات الأميركية التي وقّع معها لبنان، ولم يغفل الأميركيون السيناريوهات الثانية (الاحتياطية) وبينها قدرة الحكومة اللبنانية على تحمل بعض النفقات، فضلاً عن أن يكون الجزء الآخر على حساب الحكومة الأميركية اذا أقدم السعوديون على خطوة غير موضوعة في الحسبان.
والأهم في هذا السياق، ما قاله مسؤول في البنتاغون خلال اجتماع عقد في الثلاثين من تشرين الأول الماضي، كان مكرساً لاستراتيجية الولايات المتحدة في سوريا، من أن صفقة الطائرات “مفتاحية”، وتندرج في إطار سياسة أميركية اوسع لتسليح لبنان والاردن.
وقالت مصادر مطلعة لـ”السفير” إن الخارجية الاميركية فوجئت بالقرار السعودي القاضي بإلغاء هبة المليار دولار خصوصاً أن الوزير جون كيري كان قد تحدث، قبل الإعلان عن القرار بأيام، مع نظيره السعودي عادل الجبير، وأبلغه مجدداً أن الولايات المتحدة، تدعم الجيش اللبناني وتثق به، في وقت كان فيه السعوديون بدأوا الشكوى من انعدام وجود ضمانات بعدم وقوع الأسلحة بيد “حزب الله”.
وتضيف المصادر أن الأميركيين أوعزوا الى السعودية بدفع ما تبقى من الـ 462 مليون دولار للشركات التي وقّع معها لبنان.
بدوره، قام “اللوبي” المصنع بحملة لاستعادة الصفقة، وهو يضم اربع شركات اميركية هي “سييرا نيفادا كوربوريشن” التي تقوم بعملية تعديل الطائرة من مدنية الى عسكرية، “برات اند ويتني” وهي شركة تصنيع محركات، “ترما نورث اميركا”، “ثري كوم سيستم وست”، بالإضافة الى شركة “بي آي إي” البريطانية، وشركة “إمبراير” البرازيلية التي تصنع النموذج المدني من الـ “سوبر توكانو”.
وكانت هذه الشركات قد قطعت شوطاً كبيراً في إجراء تعديلات على سرب من 6 طائرات “سوبر توكانو” المصممة للقيام بمهمات استطلاع وإسناد جوي، ويبلغ مدى عملها 1800 كلم، وهي مثالية لعمليات مكافحة الإرهاب، وهي بالأصل برازيلية مدنية. وقد قامت الشركات بتزويدها بمحرك جديد قادر على الإقلاع والمناورة بالأسلحة التي أضيفت إليها، إذ إن اللبنانيين وقّعوا على شراء 8 محركات “عسكرية” من طراز “بي تي 6 أي”، و 2000 صاروخ “هيدرا” من النوع الموجه بالليزر، و8 منظومات “اي ال إي -47” ناثرة للشهب لتضليل الصواريخ، و8 منظومات للتحذير منها، وعقود صيانة وتدريب فني.
اما هبة المليارات الثلاثة، فالأرجح أن تستمر الشركات الفرنسية المصنعة في برنامج إنتاج ما تم التوقيع عليه مع الشركة الوسيطة “اوداس” ضمن مبلغ الـ 600 مليون دولار التي دفعتها السعودية في نيسان 2015 مقدَّماً على كامل الصفقة. ويقول مصدر يعمل في إحدى الشركات المعنية بالصفقة ان شركة “اوداس” أبلغت الشركات المصنعة انه ينبغي انتظار منتصف هذا الشهر، قبل اتضاح الموقف السعودي نهائياً من الهبة، وهناك اعتقاد لدى “اوداس” انه لا يزال هناك احتمالات أن يعود السعوديون عن موقفهم، في انتظار جولة وساطات ديبلوماسية فرنسية.
وكانت الشركة الفرنسية، قد طلبت من المصنعين مواصلة العمل في الاتفاق، لكن عدم تسليم أي جزء من الصفقة الى الجيش اللبناني في ضوء طلب السعوديين تجميد التسليم للبنان.
وبحسب مصادر ديبلوماسية معنية، فقد تبلّغ الفرنسيون رسمياً من الرياض، طلباً بتسليم الأسلحة التي تم التعاقد عليها الى السعودية، على ان تقرر المملكة في ما بعد الوجهة الأخيرة لها.
ومن المنتظر ان يقوم رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جيروم بونافون بمحاولة أخيرة، غداً، في الرياض، لإقناع السعوديين بالعودة عن القرار، قبل ان يعود الملف الى الإليزيه، بعد غد الخميس، وإلى لقاء ولي العهد محمد بن نايف بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، علماً أن القرار يعود في هذا الملف بالضبط، الى وزير الدفاع محمد بن سلمان، الذي تنتظره باريس في نهاية آذار الحالي، مع ملفات تسلحية متعددة.