توتر العلاقات اللبنانية الخليجية سلطّ الضوء على المخاطر التي تواجه الإقتصاد اللبناني، والمرشّحة الى التفاقم في حال استمرار الوضع القائم. ولكن خطورة الأوضاع لا تُحصر بالموقف الخليجي من لبنان فحسب، بل تشمل الأزمة السياسية الداخلية وما نتج منها من شلل في المؤسسات ومعظم القطاعات من جهة، وكذلك الضغوط الإقتصادية الناجمة عن تزايد أعداد النازحين السوريين والتفاوت الكبير بين تكاليف حاجاتهم المعيشية والمساعدات التي يتلقاها لبنان من المجتمع الدولي من جهة أخرى.
تلازم الأزمة السياسية اللبنانية وغياب الإستقرار السياسي مع تدهورعلاقات لبنان مع دول الخليج العربي لاسيما السعودية، جعل من الإصلاحات الهيكلية وإرساء الإستقرار السياسي والأمني، حاجة ملحّة لإعادة الإنتظام المالي في البلد، وأولوية مطلقة تتقدّم أي حاجات أو مشاريع أخرى.
المؤسسات الدولية لم تضع الأزمة اللبنانية – الخليجية في سلّم معايير تقييم الإقتصاد اللبناني، وإن وضعها البعض في خانة الحاجة الى الإستقرار السياسي، إذ أن معظم التقارير الدولية الصادرة في الايام الأخيرة والتي تناولت الإقتصاد اللبناني، رأت في الأزمة السياسية الداخلية وأزمة النزوح السوري سببين رئيسيين للتدهور الإقتصادي، يفوقان بخطورتهما توتر العلاقات مع الدول الخليجية.
وفي حين طمأنت مؤسسة التصنيف العالمية “موديز” منذ أيام الى الوضع الإقتصادي في لبنان، مع اعتبار “أن انتخاب رئيس للجمهورية أمر يمكن أن ينعكس إيجاباً بطريقة مباشرة وسريعة وكبيرة على معدلات النمو، وعلى الحركة الإقتصادية عموماً”، رأى معهد التمويل الدولي (IIF) في دراسة له صدرت يوم الجمعة الماضي، أن الآفاق الإقتصادية في لبنان ستكون أكثر سلبية في ظل الشلل السياسي الحاصل، ولم يقلل المعهد في الوقت عينه من خطورة توتر العلاقات اللبنانية مع دول الخليج العربي.
وقد حصر معهد التمويل الدولي في تقريره الأخير عن لبنان، انعكاسات توتر العلاقات اللبنانية الخليجية بتأثر الأموال الممنوحة من دول الخليج لمساعدة لبنان على إستيعاب العدد الكبير من اللاجئين السوريين، واحتسب مدى تأثر بعض المؤشرات الإقتصادية خلال السنوات القليلة المقبلة تحت مظلة سيناريوهين يرتبطان بعاملي الأزمة السياسية الداخلية والفراغ الرئاسي وبحجم المساعدات الخليجية المخصصة لاستيعاب اللاجئين السوريين.
ففي حال استمر الفراغ الرئاسي في لبنان واللاإستقرار السياسي بموازاة توتر العلاقات مع دول الخليج وما يمكن أن ينتج منه من تقليص للأموال الممنوحة لمساعدة لبنان لمواجهة احتياجات اللاجئين السوريين الى ما دون 250 مليون دولار، فإن هذا الواقع سينعكس حتماً على الوضع المالي والإقتصادي للبلد، ومن المتوقع أن تسجّل نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تراجعاً الى 0.8 في المئة خلال العام الحالي 2016، وفي حال استمرار الوضع القائم الى العام 2017، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مرشّح للإنخفاض الى 0.3 في المئة، وبالنسبة الى عجز المالية العامة بمن المتوقع أن يرتفع في يظل الوضع الراهن الى 8.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2016، والى 9.1 في المئة خلال العام 2017، إلى جانب ارتفاع نسبة الدين العام الى 142.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2016 والى 146.9 في المئة عام 2017.
أما في حال انتهت أزمة الفراغ الرئاسي وعادت الحياة السياسية الى دورتها الطبيعية وانخفض منسوب التشنّجات الناجمة عنها، على أن يترافق ذلك مع انفراج أزمة العلاقات اللبنانية الخليجية وبالتالي زيادة الأموال المخصصة لمساعدة لبنان في تأمين الدعم للاجئين السوريين عن 400 مليون دولار، فكل هذه المعطيات لا بد أن تترك بصمة إيجابية في المؤشرات الإقتصادية والمالية، إذ من المتوقع أن تنعكس تحسّناً في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الى 2.3 في المئة عام 2016 و4.5 في المئة عام 2017، وأن تدفع عجز المالية العامة الى التراجع لمستوى 7.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2016 و6.6 في المئة عام 2017، كما يتوقع أن تبلغ نسبة الدين العام 138.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2016 و136.9 في المئة عام 2017.
هذه الأرقام والمعطيات التي أوردها معهد التمويل الدولي إنما تعكس ثقته بالمستوى المرتفع للإحتياطات بالعملة الأجنبية لدى مصرف لبنان وبالقطاع المصرفي اللبناني الذي يتمتع بنسب سيولة مرتفعة جداً، والى اطمئنانه على استمرار تدفق التحويلات من اللبنانيين المغتربين.