كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
عشرة أيام مرّت على استقالة أشرف ريفي من الحكومة. بعد أن عاين على مدى عامين واسبوع، من خلال موقعه الوزاري، «ما يعجز اللسان عن وصفه»، كما قال، قرّر إدارة ظهره والانصراف الى إدارة معاركه المقبلة من دون غطاء مستقبلي «بعد أن أزحت البلاطة عن صدري»!
لكن تمام سلام لم يقل كلمته بعد، واستطرادا «تيار المستقبل» غير المتفاعل أصلا مع الاستقالة. الوساطات لا تزال قائمة لاقناع ريفي بالعودة عن قراره والرئيس سعد الحريري ليس بعيدا عن أجوائها، مع العلم ان العلاقة الشخصية بين الرجلين مقطوعة نهائيا. بعض قيادات «المستقبل» باتت تفضّل اليوم مناداة ريفي بـ «الصديق» بعد ان نزعت عنه صفة الحليف. أما مسألة تعيين بديل عن الوزير المستقيل فتصطدم بعقبات عدّة.
لدى الفريق المسيحي فيتو مسبق على إقدام الحكومة حيث لم يجرؤ أحد في حكومات ما بعد الطائف على فعله. تعيين وزير بديل عن وزير مستقيل يصنّف في خانة «المحرّمات». سنيّا ثمّة حسابات داخل «تيار المستقبل» نفسه تحيل المسألة الى «وجعة رأس».
طُرِح اسمان في التداول: سمير الجسر وسهيل بوجي. الأول قد يتلّقف هدية ملغومة، حيث يقول مقرّبون من الوزير ريفي إنها «قد ترتدّ سلبا على نائب طرابلس فيدفع حقها شعبيا». في المقابل، بعض الخبثاء يعلّقون بسخرية: «لو كان ريفي يعلم ان استقالته قد تؤدي الى تعيين الجسر مكانه لما فعلها!».
أما الجسر فهو نفسه غير مقتنع بصوابية الخطوة في هذا الظرف السياسي طالبا «تجميد الكلام» فيها، مع العلم ان نقل الحقيبة من الحضن الطرابلسي الى الحضن البيروتي قد يربك الحريري مع الشارع الشمالي.
ريفي لم يكن من الموقعين على عريضة المليون «وفاء للمملكة». هو لم يكن مشاركا في اجتماع بيت الوسط، وليس من محبّي التصويت الالكتروني. يعتبر، وفق أوساطه، ان استقالته بحدّ ذاتها ساهمت في التخفيف من الاحتقان السعودي حيث ترجمت بشكل صريح «الرأي الآخر» ضمن الحكومة، وأخذت حيزا واسعا في الإعلام السعودي.
وإذا كانت الوساطات لم تنفع بعد في دفع ريفي الى العودة الى السرايا وهي تتوزّع بين ترميم العلاقة مع «المستقبل» وايجاد مخارج للاستقالة، فإن ثمّة من يشير الى أن قرار محكمة التمييز في قضية ميشال سماحة قد يشكّل مدخلا لهذه العودة في حال صدروه قريبا متضمّنا رفعا لسنوات العقوبة بحق الاخير.
هذا ما يراهن عليه بعض الافرقاء ضمن «14 آذار» إضافة الى الرئيس ميشال سليمان، وهذا ما لا يضعه ريفي شرطا بالضرورة لعودته عن الاستقالة التي تعدّدت حيثياتها ومسبّباتها، وإن سمع بعض زواره منه عبارة «إذا حدث هذا الامر فلكل حادث حديث، لكن إجراءات المحاسبة الدولية مستمرة». بالتزامن، أبلغ سليمان الوزيرة اليس شبطيني بأن استلام مهام وزارة العدل بالوكالة غير وارد قبل انتظار الاشارة «الادارية» من الرئيس تمام سلام.
في اليوم نفسه الذي قدمّ فيه ريفي استقالته الخطّية الى رئيس الحكومة مرّ على مكتبه في وزارة العدل لآخر مرّة، ودّع الموظفين، ووضّب كل أغراضه الشخصية.
حاليا يقضي وقته «مضغوطا» موزّعا جدول استقبالاته الكثيف بين الاشرفية في مكتبه في الطابق 17 في «سان جورج تاور» ومنزله في طرابلس.
المقرّبون منه يجزمون بأنه «لا يناور في الاستقالة، وهو لم يقدّمها لكي يعود عن قراره، خصوصا ان الحكومة صارت محروقة وفي آخر ايامها لأنها تتآكل من الداخل، فيما اتت استقالته بشكل أساس لنزع الشرعية عمّا يقوم به حزب الله داخل الحكومة».
ما لا يقوله ريفي علنا هو ان بقاء فريق «تيار المستقبل» فيها وعدم استقالته منها يؤمّن استمرار شرعية هذا الغطاء، و «ليتحمّلوا مسؤولية بقائهم داخلها، لأنهم شاؤوا أم أبوا هم يغطّون الارتكابات داخلها».
بدعوة مباشرة من السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري توجّه ريفي المستقيل الى مقرّ السفارة التي كان ينوي أصلا زيارتها للمشاركة في الوقفة التضامنية. كان لافتا مبادرة العسيري الى مرافقته الى خارج صالة الاستقبال دون سائر الوفود الزائرة، في ما بدا رسالة سعودية مباشرة لمن يعنيه الامر.
بعض المقرّبين من ريفي يذكّرون، إضافة الى علاقته الممتازة والمستمرّة مع المملكة، بأنه عضو في المجلس الاعلى لـ «جامعة نايف العربية الامنية»، ورئيسها الحالي هو ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف الذي تربطه علاقة وثيقة بوزير العدل المستقيل. مؤخّرا، وبقرار غير مسبوق في تاريخ الجامعة، تمّ التجديد للمرة الثالثة للوزير ريفي في هذا الموقع بعد التجديد الاول على ايام الوالد الامير نايف، ثم التجديد الثاني على عهد الامير محمد بن نايف بشكل استثنائي طال عددا محدودا جدا أيضا من الاعضاء، مع العلم ان مدّة كل ولاية من الولايات المجدّدة هي ثلاث سنوات.
يجزم هؤلاء أن السعودية «غير راضية» عمّا فعلته الحكومة حتى اليوم، وان البيان الصادر عن مجلس الوزراء بشأن الإجماع العربي «غير كاف». يشدّدون على ان السعودية «كانت في جوّ» استقالة ريفي، والأخير «كان في جوّ ما كانت تحضّر له المملكة من ردّ مباشر على ما تعرّضت له في القاهرة وجدّة»، لكن من دون أن يعني ذلك ان توقيت الاستقالة كان سعوديا، والدليل موقف ريفي في الجلسة الاخيرة التي كرّست الإخفاق الحكومي، خصوصا في ملف النفايات وكانت النقطة التي «فوّرت» كأس المآخذ المتراكمة الى حدّ قول وزير العدل في الجلسة نفسها: «نحن تبهدلنا يا جماعة».
ثمّة في محيط ريفي اليوم من لا يحسد تمام سلام على مّا هو فيه: «الإحراجات المتتالية التي يتعرّض لها، كان يفترض ان تدفعه منذ فترة طويلة الى قلب الطاولة بوجه الجميع والاستقالة».