لم يعد هناك مجال للجدل في ان تدفق اللاجئين السوريين الى لبنان بات يكلف لبنان أكثر من طاقته. فالبنى التحتية لم تعد تحتمل وجود أكثر من مليون ونصف المليون لاجىء، خاصة وان المناطق التي إحتضنت اللاجئين هي في الأساس مناطق فقيرة تحتاج الى مساعدات للنهوض بالبنية التحتية فيها، ولتأمين فرص عمل لأبنائها. لكن ما استجد في هذا الموضوع، هو ازدياد الضغط ووصول الجهات المانحة الى طريق مسدود، إذ يفترض بها مساعدة دول الجوار السوري، وتحديداً لبنان والأردن، وفي الوقت نفسه عليها استيعاب كلفة تدفق اللاجئين السوريين الى أوروبا، وهذا ما صعّب المهمة وقلّص نسبة المساعدات. وتفاقم الوضع حتى وصل البنك الدولي، الذي يزور وفد منه لبنان، الى مرحلة “الإستياء من الدول المانحة”، وفق ما تقوله مصادر في البنك لـ”المدن”. ويتأتى موقف البنك السلبي من أن لبنان والأردن “يساعدان دول العالم على تحمل عبء اللاجئين، بعدم جعلهم يتوجهون الى باقي الدول، وخاصة الدول المانحة، بأعداد أكبر”، ومن المعروف ان كلفة بقاء اللاجئين في دول الجوار ومساعدتهم فيها، أقل بكثير من كلفة ذهابهم الى الدول المانحة، لأن الكلفة ستتعدى الكلفة المالية، لتطال الكلفة الإجتماعية أيضاً.
وتقول المصادر، ان “هناك أموالاً رصدت من الدول المانحة لمساعدة لبنان والأردن، في أكثر من مؤتمر دولي، ومنها مؤتمران في الكويت، لكن لم نرَ شيئاً من الأموال”. وتضيف المصادر ان “الشلل السياسي وتعطيل مؤسسات الدولة وخاصة مجلس الوزراء، يزيد العبء على الدولة نفسها”. وتشير الى ان “البنك يعمل على مساعدة البيئة الحاضنة التي يعيش اللاجئون ضمنها، وبالتالي يعمل البنك على توفير الأموال للبلديات لإنجاز مشاريع تفيد المجتمع المحلي، فهذا المجتمع يعيش في أوضاع أصعب من تلك التي يعيشها اللاجئون، ووفد البنك زار المناطق التي يعيش فيها اللاجئون، ووجد ان وضع السكان المحليين أصعب من وضع اللاجئين”.
واقع الحال الذي تتحدث عنه مصادر “البنك” يُدعّم بتقارير البنك الدولي، حيث يشير تقرير الموجز الإقتصادي الفصلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الصادر في كانون الثاني 2016، إلى أن “معدل النمو الاقتصادي في المنطقة كان دون التوقعات، إذ بلغ 2.6 % في عام 2015 كما أن آفاق النمو على الأمد القصير لا تزال تبعث على التشاؤم بحذر”. ويضيف التقرير ان الحرب في سوريا تسببت “بخسائر في البلدان الخمسة المجاورة لسوريا (تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر)، تقدّر بنحو 35 مليار دولار، بحسب أسعار العام 2007”.
وتظهر تصريحات وزير المال علي حسن خليل حجم الهوّة بين ما يطلبه لبنان من الدول المانحة وبين ما يُقدّم على أرض الواقع، إذ أكد خليل بعد لقائه وفد البنك الدولي، الثلاثاء، ان لبنان يحتاج من البنك الدولي “التركيز على الهبات حتى لا يتحمل لبنان – وهو يتحمل أساساً – تكاليف وأعباء كثيرة لتغطية قضية الاحتياجات المباشرة للنازحين، والتركيز على تأمين قروض بفوائد محدودة لمشاريع البنى التحتية للمناطق المضيفة للنازحين، يستفيدون منها مع البلديات التي تستضيفهم، وتغطية البنك الدولي لفوائد إصدارات سندات الخزينة في لبنان، بما يخفف جزء من خدمة الدين العام التي ارتفعت خلال السنوات الماضية تبعاً لتزايد الاحتياجات والإنفاق على مستوى الداخل اللبناني”. وهذا يوضح كيف ان الدولة اللبنانية بدأت تلتمس أكثر من ذي قبل، خطر إستمرار الأزمة السورية وتدفق اللاجئين، ويزيد الخطر مع تراجع جدية الدول المانحة في المساعدة.
يعلق لبنان آمالاً على زيارة وفد البنك الدولي، فأعضاء الوفد إطّلعوا عن كثب على أوضاع المناطق التي تستقبل اللاجئين، وهؤلاء سيرسلون تقاريراً الى دولهم تفيد بحقيقة الوضع. لكن يبقى السؤال حول الصورة الحقيقية التي ستُنقل وحول ردة فعل الدول لما ستسمعه وتراه. وفي جميع الأحوال فإن الاثار الإقتصادية للحرب السورية على دول الجوار لم تعد تحتاج الى وفود للتحقق منها، إذ تكفي ملاحظة الأوضاع الإقتصادية للبيئات الحاضنة لكي تتكون الصورة الحقيقية للآثار الاقتصادية، ولضرورة الدعم الجدي من قبل البنك الدولي. وفي المقابل، لا تعفي المسؤولية الملقاة على عاتق البنك الدولي والمجتمع الدولي عموماً، الحكومة اللبنانية من مسؤوليتها تجاه تنظيم وجود اللاجئين، وحماية المجتمع المحلي من الآثار السلبية لهذا الوجود، لاسيما على اليد العاملة اللبنانية، وهذا يستدعي ايجاد سياسات تنموية للمناطق الحاضنة، وهي المحرومة في الأصل من مساعدة الدولة، حتى قبل أزمة اللجوء.