Site icon IMLebanon

رفع فوائد ديون المصارف على الدولة… حذارِ الاصطدام بـ”الحاكم”

خضر حسان

تراقب المصارف التجارية المؤشرات السياسية والإقتصادية التي تتغير في لبنان بحكم تأثيرات الأزمة السورية، ومشاركة “حزب الله” في القتال هناك، ومؤخراً مؤشرات التهديدات الإقتصادية الخليجية، فالى جانب بحثها عن حماية لأموالها الناتجة عن ودائع الأشخاص والمؤسسات، وعن الإستثمارات الخاصة، تبحث المصارف عن ضمانات لديونها على الدولة في حال تطورت الأوضاع الإقتصادية نحو الأسوأ.

البحث في الضمانات ينسحب على جملة من النقاط التي يجب ملاحظتها، أولها أحقية البحث من الناحية الإقتصادية، كون المصارف تتعاطى عملاً ربحياً، وبالتالي تبحث دائماً عن ضمانات لما تقدمه لعملائها، حتى وإن كانت الدولة هي العميل. وثانيها العلاقة الفعلية بين لبنان ودول الخليج، والتي يمكن من خلال دراستها إستنباط جدية او عدم جدية التهديدات، وثالثها موقع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في المنظومة المالية التي تعمل المصارف ضمنها.

لا يمكن إنكار حق المصارف في اللجوء الى رفع فوائدها على الديون التي تقدمها للدولة، فالشعور بالخطر يعني إستعمال المصارف لحقها في اعتماد سياسات حمائية، تماماً كما تعتمدها في حالة إقراض الأشخاص الطبيعيين والمعنويين. لكن ملاحظة العلاقة الفعلية بين دول الخليج ولبنان في هذه الفترة، تدل إلى أنه لا نية خليجية للتصعيد، أي انه لا يوجد ما يدل على خطر حقيقي يستدعي تهديد إقتصاد ومالية الدولة، وعليه، طلب المصارف للضمانات. فمن المبكر الحديث عن رفع فوائد الديون لأن ما يتعرض له الإقتصاد اللبناني لم يصل الى حد الرعب الذي تبدأ بوادره بالظهور من لحظة بدء سحب العملاء لودائعهم من المصارف اللبنانية، كما تقول مصادر إقتصادية لـ”المدن”. من ناحية ثانية، فإن ما يطمئن حيال عدم تطور التهديدات التي تستدعي رفع فوائد الديون، هو عدم رغبة أي طرف، سواء الخليجيين أو المصارف، في الوصول الى حد التعاطي المباشر مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في هذه “المعمعة”، فإبقاء الحاكم خارج “اللعبة” يعني ان كل ما يحصل يمكن السيطرة عليه. كما ان إقحام سلامة – الذي يطمئن دائماً الى إستقرار وضع الليرة – يعني التشكيك بسياسته وبقدرته على إدارة الوضع المالي والحفاظ على الليرة. فسلامة يعتبر أن سياسته حافظت على الليرة برغم ما مرّت به البلاد من ظروف سياسية وأمنية وضعت إقتصاده على المحك، وأثّرت سلباً لدرجة تسجيل تراجعات كبيرة في قطاعات السياحة والخدمات والتجارة، فضلاً عن التراجعات في قطاع الزراعة والصناعة المتراجعين أصلاً منذ ما قبل “الغضب” الخليجي على لبنان. وأيضاً، يستند سلامة في تقوية مركزه الى وقوف المؤسسات والمصارف معه.

وتجدر الإشارة الى انه لا يمكن للمصارف اللجوء الى رفع الفوائد والحديث عن ضمانات لديونها، لأسباب عدة، منها ان الدولة بحد ذاتها هي ضمانة، أي أنّ لا شيء يذهب هدراً في التعامل مع الدولة، فالديون محفوظة حتى وان طالت فترة سدادها. علماً بأنّ المصارف في الأصل لا تخسر من إقراضها للدولة لأنها تحقق أرباحاً مرتفعة جراء الفوائد. لكن مع إنخفاض إحتمال مطالبة المصارف برفع الفوائد، لا يمكن إعطاء الثقة الكاملة بالدولة حالياً، خاصة مع تسارع الأحداث في سوريا وإرتفاع حدّة التجاذبات السياسية الداخلية في الشارع اللبناني. وإذا كانت مؤسسات التصنيف العالمية مازالت تبدي ثقتها بالدولة، خاصة وان خبراء مؤسسة التصنيف العالمية “موديز” الذين زاروا وزير الإقتصاد آلان حكيم في شباط الماضي، أكدوا على إستقرار الوضع الإقتصادي اللبناني، الا ان الثقة قد يبددها قرار أو موقف سياسي، وعندها لا يصبح امام الدولة ما تقدمه للمصارف.

أما الحل، فيبدأ من حفاظ الدولة على الثقة، والتي تأتي عادة من الإستقرار السياسي أولاً، فالاستقرار السياسي يدل على بسط سلطة الدولة وتراجع إحتمالات الإنقلابات أو التغيرات السياسية التي قد تدفع الى مصادرة بعض الأملاك، على سبيل المثال، أو الى اتخاذ اجراءات تحد من حركة المستثمرين، وربما تحجز أموالهم. وفي حال رفع معدلات الفائدة بعد أي اضطراب يُفقد الثقة بين الدولة والمصارف وباقي المؤسسات، يبدأ لبنان بالغرق في دوامة الدين العام أكثر فأكثر، والأصعب، هو الغرق في دوامة فوائد الديون التي يدفعها لبنان اليوم، قبل الحديث عن دفع الديون الأصلية.