تقدّم الوزير أشرف ريفي بتاريخ 19-2-2016 بإخبار إلى المدعية الجنائية الدولية السيدة Fatou Bensouda، طالبًا التحقيق في قضية ميشال سماحة التي تدخل ضمن إختصاص المحكمة الجنائية الدولية سنداً للمادة 15 من نظام روما الخاص بالمحكمة.
وعرض ريفي في كتابه لكلّ التفاصيل والحيثيات الأمنية والقانونية في هذا الملف مرفقاً بالصور والوثائق والإثباتات .
وجاء في نص الكتاب:
بتاريخ 30 أيلول من العام 1989 وبرعاية سعودية ودولية وقع الأطراف المتنازعة في لبنان إتفاق الطائف في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية وتم إقراره بتاريخ 22/10/1989 بموجب قانون منهياً حقبة الحرب الأهلية وذلك بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على إندلاعها.
رمى الإتفاق الى إطلاق مسيرة بناء الدولة وإلغاء الطائفية السياسية وسحب سلاح الميليشيات وخروج الجيش السوري من لبنان وغير ذلك من متطلبات إطلاق مسيرة النهضة للوصول نحو حكم قائم على الشفافية والمساواة والعدل ويحقق الإستقرار والأمن.
لم يلتزم النظام السوري بمضمون إتفاق الطائف الذي يضع حد لهيمنته على الدولة اللبنانية ومقدراتها فمارس أبشع عمليات القمع والتنكيل والإغتيال والتهميش حتى يثبت دوره كوصي على لبنان وكحاكم منفرد له الأمر الذي ولد لدى اللبنانيين شعوراً بضرورة الإنتفاض بوجه عهد الوصاية ورموزه لإطلاق مسيرة الحرية في لبنان.
وما إن بدأت مظاهر المواجهة بين أحرار لبنان ورموز الوصاية السورية تلمح في الأفق وتظهر للعلن داخلياً ودوليا حتىً جاء الرد بمحاولة إغتيال الوزير مروان حمادة في العام 2004 ثم بإغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في العام 2005 وكرت بعد ذلك سلسلة من الإغتيالات التي إستهدفت نخبة من رجال الفكر والصحافة والإعلام والسياسة والأمن فضلاً عن تفجيرات متنوعة إستهدفت تجمعات لمدنيين وذلك لبث الرعب في نفوس اللبنانيين ولإخضاعهم لسياسة الترهيب القائمة على تصفية كل من يعمل لوضع حد لهيمنة النظام السوري على لبنان ولإرسال رسالة واضحة للبنانيين مفادها أن أمنهم وإستقرارهم سيكون في خطر في كل مرة ترتفع أصوات تدعو لإنسحاب الجيش السوري من لبنان.
إلا أنّ التداعيات الخطيرة لإغتيال الرئيس رفيق الحريري نظراً لما يمثله على الساحتين الوطنية والدولية، ومنها تشكيل لجنة تحقيق دولية بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي 1595 وما تلاه، لتقوم بإجراء التحقيقات اللازمة لكشف هوية المخططين والمنفذين لهذه الجريمة الكبرى، والضغوطات الشعبية التي تجلت بتظاهرات مليونية تخطت كل حواجز الخوف، وتبعاً لموقف المجتمع الدولي المتضامن مع هذه الحالة الشعبية خرج الجيش السوري من لبنان لكن أبرز رموزه كانوا يعدون العدة للعودة بقوة للثأر ولإعادة عقارب الساعة الى الوراء.
ومع إندلاع الثورة السورية في أذار من العام 2011 بدأ النظام السوري يعمل على قمعها بوحشية لا مثيل لها، وهدد رأس هذا النظام بشار الأسد علناً بإحراق المنطقة بأكملها إن إستمر دعم المجتمع الدولي للشعب السوري في ثورته السلمية، وكما إعتمد سابقاً سياسة التفجير والقتل الهمجية لإسكات الشعب اللبناني حين طالب بإنسحاب الجيش السوري من لبنان، لم يتردد النظام السوري في إعتماد السياسة نفسها لقمع إرادة شعبه التواقة للحرية وإرتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية بحقه، ولم يكتفي بذلك، بل بدء بتنفيذ مخططه الذي أعلن عنه غير مرة بإلهاب المنطقة وتفجيرها من خلال الإيعاز والطلب من أبرز رموزه في لبنان مستشار رأس النظام السوري بشار الأسد الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة بتنفيذ عمليات قتل جماعية وتصفيات جسدية لمدنيين ورجال دين بهدف خلق فتنة طائفية بين اللبنانيين تكون شرارة إنطلاق لحرب أهلية جديدة تضع الإستقرار الامني في المنطقة في مهب الريح وتعيد حسابات المجتمع الدولي حول دعمه للحريات في المنطقة تحت هاجس الحفاظ على الإستقرار والامن.
بإختصار، قرر النظام السوري أن يرسل الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة ليقوم بتفجير البلد إنتقاماً لموقف غالبية الشعب اللبناني الرافض لوصاية النظام السوري عليه، والداعم بالموقف والكلمة للشعب السوري في ثورته على نظام البطش والقتل.
في هذا السياق وضع المخطط الإجرامي بين رأس النظام السوري بشار الأسد ورئيس جهاز الأمن القومي لديه علي المملوك ومستشار بشار الأسد ميشال سماحة، لإعلان الحرب على لبنان وشعبه وإرتكاب أبشع جرائم القتل بحق اللبنانيين المدنيين وعلى نطاق واسع جغرافياً ومتنوع زمنياً وهي أفعال تدخل ضمن فئة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية كما سنبين بالتفصيل لاحقاً وهو ما يقع ضمن إختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي نتطلع كلبنانيين لأن تضع يدها على القضية التي لم تسلك في لبنان مساراً يحقق العدالة ويحمي الشعب اللبناني من وقوع مثل هذه الأفعال المجرمة دولياً.
ثانياً: في الوقائع
أواسط شهر تموز من العام 2012 حضر المدعو ميلاد كفوري الى مركز شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وصرح بأن لديه معلومات أمنية على قدر عال من الخطورة يرغب بالإدلاء بها، وبإستيضاحه من قبل رئيس الشعبة العميد وسام الحسن صرح بأن الوزير والنائب السابق ميشال سماحة إتصل به منذ مدة كونه على علاقة معرفة به وطلب مقابلته في أقرب وقت ممكن في منزله في محلة “الجوار”، فتوجه الى منزل سماحة والتقى به حيث أخبره الأخير بأن اللواء علي مملوك رئيس جهاز الأمن القومي لدى النظام السوري يهديه السلام ويريد منه خدمة، وبإستيضاح الأمر أعلمه سماحة بأن المطلوب تنفيذ عمليات تفجير وإغتيالات في منطقة عكار وبأن اللواء مملوك على إستعداد لتأمين المتطلبات اللوجستية والمادية اللازمة للتنفيذ، عندها أعلمه ميلاد كفوري بأنه سيفكر بالموضوع وتوجه الى شعبة المعلومات للإدلاء بما لديه، وقد تقرر بتاريخ 20/7/2012 إعتبار ميلاد كفوري مخبراً سرياً بناءً على إشارة النائب العام التمييزي في حينه القاضي سعيد ميرزا.
تم تجهيز المخبر السري بأجهزة تصوير وتسجيل سرية في جسمه بهدف توثيق اللقاء بينه وبين سماحة بالصوت والصورة، وبالفعل تم اللقاء بينهما يوم السبت الموافق في 21/7/2012 في منزل سماحة الكائن في محلة الأشرفية في بيروت ثم بتاريخ 1/8/2012 وتاريخ 7/8/2012، وبعد كل لقاء كان المخبر السري يحضر الى شعبة المعلومات حيث يتم نزع جهاز التسجيل والتصوير من جسمه وتفريغ محتوياته.
وفيما يلي سنعرض لخلاصة الإجتماعات التي حصلت بين المخبر ميلاد كفوري وبين ميشال سماحة كما سنبين كيف تمت عملية المداهمة والتوقيف وأبرز ما ورد في إعترافات سماحة أمام شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي والمسار التي سلكته القضية حتى تاريخه.
1- خلاصة الإجتماع الأول صباح يوم السبت تاريخ 21/7/2012 في منزل سماحة في محلة الأشرفية في بيروت:
تم الإتفاق بين سماحة وكفوري على أن يقوم هذا الأخير بمعاونة فريق يعمل لمصلحته او يجنده بتنفيذ عمليات تفجير في عكار- شمال لبنان تطال أماكن تواجد مقاتلين سوريين أو قيادات لبنانية تتعاطى مع أو تدعم هؤلاء المقاتلين، وعلى ان يقوم سماحة بتأمين كافة المتطلبات اللوجستية والمادية اللازمة للتنفيذ وعلى ان يضمن سماحة تأمين عوائل المنفذين في حال تم توقيف أي منهم مقابل أن يضمن كفوري عدم إعتراف أي من المنفذين حال توقيفه مهما تعرض للضغط، كما تم الإتفاق على المبلغ الذي سيقبضه منفذي العملية وهو 200 ألف دولار أمريكي وهذا المبلغ لا يشمل حصة كفوري.
وقد أكد سماحة أن من يعرف بالعمليات المطلوب تنفيذها هم فقط رأس النظام السوري بشار الأسد وقد أشار إليه بعبارة “الكبير” وعلى مملوك وهو والمخبر ميلاد كفوري.
2- خلاصة الإجتماع الثاني الذي حصل بتاريخ 1/8/2012 في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً في بلدة الجوار- منزل سماحة:
أخبر سماحة المخبر كفوري أن المخطط ما زال قائماً ومستمر وأن المبلغ المخصص للمنفذين تم تخفيضه الى 170 ألف د.أ وهو لا يشمل حصة المخبر، كما أعلمه بان كل متطلبات تنفيذ العمليات ستكون جاهزة بما فيها مسدسين كاتمين للصوت كان كفوري قد طلبهما في الجلسة السابقة، كما أكد سماحة بان أمن المنفذين وعوائلهم مكفول وأن إسم المخبر لا يعرفه أحد وأن المتفجرات وسائر المعدات المطلوبة والأموال لن تؤخذ من أي جهاز أمني حفاظاً على السرية وانها ستكون بتصرف المخبر في غضون 72 ساعة.
ولدى إستعراض قائمة بالأهداف الممكنة اكد سماحة لكفوري أهمية إستهداف الإفطارات الرمضانية ونواب مثل النائب خالد الضاهر(وهو نائب لبناني مناهض للنظام السوري ولأتباعه في لبنان) او شقيقه او أي قيادي في الجيش الحر ( الجيش الحر عبارة عن قوة عسكرية أعلن تأسيسه ضباط مُنشقون عن الجيش السوري بتاريخ 29 تموز 2011 بهدف حماية المتظاهرين السوريين) أي تجمع للسوريين، او مخزن ذخيرة، والطرقات التي يمكن لهؤلاء الأشخاص المرور من خلالها، وقد طلب سماحة القيام بهذه الأعمال لمرات متعددة وفي تواريخ وأماكن مختلفة لإثارة الخوف والرعب في صفوف المستهدفين.
كما أكد سماحة أن الأسد ومملوك لا يريدون أن يسقط بهذه التفجيرات علويين(نسبةً للطائفة العلوية التي ينتمي بشار الأسد رئيس النظام السوري اليها والتي لا تتخطى نسبة وجودها في سوريا عتبة ال 15 بالمئة من مجمل سكان سوريا) وأنهم لا يمانعون إغتيال مفتي عكار السني(نسبةً للطائفة السنية التي تشكل ما يقارب ال 70 بالمئة من السوريين وتعد من اكبر المذاهب في لبنان).
3- الإجتماع الثالث: الساعة الثامنة وأربعين دقيقة من مساء 7/8/2012 داخل منزل سماحة في الأشرفية- بيروت:
في هذا الإجتماع قام سماحة بتسليم المخبر كفوري مبلغ 170 ألف دولار أمريكي نقداً وكمية من المتفجرات من نوع TNT ووعده بتأمين كافة المتممات المطلوبة والمسدسات ووعده بتأمين المزيد لاحقاً، وعاد سماحة وأكد لكفوري أن لا أحد يعلم بالعمليات المطلوب تنفيذها سوى علي مملوك وبشار الأسد، ولدى إستفسار كفوري عن حصول أي تعديل في الأهداف أكد سماحة على عدم حصول ذلك وأضاف بان كل ما يعرقل النظام والقيادة وأمن التنقل وإمكانية ضرب أسلحة والذخيرة والتجمعات، والمقاتلين هو هدف، وأبدى عدم مبالاة بحجم الأضرار التي قد تلحق بأخرين لا علاقة لهم بالموضوع، كما أبدى رغبة في إستهداف مشايخ سنة، وأعلم سماحة كفوري بانه نقل المتفجرات والاموال بسيارته من نوع أودي.
بعد إنتهاء الإجتماع الثالث حضر المخبر على الفور الى مركز شعبة المعلومات وأحضر معه المتفجرات والمبلغ المالي وتم تصوير المتفجرات ومبلغ المال داخل سيارة المخبر.
4- الدهم والتوقيف:
صباح 9/8/2012 وبعد أخذ إشارة النائب العام التمييزي بالإنابة القاضي سمير حمود قامت قوة من شعبة المعلومات بمداهمة منزل ميشال سماحة في بلدة الجوار وإحضاره الى مركز الشعبة وتم الإستماع الى إفادته، حيث إعترف بما أسند إليه مؤكداً بأن التنسيق من الجانب السوري حصل مع اللواء علي مملوك ومساعده العقيد عدنان(مجهول باقي الهوية) وقد تم توقيف سماحة بناءً على إشارة النائب العام التمييزي بالوكالة القاضي سمير حمود كما جرى الإستماع لإفادة سائقه المدعو فارس بركات بركات، وقد إعترف سماحة بما نسب إليه خاصةً بعد أن تمت مواجهته بالتسجيلات المصورة كما أكد على أنه نقل المتفجرات بسيارته بناءً على طلب اللواء علي مملوك.
وبعد ختم المحضر بناءً على إشارة النائب العام التمييزي بالوكالة القاضي سمير حمود تم إحالة الملف بحسب الصلاحية الى النيابة العامة العسكرية، بإعتبار أن قانون الإرهاب لعام 1958 وقانون القضاء العسكري يعطيان المحكمة العسكرية صلاحية النظر في جرائم الإرهاب.
5- مسار المحاكمة:
بعد أن وضع القاضي صقر صقر وهو مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية( وهو قاض مدني يتبع لملاك وزارة العدل) يده على الملف إدعى على ميشال سماحة وعلي مملوك والعقيد عدنان وكل من يظهره التحقيق أمام قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا(وهو قاض مدني يتبع لملاك وزارة العدل) وقد نسب إليهم إقدامهم في الأراضي اللبنانية وخارجها وبتواريخ لم يمر عليها الزمن على تأليف عصابة ترمي الى إرتكاب الجنايات على الناس والأموال نيلاً لسلطة الدولة وهيبتها توصلاً الى إثارة إقتتال طائفي عبر التحضير لتنفيذ عمليات إرهابية بواسطة عبوات ناسفة تولى نقلها ميشال سماحة بعد أن جهزت من قبل المملوك وعدنان مع التخطيط لقتل شخصيات سياسية ودينية وذلك بناءً لدسائس دسها سماحة لدى مملوك وعدنان بوصفهما ضابطين في جهاز مخابرات دولة أجنبية لدفعهما لمباشرة تلك الأعمال العدوانية على لبنان مع توفيره الوسائل التنفيذية لذلك، كما أقدم سماحة على حيازة أسلحة عسكرية غير مرخصة، الجرائم المنصوص عنها بالمواد 335 و 308 و 312 و 549/200 عقوبات، و 5 و 6 من قانون الإرهاب تاريخ 11/1/1958 معطوفتين على المادة 200 عقوبات و274 عقوبات و72 و76 أسلحة و144 قضاء عسكري بالنسبة لسماحة.
وبنتيجة التحقيقات التي أجراها القاضي أبو غيدا والتحريات والإستقصاءات والتي تابعت شعبة المعلومات القيام بها تبين أن المدير العام للامن العام السابق اللواء جميل السيد كان قد رافق سماحة في رحلة نقل المتفجرات من سوريا الى لبنان علماً ان السيد وهو المدير العام السابق للامن العام يعد أبرز العاملين في خدمة النظام السوري وكان قابضاً على الأمن في لبنان قبل إغتيال الرئيس رفيق الحريري وأدخل السجن لاحقاً بتهمة التورط في عملية الإغتيال مع ضباط أخرين قبل أن يطلق سراحه لاحقاً.
كما أظهر تسجيل صوتي لمكالمة هاتفية بين سماحة وبثينة شعبان مستشارة رأس النظام السوري بشار الأسد أن هذه الأخيرة قد تكون على علم بالمخطط الإجرامي لسماحة.
في الشهر العاشر من العام 2012 أغتيل رئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن والذي يعد العقل المدبر لعملية كشف مخطط سماحة- المملوك الإجرامي، في رسالة واضحة تحمل بصمات النظام السوري.
تابع القاضي أبو غيدا تحقيقاته وأصدر قراره الإتهامي بتاريخ 20/2/2013 بحق سماحة ومملوك حيث قضى بإتهام ميشال سماحة بالجنايات المنصوص عنها بالمواد 335/200 و 308/200 و 312/200 و 549/200 و 5 و 6 من قانون الإرهاب تاريخ 11/1/1958 والظن به سنداً للمادتين 72 و 76 أسلحة ومنع المحاكمة عنه لجهة المادتين 274 عقوبات و 144 قضاء عسكري وإتهام على المملوك بالجنايات المنصوص عنها بالمواد 335/200 و 549/200 و 312 عقوبات و 5 و 6 من قانون الإرهاب تاريخ 11/1/1958 ومنع المحاكمة عنه لجهة المادة 308 عقوبات وتسطير مذكرة تحر دائم لمعرفة كامل هوية المدعى عليه العقيد عدنان.
أحيلت القضية الى المحكمة العسكرية الدائمة، وهنا بدأ الأمل يلوح بالأفق بالنسبة لسماحة وللنظام السوري وأتباعه في لبنان، إذ لم يكن بإمكانهم وضع حد لمسار القضية في ضوء الأدلة الدامغة التي شاهدها الرأي العام اللبناني على شاشات التلفزة بالصوت والصورة وعلى صفحات الجرائد المحلية والعربية وفي ظل شناعة وبشاعة الجريمة التي لا يمكن أن يقبل بها عاقل أو يبررها إنسان، كما أنهم كانوا بحاجة لبعض الوقت حتى يتمكنوا من تهدئة الرأي العام اللبناني والبدء بمسيرة خداعه تمهيداً لإخراج سماحة بأقل ضرر ممكن، وحجب أي ملاحقة او مسؤولية جنائية عن الأسد ومملوك ومساعده عدنان ومستشارة بشار الأسد بثينة شعبان، وما إن أصبح الملف بعهدة المحكمة العسكرية الدائمة(وهي مؤلفة من أربعة ضباط من الجيش اللبناني وقاض مدني واحد، ومعروف للجميع سطوة النظام السوري وأتباعه في لبنان على أغلبية الأجهزة الأمنية وهيمنتهم التاريخية على المحكمة العسكرية) حتى بدأ التنفيذ الفعلي لهذا المخطط، فكانت الخطوة الأولى بفصل ملف سماحة عن المملوك حتى يبعدوا شبح الملاحقة الجنائية عن المملوك وحصرها بسماحة، وكان لهم ما أرادوا حيث أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة في العام 2015 قراراً قضت بموجبه بفصل ملف سماحة عن المملوك بحجة تعذر تبليغ هذا الأخير لوجوده خارج لبنان علماً أن القانون اللبناني يقضي بوجوب إعتبار المملوك مجهول محل الإقامة وإبلاغه لصقاً على إيوان المحكمة، لكن قرار حماية المملوك وإبعاده عن الملف نهائياً كان قد إتخذ من قبل النظام السوري وأتباعه في لبنان، وذلك ليس لحماية المملوك وحده بل لإبعاد التبعة والمسؤولية عن رئيسه المسؤول الأول عن مخطط سماحة بشار الأسد وعن مستشارة هذا الأخير بثية شعبان.
وحتى تاريخه لم يصار الى إتخاذ أي إجراء بحق المملوك أو الأسد أو شعبان في إشارة واضحة بوجود قرار بحمايتهم من أي محاسبة أو مسؤولية قد تترتب عليهم في ضوء إعترافات سماحة والأدلة الدامغة والموثقة بحقهم جميعاً.
بعد فصل ملف المملوك عن سماحة، بدأ ملف هذا الأخير يأخذ طريقه بسرعة نحو الحكم النهائي الذي صدر بتاريخ 13/5/2015 وقضى بإدانة سماحة بجرم محاولة حيازة متفجرات وإنزال عقوبة الأشغال الشاقة لمدة أربع سنوات ونصف أي بما يزيد عن مدة توقيفه الإحتياطي بقليل(مع الإشارة الى أن السنة السجنية في لبنان هي تسعة أشهر) بحيث يبقى لأيام معدودة بعد صدور الحكم لتهيئة الرأي العام لخروجه بعد مدة قصيرة.
الحكم المذكور لم يخالف أبسط القواعد القانونية من خلال إعتبار فعل سماحة مجرد محاولة ومنحه الأسباب التخفيفية خلافاً للقانون فحسب، بل سخر القانون والقضاء لتأمين حماية أفضل لسماحة من خلال تبرءته من جرمي التحريض على القتل ومحاولة القتل الثابتتين بحقه، فالمحكمة العسكرية مصدرة الحكم سخرت القانون وشوهته، وهي لا تجد حرجاً في ذلك لأنها أصلاً تصدر معظم أحكامها بحسب توجيهات قوى الأمر الواقع المهيمنة على القرار السياسي في البلاد كما أنها لا تعلل أحكامها على الإطلاق ولا تبين بالتالي الأسباب الواقعية والمادية والقانونية التي دفعتها الى التوصل الى النتيجة التي قضت بها.
وما أن أحيلت القضية على محكمة التمييز العسكرية(المؤلفة أيضاً من أربعة ضباط وقاض مدني) بفعل النقض المقدم من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر الذي إعتبر أن الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة خالف أحكام القانون الواضحة حين اعلن براءة المتهم سماحة من جناية محاولة القتل عمداً لعدم كفاية الدليل في حين أن الأدلة متوفرة بشكل واضح في الملف، حتى صدر قرار بإخلاء سبيل سماحة ومتابعة محاكمته حراً طليقاً.
حاول وزير العدل مراراً أن يحيل القضية الى المجلس العدلي وهو أعلى سلطة قضائية في لبنان مؤلفة من قضاة مدنيين يتبعون لملاك وزارة العدل، إسوةً بسائر الملفات الخطيرة التي تمس بالأمن القومي للبلاد، فتقدم بأكثر من طلب في هذا الخصوص لمجلس الوزراء وخلافاً لما جرت عليه العادة في قبول هذا الطلب في مجلس الوزراء، وبنتيجة الضغط الذي مارسه أتباع النظام السوري في لبنان وتهديدهم المستمر بان أي محاولة لإنزال العقاب العادل بسماحة أو بإطلاق ملاحقة قضائية بحق المملوك أو الأسد أو شعبان سيدفعهم الى حرق البلاد وإشعال الفتنة فيها، لم يتمكن مجلس الوزراء حتى من مناقشة الموضوع، ولم ينجح في وضع حد للمسرحية القائمة في المحكمة العسكرية والتي تهدف الى إنفاذ قرار الجهات الرسمية بحماية المملوك والأسد وشعبان من أي مسؤولية جنائية وبحماية سماحة من أي إدانة بجرائم التحريض على القتل أو محاولة القتل من ناحية، ومن ناحية أخرى بتأمين حكم مخفف يجعل سماحة حراً طليقاً من جديد.
في الخلاصة، لقد تمكن أزلام النظام السوري في لبنان من منع القضاء اللبناني من محاكمة سماحة وفقاً للأصول وأمنوا له من خلال القضاء العسكري الذي يهيمنوا عليه براءةً من جرائم خطرة ثابتة بحقه، وما حكم الإدانة المخفف بجرم نقل أسلحة إلا لتغطية مدة توقيفه ولإسكات وخداع الرأي العام الداخلي والدولي وإزاحة الأنظار عن ملاحقة الفاعل الأصلي بشار الأسد ومستشارته بثينة شعبان وخادمه الأمين علي المملوك.
لقد بات واضحاً للجميع، ان مخطط سماحة- المملوك لم يكن في حقيقة الأمر سوى ترجمةً لقرار بشار الأسد إعلان الحرب على لبنان، تنفيذاً لوعده بالإنتقام من كل من يقف في صف الشعب السوري الثائر على الظلم والطامح لعيش كريم بعزة وحرية، وإلتزاماً بقوله المعروف بانه على إستعداد لأن يشعل الحرب والحرائق في المنطقة بأكملها إذا شعر أن بقاءه على كرسي الحكم في سوريا مهدداً.
أمام هول هذه الأفعال التي تشكل نموذجاً صارخاً لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفي ظل منع قوى الأمر الواقع في لبنان وضع الملف بيد القضاء اللبناني العدلي لإجراء محاكمة عادلة لسماحة وشركاءه، وفي ظل الوقائع الأنفة الذكر التي سبق بيانها والتي تظهر بوضوح وبما لا يرقى إليه شك أن قراراً قد إتخذ من قوى الامر الواقع في لبنان بحماية سماحة والأسد والمملوك وشعبان من المسؤولية الجنائية، لم يكن أمامنا سوى اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية التي وجدت أصلاً لوضع حد نهائي لسياسة الإفلات من العقاب.
ثالثاً: في القانون
1- لجهة الإختصاص الموضوعي للمحكمة والمتعلق بنوع الجرائم موضوع الإخبار:
يدخل ضمن إختصاص المحكمة الجنائية الدولية بحسب نص المادة الخامسة من نظام روما النظر في جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان.
وبحسب نص المادة السابعة(البند 1) من نظام روما يعتبر القتل العمد جريمة ضد الإنسانية إذا حصل في إطار هجوم واسع النطاق او منهجي او موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين.
وبحسب (البند 2) من المادة السابعة تعني عبارة “هجوم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين” نهجا سلوكيا يتضمن الارتكاب المتكرر لفعل القتل ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، عملا بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم، أو تعزيزا لهذه السياسة، وهو يتطابق حرفياً مع ما فعله المجرم ميشال سماحة حيث كان يعد العدة ويخطط لقتل مجموعة من المدنيين عمداً بفعل تفجيرات متكررة ومتنوعة في الزمان والمكان عملاً بسياسة نظام الأسد القاتل وتعزيزاً لسياسة الدولة السورية التي يقبض عليها الأسد ويحكمها بالحديد والنار، في إستعادة الهيمنة على لبنان بعد أن طرد منه في العام 2005.
كما تعتبر المادة الثامنة من نظام روما فعل القتل العمد جريمة حرب حين ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق وهو ما ينطبق أيضاً على فعل سماحة الذي كان يخطط لينفذ عمليات تفجير تطال جمعا من الناس وترمي الى قتل العدد الاكبر منهم وعلى أوسع نطاق وضمن خطة مسبقة لتنفيذ عمليات متعددة في تواريخ مختلفة إنفاذاً لسياسة عامة إنتهجها النظام السوري لإلهاب الوضع الأمني في لبنان تمهيداً لإجتياح الأراضي اللبنانية من الشمال والبقاع تحت ذريعة ضبط الوضع في تكرار للسيناريو الذي حصل إبان الحرب الأهلية السابقة في لبنان والذي نسجه نظام حافظ الأسد ليكون مقدمة لدخول جيشه إلى لبنان والهيمنة على مقدراته وإخضاعه لوصايته.
ولا بد من الإشارة الى ان الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية اتفقت في 11 حزيران من العام 2010 على تعديل ميثاق روما، المؤسس للمحكمة، من خلال تعريف جريمة العدوان على أنها “التخطيط والإعداد والبدء أو التنفيذ من شخص في وضع يمكنه من السيطرة أو توجيه الإجراء السياسي أو العسكري للدولة، لفعل عدواني والذي بطبيعته وحجمه وخطورته يمثل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة”.
وينطبق صفة العدوان بحسب البند 2 من المادة الثامنة مكرر من نظام روما على قيام أي دولة بإرسال عصابات او جماعات مسلحة او قوات غير نظامية او مرتزقة من جانبها أو بإسمها تقوم ضد دولة اخرى باعمال من أعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل الاعمال المعددة في البنود السابقة(أعمال عسكرية وقتل وتفجير..) أو إشتراك الدولة لدور ملموس في ذلك.
وبطبيعة الحال إن فعل سماحة يشكل نموذجاً صارخاً لهذه الأفعال، فهو لا يرقى لمرتبة اعلى من مرتبة المرتزقة كما أن طبيعة الأفعال التي كان يخطط لها تدخل ضمن مفهوم الإعتداء العسكري، ودور النظام السوري أكثر من ملموس في أفعال سماحة الجرمية.
ورغم أننا نعلم بان ممارسة المحكمة الجنائية الدولية لصلاحياتها فيما خص جريمة العدوان لن تبدأ قبل بداية العام 2017 وهو تاريخ إتخاذ القرار من قبل اغلبية الدول الأعضاء التي تساوي الأغلبية المطلوبة لإعتماد التعديلات على النظام الأساسي، إلا أن توافق الدول الأعضاء في المحكمة على التعريف المذكور وشموله لأفعال سماحة الجرمية يجعل التعديل واقعاً حتماً في بداية العام 2017 ويعزز موقفنا المطالب بإعلان صلاحية المحكمة للنظر في قضية هذا المجرم.
هذا ويكفي لإعلان إختصاص المحكمة توفر إحدى الحالات المذكورة في المادة 5 من نظام روما وكما سبق وذكرنا فإن فعل سماحة يدخل ضمن خانتي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وهي جرائم تدخل حتماً ضمن إختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
2- لجهة آلية وضع المحكمة يدها على القضية:
بعد أن بينا أن أفعال سماحة الجرمية تدخل ضمن إختصاص المحكمة الجنائية الدولية يبقى من الضروري البحث في الألية التي ستسمح للمحكمة أن تضع يدها على القضية وتنظر فيها.
وفي هذا الإطار حددت المادة 11 من نظام روما الإختصاص الزمني للمحكمة ليشمل كل جريمة ترتكب بعد تاريخ بدء نفاذ نظام روما(العام 2002) كما حددت المواد 12 و 13 و 14 و 15 الحالات التي يكون فيها للمحكمة ان تضع يدها على القضية وهي:
أ- الحالة التي تحيل فيها دولة طرف أي حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت وأن تطلب إلى المدعي العام التحقيق في الحالة بغرض البت فيما إذا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب تلك الجرائم، وفي هذه الحالة يجب أن تكون الجريمة وقعت في إقليم الدولة الطرف او أن يكون المتهم يجمل جنسية هذه الدولة، وفي حالة سماحة، يحمل الجنسية الكندية وكندا كما هو معروف دولة طرف في نظام روما، وفي هذه الحالة يمكن للسلطات القضائية الكندية أن تطلب إحالة القضية للمدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية للنظر فيها، أو ان تطلب ملاحقة قضائية بحق سماحة وشركائه بناءً على إيعاز او طلب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
ب- الحالة الثانية هي الحالة التي يباشر فيها المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة، وفي هذه الحالة يكفي أن تكون الجريمة قد وقعت داخل أراضي دولة طرف في نظام روما، أو أن يحمل المتهم فيها جنسية دولة طرف في نظام روما، وكما سبق وذكرنا فإن سماحة يحمل الجنسية الكندية وكندا دول طرف في نظام روما، واهمية هذه الحالة هو أنه يبقى للمدعي العام أن يباشر تحقيقاته دون طلب من أي دولة طرف وبالإستناد الى معلومات ترده عن الجريمة، ولهذا قمنا بتوجيه هذا الكتاب لجانبكم الموقر ونحن على ثقة بانكم لن تسمحوا لهؤلاء المجرمين الذين لم يوفروا فرصةً لإنتهاك كرامة الإنسانية إلا ومارسوا فيها أبشع وأشنع الجرائم بحق الإنسانية، وتجدون مرفقاً بهذا الكتاب الذي نطلب إعتباره إخباراً لكم سنداً للمادة 15 من نظام روما كل المستندات المتعلقة بالقضية ومسارها منذ اللحظة الاولى من محاضر تحقيق رسمية وتسجيلات بالصوت والصورة تثبت بما لا يرقى إليه شك حجم الجرائم التي كان يخطط لها ميشال سماحة مع علي المملوك وتحت إمرة وتوجيهات رأس النظام السوري بشار الأسد وفداحة الأفعال التي تشكل نموذجاً صارخاً لجرائم الحرب وإعتداءً فاضحاً على الإنسانية من خلال عمليات قتل جماعية لمدنيين أبرياء لبث الرعب في نفوس اللبنانيين ولإشعال حرب مذهبية تودي بالبلاد الى الهلاك، كما بيينا لكم مسار المحاكمة الصورية والمزيفة التي تمت أمام القضاء العسكري والتي يظهر بوضوح فيها ان قراراً قد إتخذ بتأمين الحماية لعلي المملوك وبشار الأسد من أي ملاحقة او مسؤولية جنائية، فضلاً عن تامين براءة ميشال سماحة من أفدح الجرائم المتهم بها والثابتة بحقه والإكتفاء بإدانته بجريمة حيازة ونقل الأسلحة لإغلاق القضية الى الأبد بعيداً عن أي محاسبة او محاكمة قائمة على معايير العدالة الدولية.
ويهمنا في هذا الإطار ان نوضح بان الجريمة وقعت على الأراضي اللبنانية وأن سماحة يحمل الجنسية اللبنانية ولبنان غير موقع على بروتوكل روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، إلا ان ذلك لا يحول دون محاكمته وجميع المتورطين معه أمام المحكمة الجنائية الدولية طالما أنه يحمل الجنسية الكندية، فالعبرة لإعلان إختصاص المحكمة هو لكون الفاعل يحمل جنسية دول طرف، وفي حال تعدد الجنسيات التي يحملها الفاعل فيكتفى بكونه يحمل جنسية دولة طرف وذلك بمعزل عن مكان وقوع الجريمة أو هوية الجنسيات الأخرى التي يحملها الفاعل.
3- الحالة الثالثة والاخيرة تتحقق إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت، ويبقى لمجلس الأمن ان يمارس هذه الصلاحية كما فعل في ليبيا، مع التأكيد أن مجرد توفر أي حالة من الحالات الثلاثة المذكورة أنفاً يبقى كافياً لوضع يد المحكمة على القضية.
3- لجهة ممارسة المحكمة الجنائية الدولية لصلاحيتها على القضية رغم صدور حكم قضائي بحق سماحة في لبنان.
قد يدلي المتهم او غيره بانه سبق وتمت محاكمة سماحة في لبنان، وأن لبنان دولة صاحبة إختصاص الأمر الذي يحول دون إمكانية محاكمته مجدداً أمام المحكمة الجنائية الدولية سنداً للمادة 17 من نظام روما، وفي هذا الإطار نؤكد ان هذه المحاكمة الزائفة له في لبنان لا تحول دون محاكمته مجدداً أمام المحكمة الجنائية الدولية وذلك للأسباب التالية:
– بحسب البند 2 من المادة 17 يجب ان تكون المحاكمة السابقة قد راعت أصول المحاكمات المعترف بها في القانون الدولي، وغني عن البيان أن المحاكمات امام القضاء العسكري بعيدة كل البعد عن هذه الأصول وأن القانون الدولي لا يعترف ولا يقر بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري ولا بصلاحية القضاء العسكري للنظر في قضايا الإرهاب والجرائم الكبرى.
– بحسب الفقرة (أ) من البند 2 المذكور تعتبر الدولة غير راغبة او جدية في محاكمة المجرم ولا يكون بالتالي من أثر للمحاكمة التي تمت فيها على صلاحية المحكمة الجنائية الدولية، اذا تبين من سياق الإجراءات الخاصة بالقضية أنه جرى إتخاذ قرار في الدولة المعنية بحماية الشخص المعني من المسؤولية الجنائية، وهو امر بان بوضوح من مسار القضية بدءًا بالحكم المخفف مروراً بإخلاء سبيل المجرم وأخيراً بعرقلة إحالة القضية أمام المجلس العدلي كل ذلك بغرض تأمين الحماية للمجرم سماحة من أحكام وعقوبات عادلة تتناسب وحجم الجرائم التي إقترفها هذا بالإضافة الى تأمين براءته من جرائم ثابتة بحقه كجريمة التحريض على القتل.
– ان إدانة القضاء العسكري لسماحة ليس من شأنها ان تحول دون إمكانية محاكمته امام المحكمة الجنائية الدولية، وفي هذا الإطار نبين التالي:
– إن المحاكمة الزائفة والتفاوت الواضح بين العقوبة المقضي بها والجريمة موضوع الإدانة يقع في منزلة الحماية من المسؤولية الجنائية.
– لقد تمت تبرأة سماحة من جرائم ثابتة بحقه مثل جريمة التحريض على القتل وفيما خص هذه الجرائم التي صدر قراراً بتبرئته منها يكون قد تحصن بقرار الحماية من المسؤولية الجنائية.
– إن علي المملوك وبشار الأسد وبثينة شعبان جميعهم شركاء لسماحة في الجريمة ورغم ذلك لم يصار الى إتخاذ أي إجراء بحقهم من المحكمة العسكرية الأمر الذي يشير الى وجود قرار بحمايتهم من المسؤولية الجنائية، وان إدانة سماحة لم تكن إلا لخداع الرأي العام اللبناني والدولي بحصول محاسبة جدية للفاعلين، إذ لم يكن بمقدور أي سلطة أن تبرء سماحة من كل ما نسب إليه نظراً لدماغة الدليل الثابت بحقه بالصوت والصورة وبإعترافاته المثبتة بمحاضر رسمية والتي شاهدها الرأي العام اللبناني على شاشات التلفزة، فكان الحل بنظر من قرر حماية سماحة ورؤسائه بأن يكتفى بإدانته بالحد الأدنى الكافي لتهدئة الرأي العام والتغطية على المحاكمة الصورية التي تمت، وذلك لتحقيق الغاية الأهم وهي وقف أي ملاحقة بحق مسؤول جهاز الأمن القومي السوري علي المملوك ورأس النظام السوري بشار الأسد ومستشارته بثينة شعبان، حيث تمت كما سبق وبيينا في باب الوقائع تجزئت الملف ليصار الى متابعته بحق سماحة ووقف السير فيه بالنسبة للمملوك، بإختصار كانت محاكمة سماحة المجتزئة وما وصلت إليه من إدانة جزئية وعقوبات مخففة وسيلة لخداع الرأي العام بحصول محاسبة جدية، ولحماية سماحة من الإدانة بجرائم خطرة كالتحريض على القتل والتي تستوجب عقوبات قاسية جداً، والأهم الأهم حماية علي المملوك من أي ملاحقة من خلال تجميد الملف الخاص به بعد فصله عن ملف سماحة دون أي سبب مشروع أو منطقي لإبعاد المسؤولية الجنائية عنه وعن رأس النظام السوري بشار الأسد.
4- لجهة وضع المحكمة يدها على القضية بصورة موضوعية وصلاحيتها بمحاكمة جميع المتورطين في الجريمة:
ان جنسية سماحة الكندية كافية لإعلان إختصاص المحكمة بحق جميع المتورطين في جرائمه، ولو لم يكونوا من حاملي الجنسية الكندية أو غيرها من جنسيات الدول الموقعة على نظام روما، إذ بمجرد إنعقاد إختصاص المحكمة لوقوع الفعل على أراضي دولة موقعة على نظام روما أو لكون الفاعل يحمل جنسية دولة طرف في نظام روما، تضع المحكمة يدها على القضية وتحاكم كل المتورطين فيها ويصبح إختصاصها شاملاً من الناحيتين الموضوعية والشخصية، إذ بعد إعلان إختصاصها للنظر في القضية تدخل المحكمة في أساس النزاع لتحديد هوية المسؤولين عن الجريمة ودور كل واحد منهم، ولا تقيم بعد ذلك أي إعتبار لمكان وقوع الجريمة أو لجنسية باقي المتهمين طالما أن شرط إعمال الصلاحية تحقق، فلوا أن الجريمة أو الجرائم التي تنظر فيها المحكمة وقعت في إقليم دولة طرف في نظام روما لإنعقد إختصاص المحكمة بمعزل عن جنسية الفاعلين، ولو أن أحد الفاعلين يحمل جنسية دولة طرف في نظام روما لإنعقد إختصاص المحكمة بمعزل عن مكان وقوع الجريمة أو جنسية باقي المتورطين في الجريمة.
رابعاً: الخاتمة- المطالب:
إنطلاقاً من مجمل ما تقدم ذكره في متن هذا الإخبار، فإننا نتقدم منكم بهذا الكتاب سنداً لأحكام المادة 15 من نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية بصفتنا أولاً من أبناء هذا الوطن لبنان الذي نؤمن به وبأن لا قيامة له إلا بإرساء ثقافة العدالة والمحاسبة على الجميع وتحت سقف القانون، وثانياً كمسؤول أمني سابق عاين وتابع وعايش عن كثب من موقعه الأمني السابق كمدير عام لقوى الأمن الداخلي لا سيما في فترة توقيف سماحة وإغتيال اللواء وسام الحسن حجم المؤامرة التي كانت تدبر للبنان من قبل النظام السوري، وثالثاً كوزير للعدل إصطدم بقرار واضح بحجب المسؤولية الجنائية عن بشار الأسد وعلي المملوك وبثينة شعبان وسماحة، ونحن على إستعداد تام للإجابة عن أي تساؤل من شأنه أن يعزز قناعتكم بالشروع في إجراء تحقيق بهذه القضية، كما أننا وكثير من المعنيين في هذه القضية جاهزون للإدلاء بأقوالنا شفاهةً او كتابةً في مقر المحكمة وفقاً لأحكام البند (2) من المادة 15 المذكورة.
ونحن على ثقة أنكم بما هو معروف عنكم وبما للشعوب الحرة من إيمان بان المحكمة الجنائية الدولية وجدت لوضع حد نهائي لسياسة الإفلات من العقاب التي تشكل تطبيقاً تاريخياً للأنظمة الديكتاتورية، ستضعون يدكم على هذه القضية بعناية الحريص على عدالة شفافة لأننا جميعاً نؤمن أن العدالة هي الطريق الى تحقيق الإستقرار وهي الأمل لأولادنا بمستقل أفضل.