رغم تماسك الوضع المالي في موازنات دول الخليج، بعد التراجع الحاد في أسعار النفط، فإن ثمة تغيرات في معدلات البطالة والتضخم والنمو فتحت آفاقًا جديدة لحكومات تلك الدول لاستخدام أدوات مالية، كان الوضع المالي الجيد لا يسمح باستخدامها، مثل السندات والقروض، ومع التصنيف الائتماني المستقر تنتظر البنوك المحلية والأجنبية المساهمة في تمويل عجز الموازنة الناتج عن هبوط النفط، ولإعادة توظيف أموال المودعين في مشروعات تنمية حقيقية.
وتوصف أسواق الخليج بمحدودية الاعتماد عليها في التمويل، نتيجة الفوائض المالية التي حققتها الدول النفطية خلال السنوات الماضي، ويشار عادة إلى السندات الحكومية بـ«سندات خالية من المخاطر»، إلا أن مخاطر العملة والتضخم يؤخذان في الاعتبار مع كل طرح، وبالتالي تأتي أهميتها للمستثمرين الدوليين.
وقد يقف عائقًا أمام لجوء حكومات الدول الخليجية لأسواق السندات، تباطؤ الاقتصاد العالمي، واستمرار فقدان الثقة في الأسواق الدولية، التي شكلت مصدرًا جاذبًا للأموال الخليجية لفترة طويلة قبل اندلاع الأزمة المالية ودخول منطقة اليورو في أزمة الديون السيادية، وضعف الاقتصاد الصيني، الأمر الذي يفتح المجال للقروض.
ويقدر حجم الودائع في البنوك الخليجية بنحو 1.2 تريليون دولار، وحجم الأصول بـ1.8 تريليون دولار، أي ما يشكل نحو 33.3 في المائة من إجمالي أصول المصارف العربية.
إلا أن حكومات الخليج، التي ظهر لديها اتجاه واضح الفترة الأخيرة، لتشجيع القطاع الخاص وإشراكه في مشاريع التنمية، قد تبتعد عن اللجوء للقروض المحلية، خصوصا مع زيادة ضغوط الاقتراض الداخلي على السيولة في النظام المصرفي المحلي، وهو ما دفع أسعار الفائدة إلى الصعود، فضلاً عن ترك المجال للبنوك المحلية لإقراض شركات القطاع الخاص، ولكن عامل التوقيت هنا هو ما سيحسم الأداة المالية التي ستلجأ إليها حكومات الخليج.
ولجأت بنوك خليجية مؤخرًا لتقديم فائدة مرتفعة على الودائع الاستثمارية طويلة الأجل لتعويض انخفاض الودائع الحكومية، بعد سحب الحكومات من الاحتياطيات النقدية لسد العجز في الموازنات، إذ تعد الحكومات في دول الخليج من أكبر المودعين في البنوك المحلية، حيث تستحوذ ودائع الحكومات والهيئات شبه الحكومية وشركات النفط الوطنية على نحو 10 – 35 في المائة من تمويل البنوك في دول الخليج.
وتوقعت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني أن يؤدي هذا التراجع إلى مزيد من الضغوط على ودائع البنوك، ما قد يرفع من تكلفة جذب الودائع وينعكس سلبًا على خطط الإقراض لديها، إلا أن مضاعف ربحية القطاع المصرفي في منطقة الخليج ما زالت مستقرة، الأمر الذي ظهر في توسع البنوك الخليجية إقليميًا خلال الفترة الأخيرة، ما يعني أن لديها فائضا ماليا محققا من أسواقها المحلية، ويسعون لأفضل استثمار له في الأسواق الإقليمية.
ونمت أصول البنوك القطرية بنسبة 19.73 في المائة، نتيجة عمليات الاستحواذ الضخمة التي ضمت استحواذ بنك قطر الوطني على أسهم بنك سوسيتيه جنرال – مصر، وتوسع بنك التجاري القطري في تركيا، فضلاً عن الأرباح العالية التي حققتها البنوك السعودية، بحسب مجلة «ذي بانكر». وجاءت السعودية في المرتبة الثانية من حيث الهيمنة المصرفية في القائمة لثلاثة بنوك هي الأعلى نموًا في الأرباح قبل الضريبة مع حساب العائد على رأس المال.
* دول من الخليج تلجأ إلى السندات
رأى بعض المسؤولين في حكومات الدول الخليجية، أن العودة إلى أسواق الدين ستحمي الأسواق من تقلبات عالية، خصوصا مع استمرار تراجع أسعار النفط.
فقال كان نزار العدساني، الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية في 26 يناير (كانون الثاني)، إن المؤسسة تدرس استخدام السندات والصكوك وسندات المشاريع لتمويل مشاريعها المستقبلية.
والكويت لديها عجز قدره 2.31 مليار دينار (7.6 مليارات دولار) في السنة المالية الماضية المنتهية 31 مارس (آذار)، وهو أول عجز منذ 1999 – 2000.
وتحدثت تقارير دولية عن إجراء قطر محادثات مع البنوك بشأن إصدار صكوك سيادية، لدعم المالية العامة، وسط ضغوط تراجع أسعار النفط. وقطر لديها عجز بقيمة 46.5 مليار ريال (12.8 مليار دولار) في موازنة العام الحالي.
وحصلت قطر في يناير على قرض دولي لآجل خمس سنوات بقيمة 5.5 مليار دولار، وفي الوقت نفسه تقريبًا اقترضت سلطنة عمان مليار دولار من السوق الدولية.
وسجلت الرياض عجزًا في الميزانية بلغ نحو مائة مليار دولار العام الماضي. وأصدرت السعودية سندات حكومية بقيمة 15 مليار ريال (أربعة ملايين دولار)، لكن قبل بدء تهاوي أسعار النفط في منتصف 2014 سددت المملكة الديون الحكومية.