كتبت صحيفة “النهار”: “لعل وزراء حكومة “المصلحة الوطنية” أنفسهم لم يتنبهوا الى المصير الذي آل اليه وضع لبنان في ظل مسلسل الأزمات الخانقة التي تعتصره من خلال مفارقة ولا أغرب تمثلت في مساواة أزمة حصاره عربياً وخليجياً على نحو غير مسبوق، واقتراب أزمة النفايات من نهايات ستكون مفجعة سياسياً وحكومياً واجتماعياً ان لم يترجم وعيد رئيس الوزراء تمام سلام بما يتجاوز تعليق جلسات مجلس الوزراء الى اعلان فشل الحكومة كلاً.
هذا المصير القاتم لا تزال تفصل بينه وبين المحاولة الاخيرة لاخراج حل المطامر من خرم مماحكات القوى السياسية شعرة لأن المعطيات التي تملي الاسراع في بت حل أزمة النفايات الاسبوع المقبل حداً أقصى بدت أشد ضغطاً من أي وقت سابق وما لم يحصل “الاختراق” المتأخر نحو ثمانية أشهر هي عمر هذه الكارثة فإن الحكومة آيلة الى الانهيار لا محال، علماً ان مجمل المناخ الخانق في البلاد بات ضاغطاً بقوة من أجل انفراج في مكان ما بما يشكل جرعة انعاش وخروج من شرانق العجز والتأزيم والاحتقانات.
تبعاً لهذه الصورة السوداوية لم يكن غريباً ان تتسارع محاولات التوصل الى استكمال اللمسات الجارية على الحل الموقت للنفايات والتي يساهم في الدفع نحو انجازها زعماء سياسيون من أبرزهم الرئيس سعد الحريري الى جانب الرئيس سلام الذي مضى في الضغط الخميس 3 شباط عبر جلسة مجلس الوزراء لاتمام الاتفاق السياسي على الحل الذي أمل في التوصل اليه خلال أيام. لكن سلام قرن حديثه عن قطع اللجنة الوزراية المكلفة ملف النفايات ثلاثة ارباع الطريق نحو الحل المرحلي بتحذير من الامر “يتعلق بوجود الحكومة نفسها وجدواه”، معلناً انه لن يوجه دعوة الى عقد جلسة الاسبوع المقبل اذا لم يحل موضوع النفايات “وفي حال عدم التوصل الى مخرج خلال أيام فانه سيعلن فشل الحكومة وتالياً عدم وجود مبرر لاستمرارها”.
ومع ان مجلس الوزراء لم يتناول تفاصيل ما يجري العمل عليه في ملف النفايات، علمت “النهار” ان الاتصالات تتركز حالياً على الحل المرحلي للمطامر الظرفية باعتماد المساواة في توزيعها مناطقياً وقدراتها الاستيعابية وترجمة مبدأ الشركة بين الجميع في تحمل الاعباء وكذلك يستلزم الحل قراراً بالاجماع واداة تنفيذية. وتشير المعلومات الى ان الرئيس الحريري دخل بقوة على خط المساعدة لانجاز المخرج، كما ان وزير الزراعة أكرم شهيب يتولى عقد لقاءات مع المعنيين بعيداً من الاضواء لتذليل العقبات. ويقول مطلعون على هذه المساعي إن بعض القوى السياسية “يعيش على الخيط الرفيع الذي يربط السياسة بالنفايات” كدلالة على نوعية العقبات التي يجري التعامل معها.
وأبلغت مصادر وزارية “النهار” ان الرئيس سلام لم يعرض أي شيء يتعلق بخطة طمر النفايات في جلسة مجلس الوزراء أمس وأكتفى بالقول إنها “تحتاج الى كم يوم لأخذ الموافقات عليها” مستعملا عبارة “أيام قليلة جداً” مما يوحي أن النتائج مرتقبة قبل الخميس المقبل. فإذا كان الجواب إيجابياً كان به وإذا لم يكن كذلك فلن يعلّق الرئيس سلام أعمال مجلس الوزراء، كما تردد سابقاً، بل سيستقيل من منصبه.
ورجحت المصادر حسم الموضوع خلال 48 ساعة مع الاتجاه مبدئياً الى إعتماد ثلاثة مطامر أوردتها “النهار”، وهي: منطقة كجك بين أقليم التفاح وأقليم الخروب والكوستا برافا وبرج حمود.
صحيفة “السفير” قالت: “بدا موقف الرئيس تمام سلام، في مجلس الوزراء أمس، خارج الزمن أو متأخراً عنه. ما يزال يعتقد أن الحكومة لم تفشل في إدارة ملف النفايات، وعليه أعلن أنه في حال عدم التوصل إلى مخرج خلال أيام، سيعلن فشلها وبالتالي عدم وجود مبرر لاستمرارها!
للوهلة الأولى، ولولا التدقيق في تاريخ جلسة مجلس الوزراء، لأمكن القول إنه لا يتعدى نهاية تموز أو على أبعد تقدير نهاية آب 2015، أي بعد شهر و13 يوماً على تاريخ إقفال مطمر الناعمة وبدء تكوم النفايات في الشوارع.. لا بعد ثمانية أشهر.
ولأن الموقف جاء متأخراً كثيراً، فإن الموقف السلامي لم يوضع سوى في خانة رفع الصوت، علّ ذلك يساهم في تحرير العقدة التي ما تزال تواجه حل المطامر، انطلاقاً من مسلمة يؤمن فيها السياسيون وتشير إلى أن «الزعماء قادرون على فرض الحلول في المناطق الخاضعة لسيطرتهم الطائفية».
وعليه، وبعدما أعلن أن اللجنة الوزارية المسؤولة عن ملف النفايات قد قطعت ثلاثة أرباع الطريق نحو حل المطامر، فإن استكمال الربع الباقي يتطلب تذليل العقبة التي نتجت عن رفض أهالي إقليم الخروب إقامة مطمر في منطقتهم.
وفيما تردد أن الحل ينص على نقل النفايات إلى ثلاثة مطامر مؤقتة، أو بشكل أدق إلى ثلاثة مكبات، فقد تردد أنه تم حسم مسألة اعتماد مطمري برج حمود و«كوستا برافا»، بانتظار المطمر الثالث، الذي اتفق على أن يكون في الجية، على أرض واسعة كانت كسارة في ما مضى، وقد اشتراها جهاد العرب من آل كجك. أما مطمر الناعمة، فيتوقع أن يعاد فتحه لمدة سبعة أيام، كما كانت الخطة القديمة تنص، بحيث يصار إلى نقل كل النفايات المتراكمة والتي قدرت بـ370 ألف طن إليه.
وفيما لم يسمع موقف جديد للنائب طلال ارسلان، يوافق فيه على «الكوستابرافا»، بعدما سبق أن عارض بشدة هذا التوجه، حيث دعا في طاولة الحوار الأخيرة إلى «التخييط في غير هذه المسلة»، نفى النائب آغوب بقرادونيان لـ «السفير» ما تردد عن موافقة حزب «الطاشناق» على فتح مكب برج حمود، مؤكداً، في المقابل، على إيجابية الحزب في التعامل مع فكرة فتح المطمر، على قاعدة الحل الشامل.
وأوضح أن الحزب، الذي التقى سلام مرة واللجنة مرتين، يطلب تقديم اقتراح دقيق، توضح الحكومة فيه خطتها للتعامل مع المكب، «لنعرف على ماذا نريد أن نوافق أو نتفق (سنسول، حوافز، مهل، الشركة العاملة..)». باختصار، يؤكد بقرادونيان لـ «السفير» أن الحزب لم يقبل فتح المطمر لكنه مستعد للقبول بفتحه في حال اتضاح مصيره.
يبقى «الفاول» الذي ارتكبه النائب علاء الدين ترو شاهداً على الشفافية المفقودة للسلطة، التي تصر على تمرير «حلولها» خلسة. وفيما كانت اللجنة «تطبخ» مسألة الأرض التي ستستخدم في الجية بهدوء، يوحي أنها مستمرة في الحلول المواربة، أحرق تصريح ترو الطبخة. فكشف «محاولة الحكومة وبعض القوى السياسية زج منطقة إقليم الخروب بموضوع المطامر»، رافضا هذه المحاولة ومحذرا منها.
لم يكد هذ التصريح يبصر النور حتى قامت قيامة بلديات المنطقة، ولاسيما بلدية الجية. وفيما تردد أن موقف ترّو جاء مخالفاً لرأي جنبلاط، علمت «السفير» أن الأخير كان قد أوعز إلى الوزير أكرم شهيب السعي في اللجنة إلى إبعاد المكب عن منطقة الإقليم، أضف إلى تطرقه في الحديث مع الحريري، عندما التقاه في المجلس، إلى المسألة، وقوله له «اعفيني من موضوع الاقليم»، بما يوحي أن جنبلاط يرفض مسألة فتح المطمر، لكنه لن يقف في وجه الحريري إذا أصر على موقفه. وهو ما يبدو أنه لم يعد ممكناً، نظراً للشكاوى التي تلقاها من أبناء المنطقة، الذين يدعون المسؤولين الى زيارة المنطقة والتأكد ان المنازل لا تبعد عن قطعة الأرض سوى أمتار.
وتردد أن جهاد العرب كان قد اشترط، للموافقة على تحويل أرض الكسارة في الجية إلى مطمر، أن يتولى مشاريع النظافة في بيروت وجبل لبنان، وهو ما رُبط مع مسألة ادعاء النيابة العامة المالية على «سوكلين»، تمهيداً لإزاحتها عن مستقبل القطاع بهدوء، خاصة أنه تبين أن الدعوى لا تدخل في لب المشكلة المتعلقة بالعقود وتنفيذها ودور المشرف (مجلس الإنماء والإعمار)، بل تكتفي بالاعتراض على طريقة الوزن.
مصدر متابع لأزمة النفايات، كان قد أشار إلى أن الخطة كانت تقضي بنقل النفايات فوراً إلى «كوستا برافا»، بالتزامن مع بناء السنسول وتجهيز المطمر، وكذلك الأمر بالنسبة للجية، حيث ترمى النفايات في جهة ويبدأ العمل على تجهيز المطمر في الجهة المقابلة، على أن يتم الاعتماد على مكب برج حمود بعد تجهيزه.
يبدو جلياً أن الحكومة قررت هذه المرة حسم الموضوع، لكن سلام يعرف أن ثمة مطبات عديدة يمكن أن تنسف الخطة مجدداً، ولذلك لم يجد أمامه سوى ربط الدعوة للجلسة المقبلة بحسم الخلاف بشأن المطامر.
الأكيد أن الحكومة لا تحتاج إلى شهادة لتثبت فشلها. كل من تابع الملف ومن لم يتابعه يدرك أن فشلها كان مبيناً.. وعمره ثمانية أشهر.. وهو حكماً لا ينتظر أي إعلان رسمي من رئيس الحكومة.
من جهتها، كتبت “الأخبار”: عاد رئيس الحكومة تمام سلام إلى التلويح بورقة الاستقالة للضغط على المكوّنات السياسية للتفاهم في شأن هذا الملف.
أحد الوزراء قال لـ«الأخبار» إن الحكومة «باتت أقرب من أي يوم مضى من حافة الهاوية؛ فإما أن تُحلّ أزمة النفايات في غضون أيام، أو يدخل مجلس الوزراء مرحلة عجز تام، وصولاً إلى احتمال السقوط»، علماً بأن جلسة أمس كانت مخصصة للنقاش السياسي، ولم تبحث في أي بند «عليه القيمة».
وأشارت مصادر وزارية إلى أن اللجنة المكلفة بدرس الملف لا تزال تنتظر نتيجة مسعى الرئيس سعد الحريري لتأمين الموافقة على إقامة مطمر في إقليم الخروب، بعدما حددت ثلاثة مواقع هي برج حمود وكوستابرافا (خلدة) وإقليم الخروب (كجك)، إضافة إلى إعادة فتح مطمر الناعمة لاستقبال النفايات الموجودة في الشوارع وفي مواقع الجمع المؤقتة في بيروت وجبل لبنان بعد فرزها. وعندما طُرِحت مسألة فتح مطمر في برج حمود، قال الوزير الياس بو صعب: «وضَعنا معايير، منها أن تتحمّل المناطق حل الأزمة بالتساوي. وإذا أمّنتم الموافقة على مطامر وبقي عالقاً حل الأزمة في جبل لبنان الشمالي، فسنقوم حينها بما علينا». وأشارت المصادر إلى أن ما يُدرس حالياً هو أن يكون لكل اتحاد بلديات أو قضاء أو بلدية خيار معالجة النفايات بنفسها، على أن تحصل البلدية في هذه الحالة على مستحقاتها من الأموال التي كانت تُدفع سابقاً إلى «سوكلين». أما الخيار الآخر المتاح، فهو الانضمام إلى «الحل» الذي سيعتمد لبيروت وجبل لبنان معاً.
وفي هذا الإطار، خصّص الاتحاد الأوروبي هبة جديدة لمعالجة أزمة النفايات قيمتها خمسون مليون يورو مخصصة لوزارة التنمية الإدارية، لإنشاء معامل لمعالجة النفايات ومطامر صحية في المناطق. أمام القيّمين على برنامج إدارة النفايات الصلبة في وزارة التنمية الإدارية خريطة تظهر المشاريع المرتقبة للمرحلة الأولى بتمويل من الاتحاد الأوروبي: إنشاء معمل ومطمر صحي في بلدة سرار (قضاء عكار)، ومعمل ومطمر في بعلبك (خاص بقضاء بعلبك ــ الهرمل)، ومعمل ومطمر في جب جنين (خاص بالبقاع الغربي)، ومعمل في زحلة (يوجد مطمر صحي). أما المرحلة الثانية، فتشمل إزالة جبل النفايات في سهل دير قانون رأس العين (على غرار إزالة جبل النفايات في صيدا)، وإنشاء مطمر صحي في محاذاته لطمر العوادم الناتجة من معمل عين بعال (قضاء صور) ومن معالجة جبل رأس العين، إضافة إلى إنشاء معامل ومطامر في البترون وزغرتا والضنية والكورة، واستحداث معمل ومطمر صحي في بيت ياحون (قضاء بنت جبيل) يستوعب نفايات بلدات قضاءي مرجعيون وبنت جبيل، وإنشاء مطمر صحي في وادي الكفور لطمر العوادم الناتجة من معمل الكفور لمعالجة نفايات بلديات النبطية وجزين وإقليم التفاح. واللافت أن تقارير الوزارة تشير إلى أن البنك الدولي يقدّر كلفة معالجة الطن الواحد من النفايات في بلد كلبنان بما يراوح بين 40 و60 دولاراً.