في ظل سخونة ملف الانتخابات البلدية المفترض إجراؤها في أيار المقبل، تعود التجاذبات السياسية والصراعات المحلية والحزبية والمناطقية لتؤكد غياب «الانماء البلدي» اقتصاديا واجتماعيا ومعيشيا عن ملف يطاول حياة عشرات آلاف اللبنانيين. ففي وقت تتجه فيه غالبية الدول المتقدمة الى تطوير سبل الاستفادة الى أقصى الحدود في مجال الطاقة النظيفة، لا تزال البلديات في البلد غائبة عن مفاهيم المشاريع الخضراء برغم أهمية عوائدها الاقتصادية الكبيرة وأكلافها المقبولة التي تمكّنها من أن تكون في متناول كل الدول، حتى النامية منها
إيفون صعيبي
خلال قمة كوبنهاغن للتغير المناخي التي عقدت عام 2009، تعهّد لبنان إنتاج 12% من احتياجاته في مجال الطاقة من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجدِّدة (الطاقة الشمسية، وضغط المياه والرياح).
وعليه جرى العمل لتحقيق هذه الخطوة من خلال تنفيذ مشاريع عبر آلية تمويل NEEREA، أو القروض الخضراء، التي يُمنح بموجبها أصحاب المشاريع الخاصة قروضاً تراوح بين 20 ألف دولار و30 مليوناً، كما وُضعت الخطة الوطنية للطاقة المتجددة بين الاعوام 2016 ــــ 2020، وتضمّنت التكنولوجيات الاساسية التي يجب العمل عليها لكي تمثّل الطاقة المتجددة نحو 12% من إجمالي الطاقة في لبنان مع حلول 2020.
القطاعان معنيان
تماشيا مع هذا التوجه، انفتح القطاع الخاص على الطاقات المتجددة، فصبّ اهتمامه على الطاقة الشمسية باعتبارها من أهم موارد الطاقة في العالم لانتاج الكهرباء وتسخين المياه، وتخطت الاستثمارات في القروض الخضراء في السنوات الثلاث الماضية الـ500 مليون دولار، غالبيتها مدعومة من الاتحاد الاوروبي. وأعطيت المنح الى مصرف لبنان ليؤدي الدور الرقابي، لذلك قسّم القروض الخضراء التي استفاد منها القطاع الخاص على نحو كبير منذ عام 2011 الى قسمين: القروض الطاقوية والقروض البيئية.
أما القطاع العام، فلم يستفد من القروض الخضراء المدعومة بسبب القوانين والآليات المعقدة المتبعة، ولم تتمكن البلديات، بالتالي من تنفيذ مشاريع طاقة متجددة ومشاريع توليد طاقة وحفظها برغم ان القانون البلدي يعطيها صلاحيات واسعة. من هنا كان العمل مع البلديات لناحية تشجيعها على استخدام الطاقة الشمسية الحرارية لتسخين المياه في المباني الحديثة التي سيجري بناؤها، واستخدام الطاقة الشمسية لإنارة الشوارع والمباني البلدية، بهدف تحفيز القطاع العام، وخاصة البلديات التي تعد سلطة تنفيذية على الاستثمار في المشاريع الخضراء. ووافق مصرف لبنان منذ بضعة أشهر على بند يوسِّع القروض المدعومة لتشمل البلدات الريفية.
غياب الآلية
عن هذا الموضوع، تقول الخبيرة القانونية المحامية كريستينا أبي حيدر نصرالله «ان المادة 62 من قانون البلديات تخضع القروض لموافقة وزير الداخلية، كما ان المادة 86 من القانون عينه التي تعدد عائدات البلدية تذكر القروض على انها جزء من عائداتها، والمادة 49 تشير الى ان المجلس البلدي يستطيع الاقتراض من مصادر مختلفة لتحقيق مشاريع معينة، بما انه سلطة تنفيذية تتمتع باستقلالية مالية، لكن المشكلة التي تعانيها البلديات في موضوع الاقتراض هي عدم وجود آلية واضحة، اضافة الى رفض سلطة الرقابة اعطاء الاذن بالاقتراض خوفا من تداعياته المالية على البلديات في ظل غياب هذه الالية، ما أدى الى اللجوء الى شركات خاصة تتقدم بطلب القرض باسمها بموجب عقد تبرمه البلديات معها».
وبحسب نصرالله «فانه انطلاقا من المادة 86 من قانون البلديات، جرى العمل العام المنصرم على مشروع MED-DESIRE المموّل من الاتحاد الأوروبي. ضمّ المشروع شركاء من عدة دول أبرزها لبنان وتونس ومصر وإسبانيا وإيطاليا. والهدف منه نقل خبرة الدول الأوروبية في مجال الطاقة الشمسية الموزعة لامركزياً إلى مصر وتونس ولبنان. من هنا، تمكّنا من تطبيق خطة تربط بين القروض التي يقدمها الاتحاد الاوروبي ومصرف لبنان، لتتمكن البلديات من تعزيز مشاريعها في مجال الطاقة المتجددة، علما ان الشركات الخاصة ستحقق ارباحاً لكن في الوقت عينه ستستفيد البلديات من هذه التقديمات. أما بالنسبة إلى القروض، فهي تمنح بالليرة اللبنانية لدعم القرى والمناطق لتمويل المشاريع الصديقة للبيئة في مجال الطاقة والطاقة المتجددة التي لا تستفيد من دعم الدولة للفوائد المدينة. ولتسهيل استفادة البلديات من القروض المدعومة، أصدر مصرف لبنان التعميم الرقم 399 الذي يسمح للبلديات بالاقتراض لتنفيذ مشاريع في مجال الطاقات المتجددة وحفظ الطاقة.في هذا المجال، لا بدّ من التذكير بأن البلديات تتمتع بحسب القانون بشخصية معنوية واستقلال مالي واداري وقدرة على ادارة مصالحها المحلية. لذلك لا بد من خلق آلية تسمح للبلديات بالاستفادة من القروض والهبات شرط المحافظة على ماليتها».
خطط واستراتيجيات
مدير المركز اللبناني لحفظ الطاقة المهندس بيار الخوري يقول ان «المركز يضع الخطط والاستراتيجيات التي من شأنها تحقيق أهداف الحكومة اللبنانية في موضوعات كفاءة الطاقة والطاقة المتجدِّدة،» مؤكداً أنّ «العمل لا يقتصر على الخطط، إنما المبادرة إلى تنفيذ مجموعة من المشاريع النموذجية، بحيث تتضمن الخطة الوطنية للطاقات المتجددة مجموعة تكنولوجيات، منها الطاقة الشمسية لانتاج الكهرباء، الطاقة الشمسية لتسخين المياه، طاقة الرياح، الطاقة المائية الهيدوكهربائية المائية، وطاقة حرارة جوف الارض. والدور الذي يمكن للبلديات تأديته في هذا المجال مهم».
وبحسب الخوري «أصدر مصرف لبنان منذ فترة تعميماً يتيح للبلديات ان تستفيد من القروض الخضراء من خلال الشركات التي تنفّذ مشاريعها. والهدف من هذه الخطوة اشراك القطاع العام في مجال خفض الاستهلاك وترشيده. فمن أصل مليار دولار حددها مصرف لبنان للقروض المدعومة ستحظى مشاريع الطاقة البديلة بحوالي 150 مليون دولار للقطاعين العام والخاص بفائدة 0.3%، اما مدة التقسيط فيمكن ان تصل الى 10 سنوات».
عل عكس ما كان سائداً طوال السنوات الماضية, أصبحت الإمكانيات متاحة أمام البلديات للإستفادة من التجارب الأوروبية والمتوسطية في مجال الطاقة النظيفة لتحويل القرى والمدن الى أماكن صديقة للبيئة. فهل تتأمن النية لذلك أم أن الأولوية ستبقى في مكان آخر؟