IMLebanon

لبنان على طريق التكنولوجيا .. أسس ضعيفة وموارد فكرية “واعدة”

coding-students-NYC
ادخلت الولايات المتحدة الاميركية تعديلات على المناهج الدراسية في بعض الولايات. واضافت مواداً اساسية كعلوم الحاسوب ولغات البرمجة الى المدارس العامة لتسنح الفرصة لطلابها بتعلم “مهنة المستقبل”. وانطلقت في قرارها من نقاط عدة، أبرزها الضعف في القدرة التنافسية لليد العاملة في المجال التكنولوجي خصوصاً أمام اليد العاملة الهندية التي اجتاحت الشركات الأميركية المتعطشة للخبرات في المجال التكنولوجي. واضطرت الشركات إلى الاستعانة باليد العاملة الأجنبية التي بدأت بإزاحة العامل الأميركي ومزاحمته في شتى المجالات، الأمر الذي أوصل أشخاصاً عديدين إلى ترؤس أهم الشركات التكنولوجية في العالم.

يقول مبرمج الألعاب المقيم في ولاية شيكاغو الامريكية، علاء دياب، في حديث لـ “المدن” إن مصطلح “محو الأمية” في هذا العصر أصبح ملازماً لـ “محو الأمية الحاسوبية”، الأمر الذي دفع اميركا الى تعميم ثقافة التكنولوجيا وعلوم الحاسوب على المدارس العامة. ولم تقتصر النظرة الاميركية على الشركات والمنافسة، اذ يعتبر الكثير ممن يحاولون اصلاح النظام التعليمي في الولايات المتحدة أن ادخال هذه العلوم ولغات البرمجة إلى المدارس سيساهم في زيادة قدرة الفقراء على المناورة أمام الأغنياء، خصوصاً مع ارتفاع ظاهرة خصخصة التعليم والاقتطاع من موازنات المدارس العامة.
ولا شك أن التطور التكنولوجي الذي حصل في العالم خلال السنوات العشر الأخيرة ساهم في رفع القدرات الانتاجية لدول عدة مدعومة بايرادات وابتكارات من الشركات التكنولوجية التي بدأت بصفتها شركات صغيرة أو متوسطة.
وبدأت الدول العربية في الدخول الى هذه الموجة مؤخراً، اذ تقود الامارات العربية المتحدة وتحديداً مدينة دبي، الدول الرائدة في القطاع التكنولوجي، ولو أنها متأخرة عن الخطوات التي قامت بها الولايات المتحدة لجهة ادخال علوم الحاسوب والبرمجة إلى المناهج الدراسية.

ويحتل لبنان أيضاً مرتبة لا بأس بها في مصاف الدول التي تدعم القطاع التكنولوجي مدعوماً برغبة دولية متمثلة بقروض ومبادرات من البنك الدولي والمصرف المركزي الذي يعد شريكاً رئيساً في عملية دعم الاقتصاد المعرفي والتكنولوجي. وفي هذا السياق، أطلق مصرف لبنان التعميم رقم 331 في العام 2015 لتشجيع القطاع التكنولوجي والاقتصاد المعرفي من خلال السماح للمصارف والمؤسسات المالية اللبنانية بالمساهمة في تمويل المشاريع الناشئة التي تدور في فلك اقتصاد المعرفة.

ولعل مؤتمر “عرب نت بيروت 2016” بنسخته السابعة الذي انطلقت فعالياته مؤخراً خير دليل عما سبق، اذ ركز وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني آلان حكيم على أهمية التكنولوجيا والاستثمار التقني في نقل المجتمعات النامية إلى مرحلة التطور من خلال “مساعدتها على تخطي المراحل التقليدية للتنمية والانتقال إلى مسار معرفي يستند إلى النمو ويتمتع بقيمة مضافة اكبر”.

وبالرغم من أهمية هذا القطاع على مستوى الاقتصاد اللبناني، لما يمكن أن يسهم في عملية التنمية وتحقيق الرفاهية المجتمعية، الا أن العوائق التي تقف أمام تقدمه تُشكل هاجساً يؤرق المسؤولين اللبنانيين. وتعتبر هجرة الأمغة من أبرز هذه العوائق وفق حكيم، اذ يشهد لبنان منذ ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية هجرة حادة في الأدمغة والعناصر الشابة المبدعة التي تجد فرص النجاح في دول العالم.

ولكن ما لم يلفت اليه حكيم في سياق طرحه للأزمة اللبنانية في القطاع التكنولوجي تحديداً، هو ضعف الثقافة التكنولوجية اللازمة لاطلاق المشاريع والاستثمارات خصوصاً في صفوف الشباب. اذ تغيب الوسائل التكنولوجية عن المدارس الخاصة والرسمية بشكل عام، وفق مصطفى قهوجي وهو أحد استاذة مادة “الكومبيوتر” في احدى مدارس صيدا. ويقول قهوجي لـ”المدن” إن الطالب بشكل عام ينتظر هذه الحصة ليرفه عن نفسه من اجواء المواد الأخرى، فقلة من الطلاب يبدون استعدادهم لتعلم كيفية عمل الحاسوب واللغات التي تدخل في تصميمه. ويعتبر الأغلبية من الطلاب أن هذه الحصة مخصصة لممارسة الألعاب، وفي أفضل الأحول تعلم “أسس” الحاسوب وفق نظر المدرسة. ويطغى على هذه الحصص برامج على شاكلة برامج الطباعة “وورد” والرسم “باينت” أو “اكسل”.
ويضيف قهوجي أنه حاول مراراً مع ادارة المدرسة فرض نظام تعليم جديد لهذه المادة، اذ اقترح أولاً أن يُعلم الأطفال كيفية فك وتجميع الحاسوب في البداية، ليصل معهم لاحقاً إلى تعليمهم كيفية استغلال الحاسوب لجني المال والأرباح في المستقبل. وفي كل مرة يصطدم قهوجي كغيره من المدرسين برفض الادارة وغياب النظرة بشأن أهمية الحاسوب في تغيير الواقع المعيشي للأفراد في الحاضر والمستقبل.
ولعل حسن موسى (16 سنة) ابن بلدة البابلية الجنوبية، خير مثال على الاستفادة من المهارات الحاسوبية والبرمجية في تحقيق مداخيل اضافية، اذ استطاع هذا الشاب أن يطور، وبمجهوده الشخصي، نسخته الخاصة من تطبيق “واتساب” ليدخل عليه تعديلات خاصة منها قدرة التطبيق على العمل على أرقام عديدة. ووصل عدد التنزيلات لهذا البرنامج إلى 12 الف عملية. ويقول موسى لـ “المدن” إن المجتمع المحيط به شكل عامل ضغط على عملية تطوره، اذ تغيب المعاهد والجامعات التي تختص في هذا المجال بشكل عام في الجنوب، الأمر الذي دفعه إلى الاستعانة بمواقع التعليم الأجنبية على شبكة الانترنت، بالاضافة إلى مواقع كـ “يوتيوب” على سبيل المثال، لتطوير موهبته. وساهم هذا المجهود الخاص لموسى بأن يصمم تطبيقاً لاحدى الشركات العاملة في لبنان لقاء أجر “جيّد”.
ومن المؤكد أنه لا مجال للمقارنة بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية في المجال التكنولوجي، وخصوصاً أنها تعتبر مركز ثقل “صناعة التكنولوجيا” في العالم. ولكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن للبنان المنافسة في الأوساط العربية على الأقل. ويتضح ذلك جلياً من خلال الأفكار والمشاريع اللبنانية التي تستضيفها المؤتمرات على شاكلة “عرب نت” وغيرها، اذ تُحقق بعض هذه الأفكار نجاحاً بارزاً في لبنان والعالم العربي أيضاً.