كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
يمرّ معظم الثورات والإنتفاضات بحالة ركود وجمود وتراجع، وربما يعود الزمن الى ما قبل الثورة، فيما تختلف الثورات بين بلدان وأخرى نتيجة عوامل عدّة أبرزها التركيبة السياسية والإنتماءات الدينية والإثنية والعرقيّة.
يُجمع المراقبون على أنّ قيام ثورة فعلية في لبنان غير ممكن بسبب التركيبة المذهبية، لكنّ الثورات تنقسم بين ثورة داخلية على الطبقة السياسيّة الحاكمة، وما أحوج لبنان إليها، وبين ثورة على إحتلال خارجي متحالف مع بعض الأطراف الداخلية.
ومع أنّ المقارنات تختلف، إلّا أنّ هناك ثابتة في الحياة السياسيّة اللبنانيّة، وهي أنّه لو لم يقل المسيحي لا للإنتداب الفرنسي لما خرجت فرنسا من لبنان، ولو لم ينضمّ السنّة الى المطالبة بخروج الجيش السوري بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لما تشكّل هذا المشهد الوطني الجامع في 14 آذار 2005.
يتذكّر اللبنانيون يوم وحدتهم التاريخيّة «اليتيم»، الذي انتهى بعدما إنشغل بعض المؤتمنين على الثورة بصوغ أحلاف رباعيّة وإستبعاد القوى التي ناضلت من أجل الحرية من الحكم، واستمرّوا بالإستئثار بالسلطة وتقديم التنازلات الوطنيّة الواحدة تلوَ الأخرى، ليصل الوضع بعد 11 عاماً و»14 آذار» السياسيّة مشرذمة وربما الى زوال، فيما روح الثورة ما زالت تسكن في الشعب الذي يحلم ببناء دولة حرّة سيدة مستقلة.
نجح اللبنانيون في الثورة ضدّ الإحتلال الخارجي، لكنّهم فشلوا في إستكمال الثورة الداخلية الإصلاحية، حيث يوازي الفساد والهدر وضرب أسس الدولة كلّ الإحتلالات، لكنّ المشهد المحزن الذي ينطبع في ذاكرة كلّ لبناني، هو الحال الذي وصلت اليه قوى «14 آذار»، فبدلاً من أن تُحيي هذه الذكرى في ساحة الشهداء، لم تحسم حتى الساعة المكان الذي ستقيم فيه الإحتفال.
وحسب المعلومات، فإنّ السيناريوهات المطروحة كثيرة، لكنّ أمرين حُسما، الأول أنها لن تقيم إحتفالاً مركزياً في ساحة الشهداء، والثاني، إستبعاد العودة الى «البيال» مجدّداً بعد مهرجان 14 شباط.
من هنا، باتت الإحتمالات محصورة تقريباً بين فندق «البريستول» نظراً لما يشكّله من رمزيّة سبقت إطلاق ثورة الأرز وإستُكملت بعدها، وبين «بيت الوسط» ليكون لقاءً جامعاً على غرار اللقاء الأخير الذي عقد بعد الإجراءات السعوديّة. أما السبب في استبعاد خيار «البيال»، فهو أنّ الجمهور نزل اليه منذ شهر، والعودة اليه لا مغزى لها، فيما الظروف الأمنية ستحدّد المكان النهائي للّقاء، والذي سيغيب عنه أيّ طابع شعبي.
وفي هذه الأثناء، يبقى الفتور مسيطراً على العلاقات بين مكوّنات «14 آذار» على رغم محاولات إصلاح ما يمكن إصلاحه، فيما المهمة تصبح صعبة داخل هذا الفريق في ظلّ غياب أيّ قوة تسيطر على القرار كما هي الحال داخل فريق «8 آذار» حيث يُعتبر «حزب الله» الحزب الأقوى فيه، وإيران الداعم الإقليمي الأكبر.
بعد 11 عاماً على إندلاع إنتفاضة الإستقلال، لا يزال السلاح غير الشرعي متفلّتاً، وأزمة الكهرباء والمياه والمحروقات والطرق والبنى التحتية ولائحة طويلة من المطالب تُرهق كاهل المواطن، فيما الشراكة الفعلية في الحكم غائبة وسط محاولات الإستئثار بالسلطة من أفرقاء في «8 و14 آذار» على حدّ سواء. من هنا فلا إستقلال من دون إنسان، والإنسان اللبناني غارق في النفايات ولم ينتفض حتى الساعة على هذا الواقع.
وإذا كان الشعب يجتمع على العناوين الكبرى، إلّا أنّ ثقافة المواطنة غير موجودة، لذلك، فالمطلوب الآن «14 آذار» سياديّة تعيد الدولة الى الوطن، و«14 آذار» مطلبيّة، فما النفع إذا ربحنا العناوين الكبرى وخسرنا أنفسنا، لكن الحقيقة أنّ الشعب خسر السيادة والحياة معاً، ليبقى السؤال: وين الملايين؟