داني حكيم
يومًا ما، سوف تُدرس فضيحة الغش في العوادم لدى «فولكسفاغن» في الكتب كمثال على الأزمات. ولن يكون تناول تلك الفضيحة في هذا الصدد يحمل أي طرح جيد بالطبع.
يقول هانز – غيرد بوده، مدير الاتصال (العلاقات العامة) لدى «فولكسفاغن» منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي: «كان الأمر يشبه تسونامي، حيث الآلاف من المكالمات والرسائل الواردة في الوقت نفسه. في أزمة كهذه، لم تكن الشركة مستعدة لها بحال، ولم نكن نعرف الطريق الصحيح للخروج منها»، مشيرًا إلى استمرار مفاوضات الشركة مع الحكومات الأجنبية.
في الأشهر التالية على اعتراف الشركة بتصميم سيارات الديزل بطريقة تهدف إلى الغش لتجاوز اختبارات نسب العوادم بالسيارات، كانت الشركة تواجه أوقاتًا عصيبة فيما يتعلق برسالتها الأساسية. وبلغت الشركة أدنى مستويات الثقة الشهر الماضي عندما قام ماتياس مولر الرئيس التنفيذي الجديد للشركة بزيارة الولايات المتحدة، وصرح لراديو الإذاعة الوطنية (NPR) قائلاً: «لم نكذب على أحد»، في حين أن «فولكسفاغن» قد كذبت بالفعل. ولقد اضطر السيد مولر إلى الاتصال مرة أخرى بمكتب الإذاعة الوطنية لتعديل تصريحه الأخير، إثر ردود الفعل الغاضبة التي تلت تصريحه الأول.
كان رد الفعل العام على الفضيحة سريعًا للغاية. فلقد سجلت «فولكسفاغن» أدنى مستوى لها على قائمة استطلاع «هاريس» الأخير لمواقف الأميركيين حيال الـ100 شركة الأكثر وضوحًا وشفافية بين شركات السيارات.
ولقد كان سقوطًا فادحًا بالنسبة للشركة ذات السمعة الممتدة لأجيال طويلة من حيث البراعة في تكوين الصورة الصديقة والودية لدى العملاء، ومنذ حملتها التسويقية لعام 1960 للسيارة «بيتل» القديمة وحتى حملة سوبر باول التجارية لعام 2011، التي تُظهر صبيًا يرتدي سترته الشخصية الخيالية الشهيرة في سلسلة «حرب النجوم» دارث فيدر مستخدمًا القوة الخفية لتشغيل السيارة باسات الجديدة وقتها. وفي الآونة الأخيرة، كانت «فولكسفاغن» تتيه فخرًا بقيمها وفضائلها البيئية – مع التشديد على محركات الديزل الخاصة بها – كنقطة مبيعات أساسية.
حجم الأزمة التي تواجهها «فولكسفاغن» يضفي على هذه القضية استثناء غير معتاد. وحتى بعض أكبر الأزمات التي واجهتها مختلف شركات السيارات في السنوات الماضية كانت تركز على سوق واحدة، سواء كانت فضيحة التسرب النفطي في خليج المكسيك لدى شركة النفط البريطانية «بي بي»، أو معركة «غوغل» المشتعلة مع الهيئات التنظيمية الأوروبية حول خصوصية البيانات.
ولكن فولكسفاغن، التي تشتمل على علامات تجارية بارزة وشهيرة مثل أودي، وبورش، ولامبورغيني، تواجه أزمة تتجاوز حدود الدول إلى العالم بأسره، مما يعقد من ردود الفعل والاستجابات المتباينة التي تتلقاها الشركة من مختلف البلدان والثقافات. فعلى سبيل المثال، دفعت الشركة بقولها إن قوانين الخصوصية الألمانية تحظر عليها التعاون الكامل مع المحققين الأميركيين. وعلى الجانب الآخر من العالم، يهدد المدعين العوام في كوريا الجنوبية بتوجيه الاتهامات الجنائية بحق المديرين التنفيذيين لفروع الشركة هناك.
وفي الأثناء ذاتها، فإن شركة «فولكسفاغن» من الشركات الانعزالية، التي تتخذ مقرها الرئيسي في بلد يفضل أساليب الإدارة المتحفظة المحكمة والتصريحات الصحافية النصية الرصينة.
يقع الأمر برمته الآن على عاتق السيد بوده في تنظيف هذه الفوضى. فقد كان، قبل وقوع الفضيحة، يشغل منصب الناطق الرسمي الأول باسم قطاع «بورش» لدى «فولكسفاغن»، ويعمل على تنظيم الفعاليات الإعلامية التي تبرز السيارات الرياضية القديمة برفقة لاعبة التنس العالمية المتألقة ماريا شارابوفا. والآن، فهو يقود الجهود للسيطرة واحتواء الأضرار الناجمة عن أزمة العلاقات العامة التي تتجاوز الحدود الدولية.
كان حريا بـ«فولكسفاغن» إدراك أنها مقبلة على كارثة.. فلأكثر من عام، قالت الشركة للمنظمين الأميركيين إن محركات الديزل لديها فيها مشكلة فنية بسيطة كانت السبب وراء ارتفاع عوادم السيارات على الطريق. ثم وفي سبتمبر الماضي، أقرت «فولكسفاغن» بأنها طورت نوع من البرمجيات يستطيع كشف وإحباط الاختبارات المعملية للملوثات التي تشكل مخاطر صحية.
وقال مارتن فينتركورن، الرئيس التنفيذي للشركة وقتها، إن الأمر يتعلق «بأخطاء عدد قليل من الموظفين». ولقد اعتقد القليل من الناس بصحة هذه المزاعم، رغم أن الفضيحة تتعلق بـ11 مليون سيارة ومحرك مما تم إنتاجه عبر سنوات عدة.
وعندما تقدم باستقالته بعد بضعة أيام، قال السيد فينتركورن: «لست على علم بأية أخطاء ارتكبت من جانبي». وفي الآونة الأخيرة، أشارات الوثائق الداخلية لدى الشركة إلى أنه قد يكون على علم بالأمر منذ مايو (أيار) 2014 تقريبًا.
ثم تأكدت الحقيقة بالأمس، عندما اعترفت شركة «فولكسفاغن» بأن رئيسها التنفيذي كان على علم بعملية التلاعب بنتائج اختبارات الانبعاثات قبل أكثر من عام من كشفها. ومنذ ذلك الحين، كان منهج الشركة يشوبه الكثير من التعثر. وعلى الرغم من إقرار «فولكسفاغن» بواقعة الغش في الولايات المتحدة، وعملها حاليًا على تعويض العملاء ماليًا كبادرة على حسن النية، إلا أنها زعمت أن التصرف نفسه لا يعاقب عليه القانون بموجب القوانين الأوروبية. ولذلك، فشركة «فولكسفاغن» لا تسدد أية تعويضات لعملائها الأوروبيين، على الرغم من أن الشركة تسحب سياراتها من كل الأسواق.
ولا يشعر الكثير من العملاء الأوروبيين بالسرور. حيث صرح أحد نواب البرلمان البريطاني في شكواه إلى المدير التنفيذي لـ«فولكسفاغن» في بريطانيا خلال جلسة استماع برلمانية الشهر الماضي قائلاً: «لقد تعاملت شركتكم مع العملاء الأوروبيين بمنتهى الازدراء».
وتقدم السيد بوده، في مقابلة شخصية، برسالة أكثر تعبيرًا عن الندم، حيث قال: «ليس من شك في أننا صنعنا أشياء داخل السيارات كانت خاطئة بالكلية وكانت ضد القوانين المعمول بها»، في إجابته عن سؤال يدور حول موقف شركة «فولكسفاغن» الحالي في أوروبا.
وعلى الرغم من تكرار أزمات شركات السيارات الماضية، فإن هذه الأزمة تختلف عنها جميعًا اختلافًا جذريًا. فالمستهلكون المعتادون على معايير سلامة السيارات يتذكرون كل كبيرة وصغيرة. فلقد كانت هناك أزمة شركة «جنرال موتورز» التي اشتملت على مفاتيح التشغيل المعيبة، وفضيحة شركة «تويوتا» المتعلقة بالتسارع المفاجئ للسيارات. ولقد تم تغريم شركة «هوندا» أخيرا مبلغ 70 مليون دولار لعدم إبلاغها عن مشكلات السلامة في سياراتها.
ولكن أزمة «فولكسفاغن» يُنظر إليها من زاوية شديدة الصلف والوقاحة. ويميل الجمهور في الغالب إلى «تحمل» قرارات استدعاء أو سحب السيارات والقضايا العمالية، حسبما تقول ويندي سالومون، وهي نائبة الرئيس لدى شركة «نيلسن»، والتي أجرت استطلاع «هاريس» المشار إليه. ولكن استطلاع الرأي، كما تتابع السيدة سالومون، يُظهر أن العملاء كانوا «أقل تسامحًا» حيال «الكذب والتضليل والمخالفات المتعمدة» من جانب الشركة.
وفي حين أنها ليست المرة الأولى التي يكتشف فيها المنظمون الأميركيون إحدى شركات صناعة السيارات التي تستخدم جهاز الإحباط – وهي الآلية أو البرنامج المستخدم في إحباط اختبارات العوادم – فإن خداع شركة «فولكسفاغن» للعملاء ينتقل بالأمر إلى مستويات عالمية، من الشركة التي تسوق لمنتجاتها بأنها حساسة للبيئة، وفي الوقت الذي تأخذ فيها الحكومات مسألة تنظيم الانبعاثات والعوادم على محمل الجدية.
كانت بعض الأخطاء واضحة داخل الشركة.. إذ إن ترقية الموظفين الداخليين، ومن بينهم السيد مولر الرفيق المقرب والملازم للسيد فينتركورن منذ فترة طويلة، لا يعد من السمات المميزة للبدايات الجديدة. كما أن التمييز في المعاملة ما بين العملاء في الولايات المتحدة عن أقرانهم في أوروبا ليس إلا دعوة مفتوحة للمزيد من المتاعب.
كانت «فولكسفاغن» تهرول في الآونة الأخيرة طلبا للمساعدة. حيث استقدمت الشركة ثلاث شركات للعلاقات العامة في ثلاثة بلدان مختلفة: وهي شركة «كيكست» في الولايات المتحدة، وشركة «فينسبري» في بريطانيا، وشركة «هيرنغ شوبينر» في ألمانيا – بالإضافة إلى شركة «اديلمان» الأميركية التي هي قيد العمل حاليا لدى «فولكسفاغن». وكانت «فولكسفاغن» تدفع مبلغ 20 ألف يورو (نحو 22 ألف دولار)، في الشهر للسيد ريتشارد غاول، مدير الاتصالات السابق لدى شركة «بي إم دبليو»، ليعمل كمستشار بدوام غير كامل، نحو 60 ساعة فقط في الشهر، وفقا لعقد مبرم بينه وبين الشركة تمكنت صحيفة «نيويورك تايمز» من الاطلاع عليه. وقال السيد بوده، رغم ذلك، إن السيد غاول كان يقدم المشورة للشركة حول قضايا ومسائل أخرى.
كما تعاقدت «فولكسفاغن» أيضًا مع مؤسسة «جونز داي» القانونية للإشراف على التحقيقات الداخلية، على الرغم من أن موقع المؤسسة القانونية الخاص يقول إنها تساعد فقط في تحديد «إمكانية وكيفية الكشف الطوعي عن السلوك الإجرامي بالشركة إلى الحكومة»، مما يشير إلى أن الإفصاح عن التصرفات الإجرامية ليس من الأمور المفروغ منها لدى الشركة بعد. ولقد صرح المدير التنفيذي لقطاع «بورش» بشركة «فولكسفاغن» أخيرًا بقوله إنه يأمل في إعادة تعيين فولفغانغ هاتز، كبير المهندسين الذي يعتبره الكثيرون شخصية محورية في فضيحة الشركة.
ولقد كان السيد بوده بنفسه جزءًا من تعديل إداري واسع النطاق داخل صفوف موظفي الشركة. ولقد قال إن «فولكسفاغن» أعادت تشغيل «غرفة الأخبار» خاصتها من أجل الاستجابة السريعة على التساؤلات حول الفضيحة من مختلف وسائل الإعلام وغيرها، التي تتألف من 15 إلى 20 موظفًا من فرق الاتصالات والمبيعات والموظفين ذوي الخبرات الفنية الكبيرة. وكانت «فولكسفاغن» تملك هذا النوع من غرف الأخبار فيما سبق أثناء فضيحة البغاء التي نالت من سمعة الشركة في عامي 2007 و2008 وتضمنت بعض النقابات التجارية.
رافق السيد بوده السيد مولر في رحلته إلى الولايات المتحدة حيث خرج بتصريح مثير للجدل إذ قال «كان الفشل بسببي». وأضاف أن الاستجواب، حول معرض ديترويت للسيارات، فوضوي للغاية، في ظل وجود الكثير من المراسلين الذين يوجهون مئات الأسئلة. وقال أيضًا إنه كان ينبغي عليه عقد مقابلات شخصية أكثر تنظيما لتفادي الارتباك.
وقال السيد بوده: «إذا كنت في موقف كهذا، عندما يتخذ الرئيس التنفيذي أولى خطواته في هذا السوق حيث يواجه أكبر مشكلة في حياته المهنية، وفي ظل ملايين الأسئلة من دون إجابات، فلن يكون أمامك إلا أن تقول: دعونا نفعل ذلك ولكن بطريقة أكثر تنظيمًا».
تعمل الشركة كذلك على إصلاح رسالتها الإعلانية. فلقد تخلت الشركة عن شعارها القديم الرصين «Das Auto» وحل محله شعار الشركة التقليدي «Volkswagen» وحيث إن هناك موجة عارمة من الاعتذارات على صفحات الجرائد بعد تفجر الفضيحة، كانت الشركة قد توارت عن الأنظار قليلا الفترة الماضية.
وقال السيد بوده إن «فولكسفاغن» كانت تنتظر قرار مواصلة المحادثات مع المنظمين الأميركيين قبل الاستقرار من جانبها على استراتيجية التسويق الجديدة في الولايات المتحدة. ولقد كانت المناقشات مثيرة للكثير من الجدل. حيث وجهت وكالة حماية البيئة والمنظمون في ولاية كاليفورنيا وكندا الاتهامات للشركة بتثبيت برمجيات وأجهزة الإحباط في مجموعة من المركبات الكبيرة التي لم تكن من بين تلك المدرجة على لوائح القبول لدى «فولكسفاغن».
ويوضح السيد بوده: «علينا أن نبدأ بهذه الحملة بعد اتفاقنا على حل مع السلطات الأميركية. ثم علينا أن نرى الصورة الكبيرة للموقف بأكمله». البروفسور إيرفينغ شينكلر، وهو أستاذ وخبير إدارة الأزمات في جامعة نيويورك، يقول إنه كانت هناك بعض أوجه التشابه في التاريخ: «إنها أزمة لم يسبق لها مثيل من حيث نطاقها العالمي، ودرجة ومستوى المشكلات المتعلقة بها. كما أنها تتعامل مع جبهات متعددة ومختلفة».
حتى في ألمانيا، نادرًا ما سمحت مختلف وسائل الإعلام للشركة بحرية الحركة. حيث يقول كايهان أوزغنيك، المراسل الصحافي لدى «بيلد إم زونتاغ»، وهي الصحيفة التي انتهجت خطًا عدوانيًا حيال الشركة: «إن (فولكسفاغن) غارقة حتى أذنيها. كان الأمر كالسقوط من الجنة إلى الجحيم مباشرة. ومن أكثر شركات صناعة السيارات ربحًا إلى حالة الطوارئ المريعة».
أما السيد بوده، فكان حاسمًا من جانبه إذ قال: «كل ما فعلته الصحافة الألمانية هو توصيف كل شيء بأنه خاطئ، وهو ما تفعله وفعلته الشركة بالضبط».
واستطرد يقول إن إدارة الأزمة كانت تتحرك خطوة بخطوة في تؤدة وتمهل، عن طريق التعلم من خلال العمل. وذات يوم، كما أضاف، يمكن أن يكون أستاذًا جامعيًا ويلقي المحاضرات حول كيفية إدارة الأزمات: «المئات من المحاضرات، إنها مزحة. وإننا أبعد ما نكون عن المزاح في ذلك. إنها أزمة عميقة بحق، وهي أعمق ما واجهته الشركة في تاريخها كله».