Site icon IMLebanon

السيارات الكهربائية تزيح النفط عن عرشه..بعد عشرين عاماً

electric-car-gasoline
حسن يحي

منذ سنوات قليلة وخصوصاً مع وصول سعر برميل النفط إلى نحو 150 دولار، بدأ الحديث بشكل مكثف عن السيارات من دون سائق والسيارات الكهربائية والهجينة في الأسواق العالمية. وعمدت شركات عدة إلى الاستثمار في هذا القطاع كونه يشكل مستقبل قطاع المواصلات الذي يستحوذ على النسبة الأكبر من السوق النفطية العالمية.
وكنتيجة حتمية لهذه الاستثمارات، انتجت معظم الشركات الرائدة في مجال صناعة السيارات في العالم سيارات “حديثة” مستقلة بشكل كامل عن مادة “الغازولين” أو البنزين، أو تعتمد بشكل طفيف عليها. وتخطط شركات كـ “شيفروليه” و”نيسان” لبيع سيارات كهربائية بكلفة تصل الى 30 الف دولار، وهو ما يعتبر منافسة واضحة وصريحة لأسعار السيارات الموجودة في السوق.
وبرغم أن السيارات الكهربائية والهجينة لم تصل إلى شعبية السيارات العادية العاملة بشكل كامل على البنزين، الا أن هذا لا يعني أنها لن تؤثر مستقبلاً على الطلب النفطي العالمي، وبالتالي على الانتاج بطبيعة الحال، وستفتعل بما لا يقبل الشك الأزمة النفطية المقبلة.
وتوقعت وحدة “بلومبيرغ لتمويل الطاقة الجديدة” أن يبدأ الأثر الفعلي لهذه السيارات على سوق النفط العالمي بحلول العام 2020، لتخلق بحلول العام 2040 أزمة حقيقية في سوق النفط العالمي. ووفق توقعات الوكالة، فإن 35% من السيارات في العالم ستكون مزودة بقابس كهربائي بحلول العام 2040.
ولعل الاستثمار المُكثف في هذا المجال من قبل الشركات الرائدة في صناعة السيارات في العالم خير دليل عما سبق، اذ أصدرت شركات عدة على رأسها “مرسيديس بنز” و”بي أم دبليو” و”نيسان” و”تويوتا” و”تيسلا” نسخها الخاصة من السيارات الهجينة التي تعمل على الطاقة النظيفة والبنزين في محاولة لتقليص الاعتماد على هذه المادة التي تُشكل العنصر الأبرز في برميل النفط.
واذا ما أردنا “تفصيل” برميل النفط، سنجد أن البنزين يُشكل العنصر الطاغي على المواد التي يُنتجها هذا البرميل. وبحسب ادارة الطاقة الأميركية، فإن البرميل الواحد من النفط الخام يحتوي على قرابة 47% من مادة الغازولين أو البنزين، اضافة إلى نحو 23% من وقود الديزل (المازوت) والوقود المخصص للتدفئة، و10% من وقود الطائرات، و8% من الاسفلت و4% من البترول السائل، ما يعني أن قرابة 45% من مجمل الانتاج النفطي العالمي يذهب الى السيارات.
ومن المؤكد أن السيارات الكهربائية والهجينة والسيارات من دون سائق ستكون “سيارات المستقبل”، خصوصاً أن صناعتها شهدت تطوراً ملحوظاً في السنوات القليلة الماضية. وانخفضت أسعار البطاريات المشغلة لهذه السيارات 65% منذ العام 2010، لتسجل 350 دولارا لكل كيلوات/ ساعة في العام 2015. ويتوقع أن تنخفض هذه الكلفة الى 120 دولاراً بحلول العام 2030.
وتزامن هذا الانخفاض مع ارتفاع في المبيعات، اذ سجل العام 2015 ارتفاعاً في حجم المبيعات ناهز 60%. وبرغم هذا الارتفاع، لا تزال الدول النفطية مُطمئنة على مستقبل نفطها من السيارات الكهربائية، اذ لا تزال نسب هذه السيارات من مجمل السوق ضئيلة بشكل كبير، ولن تؤثر فعلياً في السوق العالمية قبل 50 عاماً على الأقل.
ولكن الاستثمارات التي تضخها الشركات العالمية في هذا المجال تؤكد أن هذا التوجه أصبح أقرب مما نتخيل، اذ أفادت دراسة أعدها مركز “رولاند بيرجي” للاستشارات الاستراتيجية ونشرتها شركة “فورد” الأميركية بأن حجم السيارات الكهربائية وصل إلى 2.6% من مجمل السيارات الموجودة في العالم خلال العام 2012.
ووفق الدراسة، استحوذت فرنسا على حصة الأسد في تبني هذه السيارات، اذ سجلت السيارات الكهربائية فيها 0.8% من الحصة السوقية للسيارات في العالم، في حين سجلت كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والمانيا في العام نفسه نسبة وصلت إلى 0.6%. وأتى نشر هذه الدراسة في سياق تبرير الشركة (فورد) لاستثمارها 4.5 بليون دولار في مجال “سيارة المستقبل” أو السيارات الكهربائية.
ومن المهم التوقف عند النسبة التي سجلتها الولايات المتحدة، وخصوصاً انها تستحوذ على أكثر من 25% من مجمل سوق السيارات الخاصة العالمية. ووفق ادارة معلومات الطاقة الأميركية، يستهلك قطاع النقل في الولايات المتحدة نحو 20 مليون برميل يومياً من المنتجات النفطية، يستحوز الغازولين على نسبة 9 مليون برميل يومياً. وهو ما يعادل 45% من مجمل الاستهلاك اليومي الأميركي.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة أمام هيمنة السيارات الكهربائية على سوق السيارات في العالم، وهو من أين ستأتي بالكهرباء لتشغيلها، وخصوصاً أن التوقعات تشير إلى أنه بحلول العام 2040، ستستهلك السيارات الكهربائية نحو 1900 تيراوات/ ساعة من الكهرباء وهو ما يعادل 10% من مجمل الانتاج الكهربائي في العام 2015؟
وفي اطار الاجابة عن هذا التساؤل، تخرج “الطاقة النظيفة” والمتجددة الى الواجهة من جديد وخصوصاً مع تركيز دول عدة عليها في اطار محاربتها التغير المناخي أولاً واعتمادها على النفط ثانياً. وبدأت الطاقة النظيفة في المنافسة الفعلية في العام 2013، اذ ولأول مرة أصبحت قادرة على المنافسة الفعلية في المجال الصناعي. واضافت الطاقة النظيفة في ذلك العام 143 جيغاوات إلى القدرة الكهربائية العالمية، مقارنة مع 141 جيغاوات التي انتجتها المصانع التي تحرق الوقود الاحفوري. ويتوقع أن تتضاعف القدرة الكهربائية المتجددة أربع مرات بحلول العام 2030، أمام تراجع في حجم الطاقة التقليدية.
في النهاية قد يكون من المبكر أن نتوقع بداية نهاية عصر النفط في العالم، الا أن هذا لا يعني أنه أمر مستحيل التحقق في المستقبل القريب أمام الظروف والتوجهات التي تتخذها الدول المتطورة والمستهلكة لتقليص اعتمادها على النفط بشكل اساسي، وخصوصاً أن الدول النفطية بشكل عام لم تستطع حتى الساعة تحقيق الاستقلالية في موازناتها من النفط رغم المحاولات الحثيثة والجدية التي تحدث أخيراً وخصوصاً مع انهيار أسعار النفط كما هو حاصل في هذه الفترة.