سجّل قطاع الطاقة أرباحاً لأول مرّة منذ 4 أسابيع رغم هبوط الغاز الطبيعي إلى قاع جديد غير مسبوق منذ 17 عاماً، بينما ارتفع النفط الخام مدعوماً بهبوط الإنتاج في الولايات المتحدة والمباحثات المتواصلة بين المنتجين حول سبل خفض الإنتاج. وجرى تداول الذهب بشكل جانبي بعد اسابيع من حركة نشطة في الشراء والتي تسببت في حدوث تغيير في الثقة في اسواق الذهب ، حيث أسفرت المخاوف حيال الركود وانخفاض/هبوط أسعار البنوك المركزية عن تشكيل زخم إيجابي بدرجة معيّنة، مما أثمر عن اجتذاب تدفقات نقدية قوية إلى حصص الذهب في المنتجات المتداولة عبر البورصة. ولا تزال العلاقة السلبية التي تربط الذهب بالأسعار الهابطة للأسهم والنفط من أهم سمات التداول في هذا المجال، وسيكون من شأن أي تغيّر يطرأ على هذه المعنويات أن يؤدي إلى كبح التوجّه الصاعد مع تشكيل حركة توحيد لفترة معيّنة.
وقد شهدت المعادن الأخرى جهوداً حثيثة لمواكبة الذهب، إذ يتم تداول الفضّة حالياً عند أدنى المستويات نسبياً منذ ركود عام 2009. أما النحاس، فلا يزال رهين نطاقه الحالي، غير أنّه أبدى بارقة أمل بالخروج بعد نجاحه في التملّص من تأثيرات التراجع في الأسهم الصينية. وقد أسهمت المكاسب المذكورة أعلاه ضمن قطاع الطاقة والسلع الخفيفة في رفع ’مؤشر بلومبيرغ للسلع‘ لأول مرّة منذ أربعة أسابيع، حيث صعد بمقدار 5% عن القاع الذي وصله في يناير الماضي، والذي يعتبر قاعاً غير مسبوق منذ عقود عديدة.
وتشهد السلع حالياً فترة ازدهار على ضوء الطلب الملموس من المستهلكين والطلب على الأوراق من طرف المستثمرين، غير أن استمرار التحسّن بعد هذا المستوى يتوقف على المنظور الاقتصادي العالمي الذي تدور حوله الكثير من الأسئلة، إذ لا شك بأن التباطؤ العالمي العام يلقي بظلاله على الصين والولايات المتحدة، اللتين تعدّان أكبر اقتصادين في العالم وأهم محرّكات الطلب على السلع الرئيسية مثل الطاقة والمعادن الصناعية.
رغم كل ذلك، من الممكن اعتبار الهدوء النسبي الذي شهده الشهر الجاري حتى الآن بمثابة بادرة مبكّرة لتبلور حالة من الاستقرار في ما يخص معظم العوامل السلبية، مثل تراجع الطلب والمعروض الزائد.
وقد قفزت السلع الخفيفة مدفوعة بالمكاسب التي سجلّها السكّر بعد قيام ’المنظمة العالمية للسكّر‘ برفع العجز العالمي لموسم 2015-2016. ويعزى هذا التغيّر بالمقام الأول إلى الظروف الجوية السلبية المرتبطة بظاهرة ’إل نينيو‘، والتي تفرض الكثير من التحديات على المنتجين من البرازيل إلى الهند وتايلاند.
ومن ناحية أخرى ساعدت العوامل الجوّية العاصفة في أفريقيا الكاكاو على تحقيق أعلى ارتفاع له منذ ثلاثة أشهر، في حين تتنامى مخاطر الصعود التي قد تتعرّض القهوة لها كنتيجة للهبوط المحتمل في الإنتاج البرازيلي والفييتنامي. واليوم يعود الذهب مجدداً إلى الواجهة بصفته واحداً من أقوى السلع أداءً مع بداية العام، تماماً كما كان الحال في مطلع 2015 عندما تلقى المعدن البرّاق دفعة قوية من الحادثة المتعلّقة بالفرنك السويسري وإطلاق برنامج التسهيل الكمّي من قبل البنك الأوروبي المركزي.
وقد أثار الارتفاع الذي تم تسجيله منذ بداية السنة وحتّى الآن أسئلة حول إن كان هذا الأمر مجرّد حالة قصيرة المدى تنتهي قريباً، ليفقد الذهب ألقه مجدداً. ونحن نرى بأن التطورات الحالية في السوق تعتبر بادرة تعكس تغيّراً حقيقياً في المعنويات حيال المعادن الثمينة ومدى موثوقيتها كخيارات استثمارية بديلة. واليوم غدت كافة محرّكات المشهد الاقتصادي الكلّي معروفة جيّداً بعد التغيّرات الجذرية التي طرأت على منظور أسعار الفائدة الأمريكية والهبوط الذي شهده قطاع النفط والأسهم على المستوى العالمي، مما حفز الطلب على الذهب مجدداً. علماً أن الكثير من المستثمرين كانوا قد تعرّضوا لضربات موجعة خلال المراحل النهائية من الصعود إلى 1,920 دولار للأونصة خلال سبتمبر 2011، ولكن تغيّر المنظور على مدى الأسابيع السبعة الماضية أقنعهم بالعودة، بغض النظر عمّا إذا كانت دوافعهم متعلّقة بالمشهد الكلي أم بالتفاصيل التقنية.
وجاء الطلب على الذهب قوياً لدرجة أن حصص المتداولين في هذا المعدن ارتفعت خلال الأسابيع السبعة الماضية بمقدار يعادل ما تم الخروج منه خلال 2015، وبالتالي أخذ هذا المعدن الثمين خلال فبراير يشق طريقه نحو أكبر زيادة في الأرباح على نحو غير مسبوق منذ 7 أعوام. وفي حين دخل مدراء الأموال العام الجاري بمواقع قصيرة الأمد غير مسبوقة، غير أن سعيهم لإعادة بناء مواقعهم الطويلة كان عاملاً هاماً أيضاً، فقد راكموا خلال الأسبوع المنتهي بتاريخ 16 فبراير مواقع طويلة الأمد تعادل 13.5 مليون أونصة، وتفصلهم الآن نسبة 15% عن القمة التي تم تسجيلها في أكتوبر الماضي، و30% عن قمة يناير 2015.
بناء على ما سبق نرى بأن الذهب قد دخل دورة التعافي بعد بلوغه مستوىً استبعدت الأغلبية إمكانية الوصول إليه، وبالتالي فقد يكون من المطلوب حالياً إجراء بعض التوحيد والاختبار الإضافي للدعم قبل مواصلة الارتفاع. ويكمن الدعم الرئيسي الآن بين 1,190 و1,170 دولار للأونصة، وعلى المتداولين أن يركزوا على قمة 2015 الواقعة مباشرة فوق 1,300 دولار للأونصة (التي هي بطبيعة الحال أعلى من القمة الأخيرة عند 1,263 دولار للأونصة).
وسيكون كل من الدولار والأسهم والنفط العوامل الأهم بالنسبة للذهب على مدى الأسابيع القليلة المقبلة، لاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تقلّبات النفط المرتبطة بالملكيات العالمية. وننوّه إلى أن متداولي الخيارات يميلون إلى الطلب أكثر من العرض، وذلك بهامش هو الأكبر منذ أكتوبر 2009 عندما كان الذهب في طريقه نحو القمّة. وبما أن هذا التوجّه الإيجابي لن يتلاشى بين ليلة وضحاها، فإننا نفضّل الشراء عند القيعان بدلاً من انتظار ظهور قمم قصيرة المدى.
توحيد النفط على ضوء تباطؤ الإنتاج الأمريكي
يواصل النفط الخام توحيده، وقد ارتفع خام برنت كنتيجة للتعافي قصير المدى الناجم عن عدم كفاية حركة بيع الفائض، وذلك قبل انتهاء صلاحية العقود الآجلة في أبريل القادم. ويسهم هذا الواقع في خفض الحسومات على العقود الآجلة بين أبريل ومايو إلى ما دون 0.30 دولار، مع رفع علاوات خام برنت لخام غربي تكساس إلى 2.5 دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى يتم تسجيله منذ ديسمبر الماضي.
ويصبّ مدراء الأموال – الذين يراهنون على تعافي أسعار النفط- تركيزهم بشكل متزايد على خام برنت، مما أدّى لارتفاع المواقع الطويلة الخالصة إلى مستوى شبه قياسي عند 285,000 حصّة. وفي هذه الأثناء يواجه خام غربي تكساس أعلى مستويات مخزونه منذ 1930، مع توقعات باستمرار هذا الارتفاع لمدة شهر آخر على الأقل، مما جعل عقود خام غربي تكساس الأكثر شعبية بالنسبة للبائعين.
يحتفظ مدراء الأموال بمواقع طويلة الأمد شبه قياسية في خام برنت (النقاط الزرقاء)، وهي عبارة عن تركيبة من المواقع الطويلة القياسية والمواقع القصيرة نسبياً. فيما يركّز أصحاب النظرة السلبية على خام غربي تكساس الذي تقارب المواقع القصيرة فيه (الخط الأحمر) معدلات قياسية، لتبقى المواقع الطويلة مقتصرة على 97,000 حصّة فقط: وكان من شأن تقرير الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي (الذي جاء أقوى من المتوقع يوم الجمعة الماضي) أن ساعد كلاً من خام برنت وخام غربي تكساس في الصعود إلى مقاومتيهما الرئيسيتين عند 34.80 دولار للبرميل و36.75 دولار على التوالي. وفي حال حدوث أي كسر فوق هاتين المقاومتين، سيصل السعر إلى 40 دولار للبرميل ليعيد النفط إلى دائرة الضوء.
وبما أنه من المستبعد أن يتم حلّ مشكلة فائض المعروض العالمي قبل 2017، فإنّ أي ارتفاع عند هذه المرحلة لن يكون مدعوماً بأسس قوية، ولكن بالتركيز جيداً على التداولات النفطية طويلة وقصيرة المدى، فإن أي كسر خارج النطاق الراهن سيؤدي إلى ردّة فعل مع صعود محتمل. وقد يكون الكسر الذي شهده خام برنت يوم الجمعة الماضي فوق 36.75 دولار بمثابة بادرة تنبئ بحدوث امتداد إلى 40 دولار: