كتب يورغو البيطار
“سلمية سلمية”… “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”.. “يا الله ما لنا غيرك يا الله”… “الشعب يريد اعدام الرئيس”… هل تذكرون شعارات تلك التظاهرات الحاشدة التي ملأت طول سوريا وعرضها إبان استهلال الثورة اليتيمة؟ تلك الثورة التي تكالب كل من في الارض لسحقها بدءا طبعا بنظام دموي نكل وقتل وذبح وصفى واقتلع حناجر من تجرأ على تلطيخ قبضته النتنة. تلك الثورة التي اراد ذاك الخط الدموي المسمى ممانعة الا تسمى حتى ثورة فاجتهدت ابواقه الكثيرة والمأجورة فمارست شتى انواع التشويه فمنذ البدايات لم يتسنّ للكثيرين حتى معرفة حجم التظاهرات الضخمة التي اجتاحت سوريا بدءاً من درعا، مهد الثورة، وحمص، عاصمة الثوار وصولا الى غضب الدمشقيين وانتفاضة الحلبيين وتظاهرات ادلب وحماه المليونية وغيرها وغيرها… تلك الثورة التي ووجهت منذ اولى اللحظات بالرصاص الحي والتعذيب الوحشي والحل الدموي المستمر منذ 5 سنوات تماماً…
تلك الثورة التي استجلب اعتى واكثر انواع الارهاب وحشية لمحاربتها فشهدنا انطلاقة “داعش” التي مهّد بكل وضوح لها النظام فأفلت من سجونه اخطر المطلوبين واحتفظ في زنازينه الكثيرة مئات آلاف الاحرار والمعتقلين السياسيين وكم من بينهم اطفال ونساء وشيوخ و… لبنانيين حتى منذ عشرات السنوات. تلك الثورة التي ما خجل النظام من استقدام مقاتلين من اصقاع الارض لمحاربة شعبه فشارك الايراني والعراقي والافغاني والباكستاني دون ان ننسى طبعاً ارتال “حزب الله” التي بدأت من القتال في القرى الحدودية الى اقاصي حلب! ولما فشل كل ذلك في قتل جذوة الثورة جاء العدوان الروسي ليكمل المأساة في ظل اختلاط حابل الثورة بنابل الارهاب بتخطيط دنيء من النظام والعالم وتواطؤ مفضوح بلعبة تبادل المناطق والسيطرة بين ميليشيات بشار و”حزب الله” وارهابيي “داعش”…
ولما كنا ظننا ان تلك المشاهد التي زينتها اعلام الثورة الخضراء والبيضاء طارت مع هدير طائرات تقصف الاخضر واليابس وتلاشت مع براميل قتلت آمال الملايين وتناثرت مع انفاس صغيرة خنقها “كيميائي” حقير، فاجأ السوريون العالم بتظاهرات بثت الروح في جسد مترنح جريح مليء بالندوب التي ما زالت تنزف دماً. هؤلاء استغلوا مجرد هدنة ربما شكلية حتى ليخرجوا مجدداً الى الشوارع في مناطق سورية عدة صارخين باعلى اصواتهم ان “الثورة مستمرة” معلنين ان “ابواب الثورة السلمية تفتح من جديد”… و”حتى لو آخر مرة منطلع سلمية”.. و”امام هذا الشعب ليس امامك الا الرحيل يا بشار”.. و”ستعجزكم حناجرنا”.. والكثير الكثير..
عادت فجأة الحان ابراهيم القاشوش وروح حمزة الخطيب الثائرة وعنفوان بائع البسكويت الذي لن يموت وجرأة رزان زيتونة ومئات الاف الضحايا والجرحى وملايين المهجرين في أكبر مأساة معاصرة على الاطلاق. عادت تلك الروح لتؤكد ان مهما طال الزمن لن يموت حق وراءه مطالب.
ومن بلد الارز، الوطن الذي ما رضي بظلم ذاك النظام الوحشي الذي فتك بنا كما قتل شعبه واذاقه الويلات لتجرؤه على قول “لا” لاستمرار البطش والظلم، نرسل تحية للارادة والايمان والقوة ومحاربة العالم بكامله… فسوريا لم تعد بلدا فيه ثورة تحولت لنار تحرق في كل مكان، اصبح ثوارها رمزا انسانيا خالصا سيزهر حتما “حرية للابد غصب عنك يا اسد”…