أثار إعلان صندوق النقد الدولي، أنه بصدد التوصل لاتفاق يمنح بمقتضاه قرضا جديدا لتونس بقيمة 2.8 مليار دولار، قلقا في أوساط خبراء الاقتصاد مما سيطلبه الصندوق مقابل القرض الجديد، الذي يشير ارتفاع قيمته عن القروض السابقة إلى مدى المأزق المالي الذي تعانية البلاد.
وبحسب بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت تونس خلال الأيام الماضية، فإن الصندوق سيستكمل خلال الأسابيع المقبلة تفاصيل اتفاق القرض الذي يمتد لأربع سنوات ويخصص لدعم إصلاحات اقتصادية.
ومن المنتظر أن يعلن مجلس إدارة الصندوق في اجتماعه المقرر يومي 22 و23 أبريل/ نيسان القادم عن القرار النهائي بشأن القرض الذي طالبت به الحكومة التونسية.
وقال محافظ المصرف المركزي التونسي، الشاذلي العياري، في تصريحات صحافية يوم الخميس، إن وفد صندوق النقد اطلع على احتياجات الاقتصاد التونسي ونقاط ضعفه وقوته.
ويعد القرض الجديد الذي تتطلع الحكومة التونسية للحصول عليه، الأكبر في تاريخ تعامل تونس مع صندوق النقد، ويفوق توقعات الخبراء بشأن الاقتراض من هذه المؤسسة الدولية التي تفرض شروطا تتعلق في الغالب ببرامج تقشفية وضغط الإنفاق الحكومي.
وسبق أن وقعت تونس اتفاقا عام 2012، للحصول على قرض من صندوق النقد، بقيمة 1.7 مليار دولار، جرى تقديمه في شكل دفعات، بينما شهد ذلك القرض عدة تعقيدات، بسبب مطالبة الصندوق لتونس، بتنفيذ مزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
وقال مراد الحطاب، الخبير الاقتصادي والمختص في المخاطر المالية، إن زيادة قيمة القرض الجديد إلى نحو 2.8 مليار دولار، دليل على أن الحكومة التونسية وصلت إلى مرحلة التعثر التام، ولم يعد لديها أي هامش تحرك سوى الاقتراض من جديد من صندوق النقد الدولي.
وأضاف الحطاب في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “ضخامة المبلغ ستضع الحكومة التونسية بين مطرقة سداد خدمة الدين ومطرقة شروط الصندوق”. وتابع: “القرض سيكون مصاحبا ببروتوكولات واتفاقيات تفرض على تونس الالتزام بمنوال التنمية الذي سيحدده الصندوق، حيث ستكون التعديلات الاقتصادية والاجتماعية الهيكلية قادمة لا محالة”.
وكان ممثل صندوق النقد الدولي في تونس، روبرت بلوتيفوغل، طالب السلطات التونسية مؤخرا بإعادة النظر في برنامجها التنموي، موضحا في حوار مع وكالة ” فرانس برس”، أن المؤشرات الأولى لا تنبئ بحصول انتعاش كبير” في قطاع السياحة الذي يشكل أحد أعمدة الاقتصاد التونسي.
وأشار بلوتيفوغل إلى أن نسبة النمو الاقتصادي المتوقعة في 2016 “لا تستجيب لتطلعات الشعب التونسي وليست قوية بما يكفي لإحداث فرص عمل للحد من البطالة” .
وشهدت تونس خلال العام الماضي 2015، صعوبات اقتصادية، قادتها صناعة السياحة في البلاد، التي تعرضت إلى تراجع كبير، نتيجة للهجمات الإرهابية ضد مرافق سياحية هامة.
وأعلن المعهد التونسي للإحصاء (حكومي)، في وقت سابق من فبراير/شباط الجاري، أن نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بلغ 0.8% خلال 2015، مقارنة مع 2.3% في العام 2014، ويعود ذلك إلى تراجع غالبية القطاعات الاقتصادية.
ووفقاً لمعطيات حديثة للمعهد التونسي، فإن نسبة البطالة في البلاد، ارتفعت إلى 15.4% في الربع الأخير من العام الماضي، مقارنة مع 15.3% مسجلة في الربع الثالث.
ويحتاج الاقتصاد التونسي إلى برنامج إنقاذ بكلفة 25 مليار دولار، على مدى خمس سنوات، يخصص لتطوير البنية التحتية ودعم السلم الاجتماعي وتقوية الأمن وسد العجز في الميزانية، في حين ترتفع احتياجات الحكومة من التمويل الأجنبي في 2016 وحده إلى 3.6 مليارات دينار (1.5 مليار دولار).
كان المصرف المركزي التونسي، قد حذر في وقت سابق من تواصل تدهور الأوضاع الاقتصادية في ظل التراجع الحاد في إنتاج القطاعات الحيوية، ومنها قطاع الفوسفات وانهيار قطاع السياحة وقطاع الصناعات، معتبرا أن البلاد ستتجه نحو “مرحلة الإفلاس” في حال تواصل الأمر على ما هو عليه. وعزا المركزي تراجع النمو إلى هبوط الاستثمار وتأثير الاضطرابات الأمنية والاجتماعية على الوضع الاقتصادي.
ودعت المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد، إلى إجراء إصلاحات هيكلية وحثت السلطات على خفض الدعم والضغط على الإنفاق الحكومي.
لكن فتحي النوري، الخبير الاقتصادي، اعتبر فى تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء “وات”، أن الوضع الاجتماعي في تونس يعد “نقطة الضعف” بسبب الضغوط المتواصلة على الحكومة بفعل الاعتصامات.