ميليسا لوكية
ليست الصرخة التي أطلقها الرئيس تمام سلام حيال إمكان تطيير الحكومة إذا لم يتم التوصل إلى حل للنفايات، غير دليل على أنَّ هذه الأزمة باتت فضيحة وطنية بإمتياز، عكست ضعف السلطة التنفيذية في معالجة أبسط الأمور. وإذا كان اللبنانيون على قاب قوسين من تشكيلة واسعة من الأمراض، فإنَّ اقتصاد بلادهم دفع هو أيضاً الثمن غالياً نتيجة المراوحة والتأجيل ثم التعثر، علماً أنَّ السياحة تصدّرت لائحة القطاعات الأكثر تأثراً ومعاناةً.
سبق أن نشرت “النهار” في عددها الصادر قبل يومين التبعات الصحيّة لمصيبة النفايات وآثارها السلبية على المياه الجوفية التي تميّز لبنان، فتبيّن أنَّ نسب الإصابة بالسرطان والحساسية زادت، فضلاً عن أنَّ الأمطار عزّزت قدرة البكتيريا والفطريات على التكاثر، وسرّعت انتقالها بسهولة إلى الناس والمأكولات والمياه.
لكن من ينظر الى أبعد من ذلك يلاحظ أنَّ القمامة شكّلت ضربة قاضية للسياحة وألقت بظلالها الرمادية على مختلف القطاعات الأخرى، وإن بنسب متفاوتة، إذ يؤكّد الخبير الإقتصادي لويس حبيقة لـ”النهار” أنَّ البلد “المزبّل” لن يستقطب السيّاح، وسيُثني تالياً المواطنين المحلّيين عن قصد المطاعم وتناول الطعام في أماكن تطوّقها النفايات، مضيفاً أنَّ هذه المسألة تؤثر أيضاً على إنتاجية المواطن الذي يمكن أن يدفع الثمن عبر صحته، بما يمكن أن ينعكس على القطاع الصناعي بطريقة غير مباشرة.
ويبدو أنَّ القطاع الزراعي المتراجع أصلاً لن ينجو من سموم هذه الكارثة البيئيّة، إذ يرى حبيقة أنَّ الزراعات تتطلّب هواء نظيفاً يعزّزه، مقدّراً أنَّ الخسائر التي تسبّبت بها تصل إلى ملايين الدولارات يومياً. وهنا، يتوقع أن لا يحقّق الإقتصاد هذه السنة أي نمو.
وقد تأثرت ثقة المستهلكين بالحكومة التي عجزت عن حل الموضوع، برأيه، فضلاً عن أنَّ التلال التي تزيّن الشوارع دفعت بالكثير إلى التفكير بالهجرة والخروج من البلاد نتيجة الأجواء السلبية المهيمنة، والتي لا تقتصر على المخاوف السياسية والأمنية فحسب، بل زادت مع بدء الأزمة.
من جهته، يرى رئيس الجمعية اللبنانية لتراخيص الإمتياز شارل عربيد أنَّ أكثر ما يهم الإقتصاد هو صورة البلد، مشيراً إلى أنَّ أزمة النفايات أثّرت كثيراً على لبنان الذي يسعى باستمرار إلى تصدير سلعه وخدماته وامتيازاته إلى الخارج، “في حين أنَّ النفايات لا تخدم أبداً بلد هذه الخدمات”. وتتجلّى الانعكاسات في الحركة التجارية في الأسواق، في ظل الانكماش المهيمن عليها أساساً، وفق عربيد الذي يسأل عن المكانة التي تحتلّها الهموم الإقتصادية في العقل السياسي “الذي لا يملك حتى الرغبة في تحسين ظروف العمل في لبنان والعلاقات التجارية بينه وبين الدول الأخرى. وإذا كان جزء كبير من المدن محاط بالنفايات، فـكيف يمكن أن تكون شهية المستهلك حيال التسوق معزّزة؟”.
ورغم كلّ الجهود التي يبذلها القيّمون على القطاع السياحي لإعادة السيّاح إلى لبنان، جاءت أزمة النفايات لتزيد الطين بلّة، خصوصاً أنَّ الزبائن باتوا يسألون عما إذا كانت أكوام النفايات قريبة إلى الفنادق التي يعتزمون حجز غرف فيها، وفق عضو لجنة الأمناء في نقابة الفنادق نزار ألوف.
ويؤكّد لـ”النهار” أنَّ ما يثير هذه التساؤلات في ذهن السيّاح هو انتشار صور النفايات في أوروبا والعالم العربي، ما منع الذين كانوا يقصدون البلاد للسياحة الطبية من القدوم إلى لبنان، خوفاً على تدهور صحتهم أكثر. وفي وقت كان فيه لبنان يعوّل على سياحة رجال الأعمال، تحوّلت آفاق هذه الحركة سوداء هي أيضاً، وفق ألوف الذي يلفت إلى أنَّ نسبة الحجوزات في فنادق بيروت حالياً 25-30%، في مقابل 40-60% في بعض فنادق الحمرا ذات النجوم الثلاث أو أقل، والتي تضم بعض الميسورين من الدول المجاورة.
وقد أظهرت الدراسة التي أجرتها شركة الاستشارات والتدقيق “إرنست آند يونغ” عن القطاع الفندقي في منطقة الشرق الأوسط، أنَّ نسبة إشغال الفنادق في بيروت بلغت 53 % في كانون الثاني 2016، مسجّلة بذلك إرتفاعاً عن الـ50% التي بلغتها في كانون الثاني 2015، وذلك مقارنةً بنسبة 61% في 12 سوقاً عربية.
وسجّلت بيروت نسبة الإشغال الثالثة الأدنى في المنطقة في كانون الثاني 2016، بعدما سجّلت النسبة الخامسة الأدنى في الشهر نفسه من العام 2015. وبيّن التقرير أنَّ معدل سعر الليلة في فنادق بيروت بلغ 147 دولاراً في كانون الثاني 2016، ما يضعها في المرتبة الثالثة حيال الفنادق الأقل غلاءً في المنطقة. وتراجع معدّل سعر غرفة الفنادق في بيروت بنسبة 19% عن كانون الثاني 2015، ليمثل بذلك أكبر نسبة تراجع بين كل أسواق المنطقة. وقد أتى معدّل سعر الغرفة في بيروت أدنى من المعدّل الإقليمي الذي بلغ 201 دولار، والذي تراجع بنسبة مقدارها 2,8% عن كانون الثاني 2015.