إعتبر الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أنّ القرارات العربية بحق “حزب الله” تعسفية، علماً أنّ المقاومة مصدر كرامة للعرب، مشدّداً على أنّ المقاومة لا تحتاج إلى السلاح من الأنظمة العربية، بل إنّما تريد أن تتركها وشأنها.
نصرالله، وفي كلمة متلفزة في ذكرى مرور أسبوع على مقتل القيادي في “حزب الله” علي فياض، قال: فياض من قادة المقاومة، شارك في عمليات عدة للمقاومة من بينها عمليات أسر جنود إسرائيليين، وكان له دور كبير في بناء القوة الخاصة في المقاومة الاسلامية، وكان يعبر عن جيل من الشباب اللبناني الذي آمن بخيار المقاومة.
وأضاف: لو انتظرنا استراتيجية عربية موحدة لكانت اسرائيل الان في مناطق الجنوب وتحكم لبنان. وهل من نظام عربي باستثناء سوريا يجرؤ على إعطاء السلاح أو المال للمقاومة؟. إنّ الذي يحمي هذا البلد هو جيشه وشعبه ومقاومته، وما يمنع إسرائيل من الاعتداء على لبنان هو المقاومة، وكل ما هو غير ذلك وهم وسراب. كذلك من يتوقع من جامعة الدول العربية أو الإجماع العربي حماية لبنان من العدو فهو يراهن على سراب.
وعن قضية البوسنة، قال: في بداية التسعينات من القرن الماضي، تذكرون أن يوغسلافيا تفككت، وصار هناك دولة أسمها صربيا وثم إنفصل عنها الجبل الأسود، وهناك دولة اسمها كرواتيا، ودولة اسمها البوسنة والهرسك، وصار هناك قتال وحرب شرسة جدا وقاسية جدا في البوسنة والهرسك. المسلمون في البوسنة والهرسك كانوا مستضعفين، وارتكبت بحقهم من قبل الصرب أو القوات الصربية البوسنية مجازر هائلة، حتى الآن البعض يقوم بالتفتيش في المقابر الجماعية عن المفقودين، دمرت مدن وقرى، واغتصبت نساء وأعراض، يومها كانت فاجعة يهتز لها العالم كله.
وأضاف: “في لبنان كان هناك من يتفاعل مع قضية البوسنة، وكان هناك رأيان:
رأي تبنته جماعات تحمل الفكر الذي تصدره السعودية إلى العالم منذ مئة سنة، “شو طلع معها” من أجل نصرة المسلمين المظلومين في البوسنة؟ قالوا: يجب أن نحمل مسيحيي لبنان المسؤولية ويجب أن ننتقم ونضغط ونعتدي أو نهاجم مسيحيي لبنان، خصوصا الأرثوذكس” لأن هذا يخفف الضغط ويدعم المسلمين المظلومين في البوسنة.
وبالفعل هذه المجموعة هي مجموعة صغيرة متطرفة بالتأكيد، هذا الفكر لا يعبر على الإطلاق عن أهل السنة والجماعة، أعود وأؤكد وأعيد وأعيد وأعيد، هو يكفر أهل السنة والجماعةـ ماذا فعلت؟ تذكرون آنذك، زرعوا عبوات تحت بعض الجسور في بعض الأماكن، استهدفوا مواكب لرجال دين مسيحيين اورثوذكس، اعتدي على كنائس مسيحية، على مقابر مسيحية. لكن تمت معالجة الموضوع من قبل الدولة والجو اللبناني الذي أجمع على إدانة هذا السلوك.
وكان هناك وجهة نظر أخرى تقول: ما دخل مسيحيي لبنان لنحملهم مسؤولية البوسنة والهرسك؟ هناك في صربيا والبوسنة ناس يعتدون ويقاتلون ويرتكبون مجازر، صودف أنهم مسيحيون كما يمكن بالحقيقة أن يفعل الأمر ذاته المسلمون، وهناك ناس مضطهدون ومظلومون، من يريد أن يساعد فليتفضل ويذهب ليساعد هناك، يرسل لهم المال والإمكانا،ت يذهب إليهم، يدربهم، يساعدهم، ينقل لهم التجربة، يقاتل معهم، يدافع عنهم.
هاتان كانتا وجهتي النظر. “حزب الله” كان مع وجهة النظر الثانية. وبالفعل، رغم أننا كنا حركة فتية، كادرنا محدود، قيادتنا محدودة، إمكانياتنا محدودة. ولكن حقيقة هنا يأتي السؤال الكبير: الحاج علاء ومجموعة كبيرة من إخوانه وفي نفس عمره كانوا يتركون البلد، يغادرون لبنان، عندنا جبهة وأرض محتلة، نتحدث بالتسعينيات، إسرائيل كانت لا تزال بالحزام الأمني، يغادرون لبنان إلى البوسنة، إلى أرض لا نعرف عنها شيئا وإلى الثلج بالشتاء، ولا نعرف اللغة ولا أي شيء. لماذا؟ ما هو السبب؟
وبالحقيقة، بالعمق بالعمق، السبب إنساني، السبب أخلاقي، ضميرنا. نحن لن نقلب الميمنة على الميسرة في البوسنة إذا ذهب الحاج علاء وإخوانه إلى البوسنة، لكن بيننا وبين الله، بيننا وبين أنفسنا، عندما نجلس مع ضمائرنا، ونختلي مع أنفسنا نشعر بأننا نقوم بما نستطيع، هذا ما كنا نستطيع، أن نرسل قادة وكوادر ومقاتلين إلى البوسنة. بهذا القدر، لم نكن قادرين على أن نرسل جيشا ولا آلاف المقاتلين ولا سلاحا ولا شيء. طبعا كنا على تواصل مع الحكومة البوسنية في ذلك الوقت والرئيس علي عزت بيغوفيتش، المرحوم الراحل، وبالتعاون مع قوى أخرى”.
واستطرد: “هذه قصة البوسنة وعلاء البوسنة وسقط لنا هناك أيضا شهيد، الشهيد رمزي مهدي، والإخوة أمضوا فترة طويلة هناك ونقلوا التجربة وفتحوا معسكرات تدريب وشاركوا في خطط العمليات وقاتلوا إلى جانب البوسنيين”، سائلا “هذا تعتبرونه إرهابا؟ نحن لسنا ذاهبين لنفرض قرارا على الناس في البوسنة، لسنا ذاهبين للتدخل بالقرار السياسي ولا بالنظام ولا بالدستور ولا بالحوار الوطني ولا شيء. هناك ناس يذبحون يوميا، نحن ذاهبون لنساعدهم حتى يستطيعوا الدفاع على أنفسهم. تعالوا لنناقش هذا الموضوع بالإنسانية وبالأخلاق وبالدين والشرع والقانون، إذا كان هذا إرهابا “ماشي الحال”.
وتابع نصرالله: نقول للأنظمة العربية إنّنا لا نريد من الانظمة العربية شيئاً، وما نريده فقط أن يتركوا المقاومة وشأنها. إنّ إسرائيل تهين العرب كل يوم من خلال احتلال أرضهم وانتهاك مقدساتهم والاعتداء على الفلسطينيين، لافتاً إلى أنّ بعض الأنظمة العربية في مقدمهم النظام السعودي تآمر على المقاومة وحركات النضال ضد الاحتلال الاسرائيلي، وعروش بعض الأنظمة تعلم أنّها لا تستمر إلا بحماية إسرائيل والحفاظ عليها.
وأردف: ما يحصل معنا اليوم هو تواصل للاستراتجية القديمة. فالمقاومة في لبنان التي تصفونها بالإرهاب هي التي استعادت بعض الكرامة العربية، ومشاركتنا في حرب البوسنة كان للدفاع عن المسلمين “من أهل السنّة والجماعة” وحماية وطننا من الفتنة، لافتاً إلى أنّ ما لحق بأهل السنّة في العراق من “داعش” كان أخطر وأكبر مما لحق بأهل الشيعة هناك.
وأعلن نصرالله أنّ “حزب الله” أرسل مجموعة كبيرة من قيادييه إلى العراق للقتال ضد تنظيم “داعش” تحت قيادة “الحشد الشعبي”، وقال: ما زالت لدينا في العراق مجموعة من قياديينا لقتال “داعش”. في العراق قاتلنا تحت قيادة عراقية ولم نتدخل في الشؤون الداخلية العراقية كما تفعل السعودية في أكثر من بلد عربي، متوجهاً للأنظمة العربية بالقول: لولا “الحشد الشعبي” في العراق لكانت “داعش” الآن في قصوركم وبيوتكم تسبي نساءكم!
وأضاف: نحن نقاتل تنظيم “داعش” الذي أجمع العالم على أنّه ارهابي، فكيف نكون ارهابيين؟ من يغير المعادلة الميدانية في العراق فعلياً هم العراقيون أنفسهم من بينهم “الحشد الشعبي”، ولو قاتلنا تحت قيادة أميركية لما كانت الأنظمة العربية وصفتنا بالإرهابيين. وكيف يمكن أن يقوم “تحالف إسلامي” شكلته السعودية بالقتال تحت قيادة أميركية؟، معتبراً أنّ الشهامة العربية هي ان يذهب كل عربي إلى العراق للدفاع عن جميع العراقيين بكل مكوناتهم ومذاهبهم.
وأوضح نصرالله أنّ مشاركتنا بالقتال في سوريا هي الحد الأدنى من الواجب ومبنية على دراسة عميقة، لافتاً إلى أنّ أحداً لم يأمرنا للقتال في سوريا ولا حتى ايران او المرشد الاعلى السيد علي خامنئي، ونحن شاركنا لأنّنا ندرك حقيقية الامر والوقائع في الحرب الدائرة فيها.
وقال: أتفهم غضب السعودية، لأنّه عندما يفشل أحدهم فأقل شيء هو أن يغضب، وهذه نتيجة طبيعية. أحد الأمراء السعوديين كان يدير من عمّان عمليات المسلحين في سوريا سعياً لتحقيق أهدافهم، لكنّهم فشلوا. كما فشلت السعودية أيضاً في تحقيق أهدافها في اليمن من خلال “عاصفة الحزم” وهي منعت الحل السياسي، مشيراً إلى أنّ السعودية تدفع أثماناً باهظة نتيجة حربها في اليمن وتسمح لمنظمات إرهابية بالسيطرة على مناطق جنوب البلاد، كذلك فإنّ السعودية فشلت في البحرين بسبب عجزها عن وقف الحراك السلمي هناك.
وشدّد نصرالله على أنّ السعودية ستفشل في حربها على اليمن، ولا يمكن إلا أن ينتصر الشعب اليمني، لافتاً الى أنّ السعودية خاب أملها وسقط رهانها في سوريا واليمن حيث لغاية الآن لم تستطع الحسم من خلال “عاصفة الحزم”، وأضاف: لو سيطرت “القاعدة” ومثيلاتها على سوريا، فماذا كان سيكون مصير لبنان ومعتدليه؟ من يواجه السعودية في سوريا هو المدافع الحقيقي عن المصالح الوطنية اللبنانية، وكلام وزير الخارجية السعودية بشأن المخاوف من وصول الهبة إلى “حزب الله” حجج واهية.
وتابع: توصيف المقاومة في مجلس وزراء الداخلية العرب جاء على شكل “تهريبة”، والحضور الأكبر في ردود الفعل الرافضة كان لتونس. إنّ تفاعل التونسيين مع المقاومة ممتاز وكبير ونخصّهم بالشكر لأنّهم عبروا عن حقيقة أمتنا، كما نشكر كل من تضامن معنا ودافع عنا ورفض القرار الخليجي، وما حصل يؤشر الى مكانة المقاومة لدى الشعوب العربية، مشيراً إلى أنّ السعودية قد لا تسامح الذين رفضوا قرارها بتصنيف “حزب الله” ارهابياً.
وإعتبر نصرالله أنّ أهمية الردود الشعبية الرافضة للقرار الخليجي رسالة قوية لإسرائيل، مضيفاً: رسالة الشعوب العربية لإسرائيل هي أنّه “لا يمكن أن يأتي يوم يصبح فيه وجودكم طبيعياً بل أنتم أعداء”، وستكتشف السعودية إذا كان لديها عقل يفكر أنّها تقود معركة خاسرة، وختم: سنحفظ بلدنا من الأخطار ونحميه منها وسنبقى سداً منيعاً أمام تهديدات اسرائيل، وسنبقى في الميادين حيثما يجب أن نكون مهما تعاظمت الافتراءات والتضحيات.