كتبت رولا حداد
حان وقت إعلان لبنان “دولة فاشلة” بكل المعايير. لا بل حان الوقت ربما ليتحمّل مجلس الأمن الدولي مسؤولياته بإعادة فرض “انتداب” ما على لبنان لإعادة تأهيل دستوره وقوانينه ومؤسساته وسياسييه… وربما شعبه أيضاً!
لم يعد لبنان واللبنانيون قادرين على الانتظار. وها إن “لبنان الأخضر” يغرق في نفاياته إلى درجة أنه تحوّل الى “مكبّاً عشوائياً” للنفايات، وسياسيوه ومسؤولوه يتفرّجون ويتقاذفون الاتهامات، وحكومته تنتظر أن “يهبط الفرج” من دون أن تقدم على اتخاذ أي قرار، وإن فعلت فبخلفية تقاسم جبنة ليس أكثر.
أما النفايات السياسية فحدّث ولا حرج، والنتيجة أن البلد بات قاب قوسين أو أدنى من الدخول في حرب أهلية ومذهبية لن ترحم أحداً.
سقطت كل احتمالات التغيير من الداخل. الشعب اللبناني بات شعوباً. كل شعب منه يلتفّ حول طائفته أو مذهبه، حول عشيرته أو زعميه، مهما كانت الارتكابات وأيا تكن الأخطاء.
بعد شهرين يدخل الفراغ الرئاسي سنته الثالثة، ويكمل السياسيون أيامهم بطريقة طبيعية من دون أن يرفّ لهم جفن، ويعلنون عجزهم تحت شعار “ليس باليد حيلة”.
مجلس النواب تمّ التمديد له مرتين، وقد يتم التمديد له مجدداً 10 مرات، من دون أي عذر لمجلس تعهّد بإقرار قانون جديد للانتخابات بعد انتخابات الـ2009 ولم يفعل شيئاً حتى اليوم. حتى هذا المجلس الممدد له يخالف الدستور، ليس فقط بالتمديد له بل أيضاً بعدم التئامه بجلسات مستمرة ومفتوحة حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهذا المجلس لا يلتئم أساساً إلا للتمديد لنفسه، مع استثناء بجلسة يتيمة تحت وطأة انهيار الوضع المالي والمصرفي.
أما الحكومة فباتت تشبه “صندوق الفرجة” بتناقضاته ورئيسها الذي يتنصّل من تحمّل مسؤولياته، ويلقي باللوم على الأطراف السياسية، فيلغي بممارساته ولامسؤوليته صلاحيات رئاسة الحكومة ويحوّل المنصب الى ما يشبه منصب ملك الدانمارك أو ملكة إنكلترا!
عسكرياً وأمنياً تجهد المؤسسات لحفظ الأمن وتطبيق القانون في مناطق محددة، في حين تعجز بالكامل عن ذلك في مناطق سيطرة “حزب الله”، وفي كل الملفات والقضايا التي تعني هذا الحزب الذي أصبح أقوى من الدولة عسكرياً وأمنياً ويفرض على لبنان ومؤسساته السياسات التي يريدها داخلياً وخارجياً. هكذا خسر لبنان ويخسر كل أصدقائه العرب والغربيين وبات تحت وصاية “حزب إيران”.
ولن ننسى الفساد الذي نخر جسد لبنان حتى العظام وعلى كل المستويات، وصولاً الى التراشق باتهامات الفساد داخل المؤسسات الرقابية، والتي يُفترض أنها موجودة لمحاسبة الفاسدين. وبات السؤال الأكثر إلحاحاً هو من يحاسب من في وطن سقطت كل مؤسساته وباتت تحكمه شريعة الغاب ومنطق الأقوى؟!
أما الشعب اللبناني فبات إما متفرّجاً عن بُعد بفعل استسلامه ويأسه من أي إمكانية للتغيير، وإما مشاركاً ومتواطئاً في الفساد والمذهبية والحزبية العمياء من دون أي إرادة للتغيير. لا بل إن حلم كل لبناني بات في أن ينال جنسية غربية ما ليفتح له ولأولاده باباً للمستقبل بعدما بات لبنان مقبرة للأحلام!
في اختصار، إن ما كان “دولة لبنانية” خلال العقود الأخيرة سقط بالممارسة العملية، وإن كان في الشكل ينتظر الإعلان الرسمي عن سقوطه. ربّ قائل إن الحرب المذهبية المشتعلة إقليمياً ترخي بظلالها على “وطن الأرز”، وبالتالي لا يجب الحكم عليه بقسوة.والجواب هو: صحيح لو أن ثمة من يقود انتفاضة على هذا الواقع، لكن الحقيقة اليوم هو أن الاستسلام للأمر الواقع يكاد يكون شبه شامل.
لذلك، وحرصاً على فكرة لبنان ووجوده، قد يكون مفيداً في ظل تواطؤ غالبية طبقته السياسية ويأس شعبه، أن نعود الى انتداب دولة أوروبية متحضّرة لإعادة تأهيل دستورنا وقوانيننا وسياسيينا وقضائنا، وضرب الفساد المستشري بيد من حديد، وتدريب شعبنا على ممارسة الديمقراطية الحقيقية والمحاسبة والمساءلة في صناديق الاقتراع، عوض عيش الانفصام في الشخصية بين التنظير المثالي والتطبيق الدرامي. وربما يكون انتداب دولة متحضرة علينا باب خلاص من الوقوع تحت الوصاية والاحتلال الفارسيين بشكل كامل… فيما نحن عاجزون عن إنقاذ أنفسنا من كارثة نفايات!