Site icon IMLebanon

الصين تتخبط إقتصادياً .. وإضطرابات إجتماعية في الأفق

China-plant
جاسم عجاقة
خفّضت وكالة موديز للتصنيف الإئتماني نظرتها المُستقبلية للصين من إيجابي إلى سلبي. هذا التخفيض ما هو إلا إنعكاس لواقع تعيس بدأ يضرب الإقتصاد الصيني ويُنذر بإضطرابات شعبية من المُحتمل أن تظهر في الأشهر المُقبلة.
إنه الإقتصاد الصيني الذي نما ولعقد من الزمن بـ “رقمين”، مما أعطاه لقب معجزة الإقتصادات العالمية. لم يكن أحد ليتوقع أن تعمد وكالات التصنيف الإئتماني إلى تخفيض التصنيف الإئتماني للصين (Fitch) أو خفض النظرة المُستقبلية (Moody’s)، لكن إرتفاع الدين العام للصين، وتراجع الإيرادات المالية كنتيجة لتراجع الطلب العالمي، وضخ العملات الأجنبية في الأسواق للدفاع عن اليوان (تغيرت الأزمنة!) دفع بوكالات التصنيف الى التخوف من الإقتصاد الصيني ومن قدرة الحكومة الصينية على إجراء إصلاحات في الإقتصاد أكثر من ضرورية للإستمرار بنسب نمو تسمح بإمتصاص الدين العام.
منذ العام 2009 والدين العام والخاص في الصين يزداد بنسب مُقلقة من ناحية أن حجمها تخطى حجم النظام المصرفي التقليدي. وبحسب أرقام صندوق النقد الدولي وموقع “ستاتيستا” Statista، إرتفع الدين الإجمالي في الصين من 125% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2008 إلى 198% في العام 2009. ويعود السبب بالدرجة الأولى إلى الحكومات المحلّية التي وبحكم أنها لا تستطيع الإستدانة مباشرة، تعمد إلى إستخدام شركات كواجهة، وذلك بهدف تغطية الإنفاق الإجتماعي والبيئي والذي هو على عاتق الحكومات المحلية. وبحسب تقدير الخبراء، تتراوح حصة الحكومات المحلية بين 20 و 40% من إجمالي الدين مقارنة بحصة الحكومة المركزية والبالغة 15% من مجمل دين الصين.
وهنا تظهر معضلة الإقتصاد الصيني والذي يعاني من طلب داخلي ضئيل نسبة إلى الطلب الخارجي. وتعيش نسبة كبيرة من الشعب الصيني في حال من الفقر نتيجة تدنّي الأجور حيث هناك مئات الملايين من الأشخاص الذين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم. هذا الأمر دفع الإقتصاد الصيني إلى التعلق بالطلب الخارجي وبالتالي فعند ظهور أول مُشكلة في الإقتصاد العالمي وخصوصاً الغربي، تراجع الإقتصاد الصيني ما دفع صندوق النقد الدولي إلى تحذير الصين عدة مرات بالقول أنه يجب على الصين تطوير سوقها الداخلي.
هذا السوق الداخلي تشوبه عيوب كثيرة على رأسها التوزيع غير العادل للثروات في الصين حيث تحتكر قلّة، الأساس من ثروات الصين. أما الحكومة المركزية فهي تمتلك موارد هائلة إن من الثروات الطبيعية الموجودة أو من الإحتياط الهائل من العملات الأجنبية والذهب. ويعمل في القطاع العام في الصين ما يزيد عن 37 مليون شخص يؤمنون نحو 40% من الإنتاج الصناعي للصين، بمعنى آخر 2.76% من الشعب الصيني البالغ 1.34 مليار شخص يُساهمون بـ 40% من الإنتاج الصناعي الصيني وبالتالي فإن مردود القطاع الصيني البالغ 44% من الناتج المحلّي الإجمالي تُنتجه قلّة قليلة ويستفيد منه عدد محدود من الشركات العامة والخاصة.
هذا الأمر دفع الصين إلى خلق شركات عامة وهمية (Zombies) غير منتجة، تستخدم بحدود الـ 6 ملايين شخص. هذه الشركات خلقتها الحكومة بهدف الحصول على السلام الإجتماعي عبر درء مخاطر ثورات إجتماعية. وبحسب معلومات صادرة عن الرئاسة الصينية، فإن هذه الوظائف سيتمّ التخلص منها (أي 6 ملايين وظيفة) إضافة إلى 1.8 مليون وظيفة في قطاع الفحم والحديد. وبحسب المصدر نفسه فإن الحكومة المركزية تنوي إستخدام هؤلاء في أماكن أخرى عبر تأهيلهم بكلفة تفوق الـ 30 مليار دولار أميركي.

لكن المُخيف في الأمر أن هذا الواقع يواكبه رقمان ضخمان جداً: الأول هو حجم الإقتصاد الصيني البالغ 10.36 تريليون دولار، والثاني عدد السكان البالغ 1.34 مليار شخص. ما يعني أن أي إجراء إجتماعي مهما كان صغيراً ستكون له تداعيات كبيرة على المالية العامة والدين العام. وبالتالي جاء التحفيز على الإستيدان كإجراء لتحفيز تطور المُجتمع الصيني، إلا أن المُشكلة تبقى في السياسة الإقتصادية التي تتبعها الحكومة المركزية الصينية والتي تُشكّك وكالة موديز بقدرتها على إحداث تغيير في الإقتصاد الصيني وهيكلية الإستهلاك فيه.
ويظهر من هيكلية الدين الصيني أن الشركات الخاصة غير المالية تحمل مديونية تفوق 125% من الناتج المحلّي الإجمالي أي ضعف دين الشركات الأميركية. ومن المُتوقع أن يرتفع هذا الدين بنسبة 77% في السنين القادمة، ما يعني أن الشركات الصينية تواجه أخطاراً جمّة ناتجة عن تراجع الطلب العالمي ورفع الفائدة في الولايات المُتحدة الأميركية ما جعل رؤوس الأموال الأجنبية تُغيّر مسارها بإتجاه الولايات المُتحدة الأميركية تاركة السوق الصيني بفعل تراجع اليوان وبالتالي عائدات الإستثمارات.
هذا الواقع واجهته الحكومة المركزية بتسهيلات في القروض المصرفية عبر خفض الإحتياطات الإلزامية للمصارف التجارية الصينية. لكن هذا الإجراء باطنه غير سليم بحسب “موديز ” بحكم أن قسماً كبيراً من هذه القروض مشكوك بقدرة أصحابها على سدّها. وبالتالي فإن تصنيف الصين الإئتماني الحالي (AA3 بحسب موديز) سيتمّ تخفيضه بعد شهرين إذا لم تقم الحكومة الصينية بإجرائات لتصحيح وضع السوق الداخلي الصيني عبر إصلاحات هيكلية.
ولمواجهة الكلفة العالية لهذه القروض، قامت الصين، أكبر حامل لسندات الخزينة الأميركية، ببيع قسم من هذه السندات في الأسواق أي ما يوازي 190 مليار دولار. وهذا الأمر سيطرح مُشكلة جديدة للولايات المُتحدة
لكن هذا المبلغ هو ضئيل مقارنة بالمبالغ التي قامت الحكومة الصينية بضخها في السوق منذ العام 2008 (ما يفوق الـ 3 تريليون دولار أميركي). من هنا نرى أن الحكومة الصينية تواجه عدداً من التحديات الأساسية:
• أولاً: إجراء إصلاحات في الإقتصاد الصيني لتطوير بنيته الداخلية وتخفيف التعلق بالسوق العالمي
• ثانياً: محاربة الفساد الذي يُهدد التوزيع العادل للثروات وبالتالي سيؤدي إلى مزيد من الفقر
• ثالثاً: مواجهة موجة البطالة التي ستنتج عن تراجع الإقتصاد والتي من المُتوقع أن تؤدي إلى إضطرابات إجتماعية في العديد من المدن والريف الصيني الداعم الأساسي للنظام الشيوعي الصيني.
• رابعاً: زيادة عمر الصينيين والذي، بسبب سياسة الولد الوحيد، بدأ يطرح مُشكلة نقص الشباب في الماكينة الإنتاجية.
من هذا المُنطلق يحق للقارئ السؤال عن تداعيات فرضية أزمة مالية صينية على الإقتصاد العالمي. هذا الأمر بالطبع ستكون له تداعيات سلبية على النظام المالي العالمي بالدرجة الأولى وعلى الإقتصاد العالمي بالدرجة الثانية كنتيجة حتمية للعولمة التي إستفحل المسؤولون في إستغلالها إلى أقصى حدود.