قال د.محمد العريان كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة “أليانز” إن الوقت قد حان لتقليص الاعتماد المفرط على البنوك المركزية، لكنه يعتقد أن الأوضاع السياسية والاقتصادية في كل من أميركا وأوروبا تُحبط هذا التوجه. وتوقع أن أسعار النفط ستكون أعلى بعد 12 إلى 18 شهرا.
وأشار العريان في مقابلة خاصة مع قناة “العربية” إلى أن سياسات البنوك المركزية أصبحت أقل فاعلية من ذي قبل، مؤكدا أن الاقتصاد الأميركي استطاع التغلب على التباطؤ العالمي واضطرابات الأسواق. وقال: أميركا ستنمو هذا العام بين 2 إلى 2.5%.
واعتبر العريان وهو عضو المجلس الاستشاري للبنك المركزي المصري، ان الإقتصاد الأميركي تمكن من أن يتغلب على تحديين قويين: الأول هو تباطؤ الإقتصاد العالمي لاسيما اقتصادات الدول النامية. أما الثاني فهو انتقال العدوى الى الإقتصاد الأميركي من اضطرابات الأسواق المالية.
وقال إن ما تشير له الأرقام باستمرار هو ان الإقتصاد الأميركي قادر على تحقيق مستويات نمو تتراوح بين 2 الى 2.5% بالرغم من التحديات. وهذه هي الأخبار الجيدة. بطبيعة الحال مستويات النمو تلك لا تشكل “انطلاقة”, فهي غير كافية, لكنها تبقى افضل من مستويات النمو في كل من اوروبا واليابان.
وفي حال استمر هذا الحال، وهذا ما يتوقعه العريان فإن البنك الفدرالي سيقوم برفع نسب الفائدة هذا العام مرتان. فهذا بنكٌ مركزيٌ راغبٌ في اعادة السياسة النقدية الى طبيعتها بوتيرة بطيئة وحذرة. وفي حال استمرينا على هذه الوتيرة فإن الفدرالي مستعد وقادر على رفع نسب الفائدة, ليس بأربع مرات التي توقعها الفدرالي قبل عدة أشهر, ولكن أتوقع رفعها هذا العام مرتين.
سياسات البنوك المركزية
ورأى أن اجتماع مجموعة العشرين كان واضحا جدا. كما أن الإعتماد الزائد على سياسات البنوك المركزية يشكل خطرا, ولقد آن الأوان أن يتم تسليم المسؤولية الى ردٍ متكامل. فالأمر بات واضحا: لا نستطيع الإستمرارا بالإعتماد بهذا الشكل المبالغ به على البنوك المركزية. لكن الأوضاع السياساية في كل من أميركا واوروبا تحبط هذا التوجه. لذا من المتوقع ان يستمر هذا الإعتماد المفرط. حتى أن الصين قامت بعد يومين من استضفاتها لاجتماع مجموعة العشرين واصدر بيانها الختامي, باتخاذ المزيد من المحفزات النقدية عن طريق بنكها المركزي!
وتسائل العريان : هل يتم اليوم استنزاف السياسة النقدية؟ ويتابع قائلا: برأيي انها تصبح أقل فاعلية. والآن نرى مجموعتين من البنوك المركزية حيث أصبحت السياسة النقدية أقل فاعلية. الأولى تتسم بتراجع الرغبة. فالفدرالي غير راغب في الإستمرار بانتهاج سياسات نقدية غير تقليدية. فهو متخوف من الأضرار والآثار الجانبية لهكذا سايسة. أما المجموعة الثانية فيتعلق الأمر بعدم القدرة. والمركزي الياباني خير مثال. فعندما قام مؤخرا بخفض الفائدة الى منطقة السالب, تفاجأ بارتفاع سعر صرف الين بدلا من تراجعه! وبانخفاض أسواق الأسهم بدلا من صعودها! لذا مع تزايد عدد البنوك المركزية غير الراغبة او غير القادرة على مواصلة سياساتها النقدية تلك, لن نستطيع الإستمرار بالإعتماد بشكل كامل عليها.
تعريف العاصفة المتكاملة
وحول مخاطر الاقتصاد العالمي ومن منطلق الأسواق المالية, وليس من منطلق سياسي او جيوسياسي. كما يقول حاول العريان تعريف العاصفة المتكاملة بأنها تفاعل ثلاثة عوامل مختلفة في نفس الوقت تجعل من النتيجة متقلبة و توقعها أمر صعب. ومن هذا التعريف, فإن العوامل الثلاث حاليا هي: النمو الإقتصادي العالمي المنخفض: خاصة خطر امكانية وليس احتمالية, تباطؤ الصين بشكل حاد. هذا هو الخطر الأول. هذه ليست الإحتمالية المرجحة, لكنه أحد المخاطر. أما الخطر الثاني هو ان نكتشف أن فاعلية البنوك المركزية قد تلاشت. وان البنك هذه اصبحت غير قادرة على اقتراض النمو والعوائد المالية من المستقبل.
ويقول العريان إن الخطر الثالث هو نقص ما أسميه “رأس المال الصبور”. فهذه الأيام لا يوجد ما يكفي من رؤوس الأموال طويلة الأجل ليتخذوا المراكز المقابلة للمتداولين. لذا ما نحصل عليه هي اضطرابات حادة في الأسواق. على سبيل المثال, تحرك مؤشر داو حونز بأكثر من واحد في المئة في الجلسة الواحدة خلال ثمانين في المئة من جلسات هذا العام. هذا يشكل نحو ضعف معدل نفس الفترة قبل عام. لذا نحن نشهد تزايدا في التقلبات المالية. وخطورة هذا أن تنتقل العدوى من الأسواق المالية الى النشاط الإقتصادي العام. لذا ألخّص اجابتي:التباطؤ الإقتصادي العالمي, سياسات البنوك المركزية, و الإضطرابات المالية هي أكبر المخاطر في رأيي التي تواجه الأسواق والإقتصادات العالمية.
وحول توقعات أسعار النفط في سياق الأفق الزمني متوسط المدى، قال العريان: اذا افترضنا مدة زمنية تتراوح بين 12 الى 18 شهرا, فالإجابة هي ان الأسعار ستكون أعلى وقتها مقارنة بمستوياتها اليوم. ويتابع قوله : لماذا؟ لأننا سنرى تدميرا هائلا للقدرات الإنتاجية الذي لم يحصل بعد. الى جانب تعافي الطلب بسبب انخفاض الأسعار. وأضيف الى ذلك ان الأسعار بالغت في انخفاضها. لماذا؟ بسبب تغيّر النظام في تحديد الأسعار والناتج عن فقدان دور المنتج المرجِح.
الجنيه المصري
وحول أهم تحدي تواجه مصر، بشأن تراجع قيمة عملتها ونقص الدولار، قال العريان إن منظومة سعر الصرف تشكل احدى الأدوات الإقتصادية. والمؤسف في مصر أن مجتمع الأعمال والإعلام يناقش سعر الصرف بمعزل عن كل المتغيرات الأخرى! ما يجب أن نعيه جيدا, هو في حال تحركنا على صعيد سعر الصرف فقط, فالمكاسب ستكون قليلة والتكاليف ستكون كبيرة. لذا يجب أن نعي أننا لا نستطيع التحرك على صعيد احدى السياسات من دون سياسات أخرى داعمة. وهذا أمر في غاية الأهمية. ثانيا, المشكلة الرئيسية في مصر هي ليست سعر الصرف, بل هي أحد أعراض المشكلة الحالية وهي أن مصر لا تنتج ما يكفي حاليا لسد احتياجاتها المحلية. لذا الحل في مصر هو اتخاذ اصلاحات هيكلية لزيادة الإنتاجية. الى جانب اطلاق العنان لطاقات شعبها الكامنة لاسيما الشباب.
وخلال استعراضه للحلول المقترحة في مصر قال العريان إن الحل يكمن ايضا في ادارة أفضل للطلب, للتأكد من ان لا يقوم القطاع العام بمزاحمة القطاع الخاص. اضافة الى تنسيق أفضل بين السياسات المختلفة. هذا هو الإطار الذي يجب أن يتم من خلاله مناقشة سعر الصرف. لكنه من المؤسف أن الموضوع اصبح موضوعا مستقلا عن غيره وكل الدول الأخرى تجمع انه لايمكن مقاربة هذا الموضوع بهذه الطريقة.
واعتبر أن من الصعب الحديث عن حلول لمسألة سعر الصرف في مصر من دون معرفة كيف سنتحرك على صعيد السياسات الثلاث الأخرى. لأنه بالإمكان أن تتعايش عدة أنواع من أنظمة سعر الصرف مع تلك السياسات. لذا قل لي ماذا ستفعل على صعيد الإصلاحات الهيكلية, وادارة الطلب, والتنسيق بين السياسات المختلفة, وحينها سيكون باستطاعتي أن اقول لك ما هي منظومة سعر الصرف الأنسب في ضوء ذلك.