كتب رولان خاطر
“علاء، والاسمُ بعضُ الثناء.. والفيضُ جهاد، والعزُ شهادة… على ثغورِ الجنوبِ بوجهِ العدوِ الصهيوني كانت النشأة، وفي اصقاعِ المحرومينَ والمستضعفينَ جولات، من البوسنة الى سوريا وما بينَهما”..
هكذا بدأت مقدمة نشرة الأخبار المسائية في قناة “المنار” يوم الأربعاء 2 آذار 2016. أما المقصود فهو المسؤول العسكري في “حزب الله” علي فياض، الذي قُتل في سوريا “دفاعاً عن لبنان واللبنانيين والعرب وفلسطين”، بحسب قناة “حزب الله”.
لكن الأهمّ في مقدّمة “المنار” هو الإعلان عن أنّ بطولات علي فياض، لم تقتصر على بعض الدول العربية أو الخليجية، فـ”في اصقاعِ المحرومينَ والمستضعفينَ جولات، من “البوسنة” الى سوريا وما بينَهما”… إذا، علي فياض حارب في “البوسنة” بأمر من “حزب الله” وبتكليف شرعي من الولي الفقيه في إيران بطبيعة الحال. يُذكر أن حرب البوسنة والهرسك وهي الحرب التي امتدت من عام 1992 حتى 1995، والتي وقعت نتيجة انفصال مسلمي البوسنة والهرسك عن يوغوسلافيا.
والسؤال البديهي الذي يُطرح، ماذا يفعل “حزب الله” في “البوسنة”؟ هل كان ثمة تهديد من إرهابي من يوغسلافيا على لبنان مثلا؟ هل كان ثمة “داعش” في يوغسلافيا أو من يهدّد “مقامات شيعية” في أوروبا؟ لا بل السؤال هل كان ثمة “قرى شيعية” في البوسنة ذهب علي فياض وغيره من عناصر “حزب الله” للدفاع عنها؟
المفارقة الكبرى تمثلت في تنطّح الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطابه الأحد 6 آذار 2016، في محاولة مكشوفة لاستغباء عقول اللبنانيين في موضوع “علاء البوسنة” ورفاقه. فهو اعتبر من جهة أن إرسال “حزب الله” مقاتلين منه الى البوسنة إنما أتى “بدافع انساني”! أي دافع انساني هو هذا؟ لماذا لا يرسل “حزب الله” مقاتليه إلى نيجيريا لمقاتلة “بوكو حرام” مثلاً والتي ينطبق على القتال ضدّها صفتي “الدافع الانساني” و”القتال ضد إرهابيين”؟ لماذا لا يُرسل “حزب الله” مقاتلين لمواجهة “حركة الشبيبة الصومالية” في الصومال بدافع انساني؟ وهل بات “حزب الله” مكلفاً بملف الأمن العالمي والدوافع الانسانية لكي يرسل مقاتلين الى حيث يحلو له؟
ولكن نصرالله، وفي الخطاب نفسه، يقرّ بأن إرسال مقاتلين الى البوسنة كان لمساعدة المسلمين عملياً، وليس بدافع انساني، لأن مفهوم الانسانية لا يميّز بين الأديان. لكن ما تعمّد نصرالله تجاهله هو أن قرار الوليّ الفقيه بإرسال مقاتليه لمساعدة المسلمين السُنّة كان بهدف نشر التشيّع في صفوفهم، وذلك لمحاولة إيجاد موطئ قدم شيعية داخل القارة الأوروبية، وليس لأي أهداف انسانية!
ويروي الرئيس البوسني السابق علي عزت بيجوفتش في مذكراته: “أثناء القتل والتهجير الذي كان يتعرض له المسلمون في البوسنة، أرسلت إيران مبعوثاً لها عرض تقديم المساعدة من غذاء ودواء ومال وسلاح شرط السماح للإيرانيين بنشر التشيّع بين المسلمين البوسنيين، فقلت له: “لن نبيع الآخرة من أجل الدنيا ولن نبيع إسلامنا من أجل حفنة من المساعدات”.
هذا التبجّح اللافت في حديث نصرالله، والذي يدلّ على ما بات معلوماً لدى كل اللبنانيين بشكل لا لبس فيه، وهو ارتباط “حزب الله” الوثيق بمشروع ولاية الفقيه في إيران، يدلّ في المقابل، على أنّ “أئمة” هذا المشروع لا يؤمنون بالدولة وبوجود الدول، بل بوجود “فوضى منظمة” تتخطّى حدود كل دولة، من أجل تصدير “الثورة الإسلامية” الى كل الدول من دون استثناء، لتحقيق ما يسمّى بـ”مشروع ولاية الفقيه”، والذي يشكل “حزب الله”، الذي مقرّه لبنان، أحد أذرعه العسكرية، وعلي فياض أحد آلاف مقاتليه ليس أكثر، وأن لا وجود للبنان أو مصالح لبنان في كل حسابات “حزب الله”، وفي كل المعارك التي يخوضها.
قد ينفع التذكير أنه في 11 شباط من العام 1980، أعلن الإمام الخميني في الذكرى السنوية لانتصار الثورة “إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم”.
و”رسالة رابطة أهل السُنّة في إيران” تشرح بشكل مفصّل: “أنشئت في إيران لهذه الغاية التنظيمات الداخلية والخارجية الخاصة بتصدير الثورة، وتدرّبت على أسلوب العمل الثوري الانقلابي وقامت بالعديد من الأعمال في لبنان والكويت والسعودية وأقامت العلاقات مع أغلب الحركات الإسلامية التي في حالة صراع مع الأنظمة القائمة”.
هذا يبرّر الحركات الانفصالية، وحركات التمرّد التي تحصل في بعض الدول العربية. ولأن “حزب الله” جزءاً من منظومة الولي الفقيه، فليس مستغرباً أن نرى أدواته تتحرك في مصر، وقواته تقتل في سوريا، وضباطه يدربون في اليمن، وعملاءه يسرحون في السعودية والكويت، ومناصريه يتمردون في البحرين، وإرهابييه المنظورين وغير المنظورين، يعملون على امتداد القارتين الأميركية والأوروبية.
واليوم، “حزب الله” يكشف على لسانه وفي إعلامه أنه كان موجوداً في “البوسنة”، كما ألقي القبض أيضاً على خلاياه المزروعة في كل أنحاء الأرض من الأرجنتين الى بلغاريا، كما مصر وسوريا واليمن والعراق والبحرين وغيرها من الدول. كل ذلك لترجمة ما قاله الخميني: “لتصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم”.
إذا ما جاء في مقدمة “المنار” لم يسقط سهواً، وكلام السيد نصرالله كان عن سابق تصوّر وتصميم، لكن الواضح انه أسقط الأقنعة عن كل ادعاءات “حزب الله” بلبنانيته، وبالدفاع عن لبنان، بات واضحاً وجازماً، أن كل التبريرات التي يعطيها الحزب هي عناوين كاذبة، وهدفها الوحيد تنفيذ مشروع ولي الفقيه.