شانون بوند
ديفيد كاري يفكر في القوارب. نستطيع رؤية نهر هادسون من مكتبه في الطابق 43 في برج هيرست في منهاتن، لكن هذا ليس مصدر تأملاته البحرية. رئيس “هيرست مجازينز”، الذي يرتدي قميصا متموجا باللونين الأزرق والأبيض وربطة عنق رمادية، يتحدث عن ألعاب الحرب البحرية.
يبدأ بالقول: “في بعض الأحيان أرجع إلى مقالة رائعة كنت قد قرأتها قبل بضعة أعوام في صحيفة “نيويورك تايمز” عن حاملات الطائرات. السؤال كان، هل يمكن لمجموعة من القوارب السريعة إسقاط حاملات الطائرات؟ الجواب كان، نعم، إذا عملت بطريقة منسقة”.
“قرأت هذه المقالة التي لم تكن عن عمل وسائل الإعلام، لكنني فكرت؛ هذه استعارة مثالية لما أقوم به”.
بالنسبة لكاري، البالغ من العمر 54 عاما، حاملات الطائرات هي شركات مثل “هيرست”، حيث قاد قسم المجلات منذ عام 2010، و”كوندي ناست”، حيث عمل سابقا رئيسا للمجموعة وناشرا لمجلة “ذا نيويوركر”. الشركات الرقمية الحديثة، مثل “بازفيد” و”فايس ميديا” و”ريفينري29″، هي القوارب السريعة التي تطوف.
لكن “هيرست” لديها ميزة استراتيجية كونها تملك حصصا في كل من تلك الشركات، فضلا عن شركة أوسومنيس تي في، شبكة الفيديو الرقمي التي تركز على المراهقين، و”كومبليكس”، شبكة مواقع ثقافة البوب التي تستهدف الشباب.
يقول: “مهمتنا هي أن نضع في حسباننا ما تفعله القوارب السريعة. أحيانا نستثمر فيها، وأحيانا نحاول شراءها، وأحيانا نتشارك معها (…) نحن لا نتخذ موقفا أبدا، حسنا، نحن شركة هيرست الموجودة منذ 130 عاما تقريبا وهي شركة ناشئة، وأين ستكون في خمسة أعوام؟ لدينا احترام كبير للابتكار الذي تقدمه لعمل وسائل الإعلام ومهمتنا هي الانتباه. هي تريد أن تكون مثلنا ونحن نريد أن نكون مثلها”.
توجيه “هيرست مجازينز”، التي تنشر “كوزموبوليتان”، و”إسكواير” و”تاون آند كنتري”، إلى المياه الرقمية تطلب قدرا كبيرا من تركيز كاري على مدى الأعوام الخمسة والنصف الماضية، لكن تلك الجهود بدأت تثمر. فقد تضاعفت الأرباح تقريبا في شركة المجلات الأمريكية منذ عام 2010، والعام الماضي 30 في المائة من الأرباح جاءت من العمليات الرقمية – مجال كانت تخسر فيه المال قبل خمسة أعوام.
يتأمل كاري: “هل يمكن أن نرى المرحلة حيث الصحافة الرقمية والمطبوعة يمكن أن تكون في المستوى نفسه من حيث الأرباح؟ مع نمو الصحافة المطبوعة، لكن ببطء، واستمرار الصحافة الرقمية بنموها، الجواب هو نعم”. في حين أنه يرفض التنبؤ بإطار زمني محدد لهذا التقاطع، إلا أنه يقول: “نستطيع أن نرى المرحلة حيث تكون في المستوى نفسه من حيث مساهمة الأرباح”.
الشركة المملوكة للقطاع الخاص لا تكشف عن النتائج المالية المفصلة، لكنها تقول إن الإيرادات الإجمالية ارتفعت 6 في المائة عام 2015 إلى مستوى قياسي بلغ 10.7 مليار دولار. بعد استراتيجية على مدى عقود من التنويع، هيرست الآن تجني أموالها ليس من حيازاتها الأصلية من الصحف والمجلات، بل من المجالات الحديثة مثل وكالة فيتش للتصنيف، وشركات معلومات الرعاية الصحية وقسم الترفيه فيها، الذي يتضمن حصصا في “إسبين”، شبكة كابل القنوات الرياضية، وشبكات آيه آند إي.
لكن النشر هو الجزء الأكثر وضوحا في أعمال هيرست. ويشير كاري إلى الارتفاع في مبيعات الإعلانات المطبوعة والرقمية العام الماضي باعتباره دليلا على أن المجلات لا تزال تجذب القراء والمسوقين، حتى مع تراجع مبيعات كشك الجرائد.
يقول: “نحن نعيش في عالم طموح. المجلات تلعب دورا مهما جدا في تلك الأنواع من الإشارات حول كيفية ارتداء الملابس، وكيفية الترفيه، وكيفية السفر والحصول على الحياة الجيدة التي يبدو أن الجميع على هذا الكوكب يريد الحصول عليها”.
طموحاته للوصول إلى “الجميع في هذا الكوكب” صادقة. أطلقت كوزموبوليتان منشورات على الإنترنت فقط في نيجيريا والسويد والدنمارك والنرويج، والجمهور الرقمي لـ “هيرست مجازينز” نما بنسبة 49 في المائة إلى 163 مليون زائر فريد شهريا العام الماضي. الشركة في خضم عملية نقل جميع خصائصها الرقمية، بما في ذلك مواقع الصحف والتلفزيون، إلى نظام نشر تم إعادة تصميمه، يصفه كاري بأنه “نظام بيئي عملاق من المحتوى، يستطيع المحررون من جميع أنحاء العالم استخدامه”.
مثل شركات النشر الأخرى، هيرست أيضا تتطلع إلى منصات جديدة حيث يقضي القراء – خاصة النساء في العشرينات والثلاثينات من العمر اللواتي يشكلن الجمهور الأساسي لمجلات مثل “كوزموبوليتان” و”إيل” – وقتا أطول. ولدى الشركة أيضا شراكة مع الممثلة، لينا دانهام، للتعامل مع الإعلان والتوزيع لموقع “ليني”، المجلة الإخبارية والموقع الإلكتروني الخاص بالشابات. وأنشأت أيضا “سويت”، قناة سناب شات.
هيرست ليست وحدها في سعيها للحصول على القراء والمشاهدين الذين يقضون الآن وقتا أطول في استهلاك وسائل الإعلام على أجهزتهم الخليوية مما هو على منصة أخرى، باستثناء التلفزيون.
يقول كاري: “يبدو كما لو أن كل قطاع تم تعطيله على قدم المساواة. التلفزيون وتلفزيون الكابل كانا آخر من ينضم إلى حالة التعطيل، بالانضمام إلى الصحف، والموسيقى المسجلة، والكتب، والمجلات، والتجارة الإلكترونية و[شركات] تجارة التجزئة. شركة أبل لم تبع 80 مليون جهاز آيفون، بل باعت 80 مليون جهاز تلفزيون شخصي يمكن أن يستخدم أيضا لإنشاء الفيديو”. مهما كانت الوسيلة “يجب على الجميع تنظيم استراتيجيات أعمالهم حول الطريقة التي يتفاعل بها المستهلكون مع تكنولوجيا الهاتف الخليوي”.
لكن مقابل الجماهير الكبيرة التي وعدت بها تطبيقات الهاتف الخليوي، مثل فيسبوك وسناب شات، اضطرت شركات النشر إلى المقايضة، من خلال السماح بنشر مواضيعها خارج مواقعها الإلكترونية. أنموذج “المحتوى المعطل” هذا ساعد على تغذية طفرة الشركات الحديثة، مثل بازفيد وفوكس ميديا، لكنه أيضا أثار المخاوف من أن شركات النشر ربما تتخلى عن أصول قيمة.
كاري غير مقتنع بهذه المخاوف ويجادل بأن “المزيد هو المزيد. كلما كنت في أماكن أكثر، مع محتوى أكثر عمقا وجوة، كانت علامتك التجارية أقوى”.
مهنة كاري في مجال الإعلام بدأت منذ أيام الجامعة. وظيفته الأولى كانت بيع الإعلانات لصحيفة جامعته، “دايلي بروين” في جامعة كاليفورنيا. في نهاية المطاف أصبح ناشرا ومبتكر نسخة من الصحيفة، خصيصا لباسادينا، البلدة حيث كان فريق كرة قدم جامعة كاليفورنيا يلعب، في أيام المباريات.
بعد التخرج رحل من كاليفورنيا إلى نيويورك، وعمل في “إسكواير” و”كوزموبوليتان”، في عهد رئيسة التحرير الأسطورة، هيلين جورلي براون، قبل أن تستغله هيرست وداو جونز لإطلاق المجلة المالية “سمارت موني”، في عام 1991. بحلول عام 1998، كان قد انتقل إلى “ذا نيويوركر” في “كوندي ناست”، حيث عمل جنبا إلى جنب مع رئيس التحرير، ديفيد ريمنيك، على تحويل المطبوعة المبجلة لكن الخاسرة.
وتمت ترقيته فيما بعد إلى منصب رئيس المجموعة حيث أشرف على إطلاق “بورتفوليو”، مجلة الأعمال الشهرية اللامعة، في عام 2007. لكنها توقفت عن الصدور بعد عامين ـ خلال فترة الركود.
عودة كاري إلى هيرست لم تكن دون بعض النجاحات والإخفاقات. في عام 2011، كشفت شركة النشر عن “كوزمو فور جايز”، وهو تطبيق باشتراك على جهاز الآيباد من شأنه، كما وصفه كاري “تقديم فرصة [للرجال] لفهم النساء مقابل 20 دولارا سنويا”. بعد ثمانية أشهر وخسائر وصلت إلى نصف مليون دولار، أوقفت هيرست التطبيق عن العمل. يقول كاري: “لقد بنينا منتجا لسوق واحدة ولجمهور واحد فقط. الآن كل ما نفعله يجب أن يكون عالميا”. رغبته في التجريب لا تقتصر على المشاريع الرقمية. يقول إن هيرست ستختبر أفكارا جديدة لمجلات مطبوعة هذا العام، وتخلق “محتوى مميزا” أكثر للمعلنين.
“نحن نحب الوسيلة المطبوعة ونتوقع أن نكون ضمن الوسيلة المطبوعة إلى الأبد وتحقيق الكثير من المال. لكننا نعرف أنه يجب أن تكون لدينا براعة أعمال مذهلة لنكون أيضا جيدين في الوسيلة الرقمية ولنكون أيضا جيدين، على نحو متزايد، في مجال أعمال الوكالات الإعلانية”.
حاملة الطائرات تملك أسطحا متعددة.