موريس متى
في إطار سياسة الانفتاح على القطاع المصرفي الأجنبي وتشجيعه على فتح فروع في العراق، أو المشاركة في رؤوس أموال المصارف العراقية، منح البنك المركزي العراقي في العام 2008 إجازات الى أكثر من 18 فرعاً تابعة لمصارف أجنبية. لكن بعد سنوات من التعقيدات المصرفية والقرارات غير المحفّزة، بدأ عدد من هذه المصارف إعادة النظر في وجوده ضمن السوق العراقية، بعدما أصبحت نسبة المخاطر والتعقيدات أعلى من مستوى الربحية والاستثمار المجدي.
المصارف التي منحها المركزي العراقي إجازات مزاولة النشاط في العراق تضم خمسة مصارف تركية ومصرفين ايرانيين، ومصرفي “سيتي بنك” و”ستاندرد تشارترد” البريطانيين و”بنك أبو ظبي الاسلامي”. كما منح إجازات الى مصارف لبنانية هي فرنسبنك، بنك عوده، بنك لبنان والمهجر، بنك بيبلوس، بنك البحر المتوسط، بنك الاعتماد اللبناني، بنك بيروت والبلاد العربية، البنك اللبناني الفرنسي، انتركونتيننتال بنك، بنك الشرق الأوسط وافريقيا.
مطلع تشرين الثاني المنصرم، تلقى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف في بيروت نسخة عن كتاب سبق أن تلقته المصارف العاملة في العراق من المصرف المركزي، يبلغها فيه بأنّ فرعيه في أربيل والسليمانية لم يعدا مرتبطين به إدارياً أو تنظيمياً أو حتى مالياً، بل أصبحا مرتبطين بوزارة المال في إقليم كردستان. هذا الاجراء وهو الأول من نوعه في العالم، رفع من المخاوف في أوساط المصارف الاجنبية العاملة في العراق ومنها اللبنانية، لكون خطوة المركزي العراقي تعني عدم إعترافه بعد تاريخ إصدار القرار بالمبالغ المودعة لدى فروعه في أربيل والسليمانية، من المصارف اللبنانية بالدينار أو الدولار. فوفق القوانين المصرفية العراقية التي تقدمت على اساسها المصارف اللبنانية بطلب الحصول على ترخيص لفروعها في العراق، على هذه المصارف إيداع مبلغ 90 مليون دولار لدى المركزي العراقي في أربيل والسليمانية. هذا الأمر يعني حكماً أنه على المصارف اللبنانية في هاتين المحافظتين، تكوين مؤونات على المبالغ المودعة، الأمر الذي يحدّ من هامش ربحيتها.
منذ ذلك الحين، بدأت الجهات المصرفية اللبنانية مفاوضات حثيثة مع الجانب العراقي وتحديداً مع البنك المركزي لتسوية أزمة تداعيات الانفصال، ولكن حتى اليوم لم تعلن أي حلول عملية للأزمة بعد، رغم الحديث في الكواليس عن حل يفضي الى دفع فرعي المركزي في أربيل والسليمانية متوجباتهما الى حاملي سندات الدين السيادية من المصارف اللبنانية، فيما تشير المعلومات أيضاً الى دخول صندوق النقد الدولي كوسيط لحل هذه الأزمة.
وفي هذا السياق، أشار محافظ البنك المركزي العراقي بالوكالة علي العلاق لـ”النهار” الى أن “البنك المركزي في بغداد كان ولا يزال يولي أهمية خاصة لهذا الملف، ويتابع هذه المشكلة وقد عقد سلسلة إجتماعات في الفترة الاخيرة لهذه الغاية”، مؤكداً أن البنك المركزي كان المبادر الى إيجاد حل لهذه المشكلة. ولفت إلى أن وفداً من المركزي إجتمع بالمسؤولين في إقليم كردستان، وعقد عدداً من الاجتماعات مع اعضاء مجلس النواب الاتحادي. وأعرب العلاق عن أمله في التوصل الى حل نهائي لهذه المشكلة خلال الاجتماع المقبل الذي سيجمع القيّمين على البنك المركزي العراقي ومسؤولي الاقليم.
وفيما تتوالى الضغوط على المصارف الاجنبية العاملة في العراق ومنها اللبنانية، لم يتخذ المركزي العراقي حتى الآن اي قرارات إجرائية في ما يتعلق بتعزيز الصيرفة الشاملة، فبقيت التعقيدات المصرفية المفروضة والمتعلقة بالضمانات المطلوبة مقابل منح التسليفات، إضافة الى مشكلة الزام المصارف الاجنبية زيادة رأسمالها خلال مهلة تنتهي في حزيران 2016، الى 50 مليون دولار مقابل فتح عدد غير محدود من الفروع. مع الاشارة الى أن القرار الاول للمركزي العراقي كان حدّد الزيادة بـ 70 مليون دولار الاّ أن الجهود التي قام بها حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف أفضت الى تخفيف الزيادة إلى 50 مليون دولار.
Iraq Finance 2016
في سياق آخر، إنطلقت في العاصمة بيروت أعمال المؤتمر والمعرض العالمي الثالث عن المالية والخدمات المصرفية في العراق (Iraq Finance 2016)، الذي تنظمه شركة “سيمكسكو” العراقية، برعاية المصرف المركزي العراقي وبالتعاون مع “مصرف لبنان” ومشاركة وزارات ومصارف وهيئة الاستثمار الوطنية. تركزت اعمال المؤتمر على تطوير المالية والصناعة المصرفية والاستثمارية في العراق. وتنحصر الغاية من تنظيم هذا المؤتمر في تطوير البنية التحتية للمصارف والمؤسسات المالية في العراق عبر تفعيل التعاون بين المركزي العراقي والوزارات والمصارف والمؤسسات المالية العراقية المعنية من جهة والمصارف والمؤسسات المالية العالمية والمستثمرين الدوليين من جهة أخرى. وتناولت الجلسات خطط المصرف المركزي العراقي واستراتيجياته، والإصلاحات المالية التي تحاول الحكومة تنفيذها لجذب المستثمرين، ومستقبل المصارف الحكومية، ودور المصارف الإسلامية، ودور الأسواق المالية العراقية في دعم الاقتصاد، والوضع الحالي للقطاع المصرفي ومشاركة شركات الإقراض الأجنبية، والبيئة التكنولوجية ودورها المحوري في دفع عجلة الابتكار وتخفيف الأخطار، إضافة إلى مصادر التمويل للمشاريع الكبيرة والبنى التحتية، وتطوير سوق العراق للأوراق المالية وفرص التمويل للقطاع الخاص العراقي.
الاقتصاد العراقي يعاني…
يعاني الوضع المالي العراقي من أزمة حقيقية نتيجة تراجع أسعار النفط والتكاليف الكبيرة التي تتحمّلها موازنة الدولة لجبه تنظيم “داعش” وما ترتب من خسائر على القطاع نتيجة الحرب المستمرة في عدد كبير من المحافظات. فالاقتصاد العراقي يعتمد بشكل اساسي على إيرادات تصدير النفط، لكن تراجع أسعار الخام عالمياً أكثر من 70% منذ حزيران 2014، انعكس سلباً على النشاط الاقتصادي في البلاد. ونتيجة تراجع أسعار النفط، انخفضت إيرادات العراق من صادرات النفط من نحو 60 مليار دولار عام 2014 إلى نحو 30 ملياراً عام 2015، في ظل توقعات بانكفاء هذه الايرادات الى نحو 20 مليار دولار في حلول نهاية السنة.