عشيّة وصول بعثة منظمة التجارة العالمية (WTO – OMC) إلى لبنان الذي يسعى جاهداً منذ أكثر من 16 عاماً للإنضمام الى المنظمة وتشريع “أبواب المنافسة” على مصراعيها، لا تزال عوائق كثيرة تقف في وجه إتمام عملية الدخول هذه، منها عوائق سياسية وقانونية وتنظيمية، وأخرى متعلّقة بتحديث السياسات التجارية. ولكن قبل الحديث عن كيفية تذليل العوائق، لا بد من وضع الملف على طاولة البحث لتحديد مكامن الضعف التي يمكن أن تلحق بقطاعات الإقتصاد اللبناني. فماذا سيقدّم الإنضمام الى منظمة التجارة العالمية الى الإقتصاد؟ وهل من تداعيات لعدم انضمام لبنان إليها؟
يعود تاريخ تفاوض لبنان للإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية إلى العام 1999، وقد سبق ذلك مساعٍ قام بها رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري قبل أن يترك رئاسة الحكومة في العام 1998، بهدف وضع لبنان على خريطة التجارة العالمية، الا أن تحضير المستندات الأساسية لتقديم طلب الانضمام بدأ في أواخر عام 2000، وباشر لبنان تسليم المستندات والتفاوض على مضمونها منذ العام 2002، وهو العام الذي تعتبره المنظمة “تاريخ بدء إجراءات انضمام لبنان”.
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لم يحصل لبنان على الموافقة ليصبح عضواً في WTO، بعد مفاوضات تعدّ الأطول عالمياً، بحيث تتراوح فترة المفاوضات عادة بين سنتين و5 سنوات، ومن المستبعد وفق مصادر “المدن” إتمام عملية إنضمام لبنان في المدى المنظور، لاسيما أنها مقرونة بموافقة لبنان على شروط الولايات المتحدة الأميركية بالتحرير الكامل للإقتصاد.
وفي بلد ذي سوق صغيرة كلبنان وقدرة محدودة على المنافسة، ماذا يعني له التحرير الكامل للإقتصاد؟ هذا الأمر يعني بحسب وزير الصناعة حسين الحاج حسن “عملية قضاء على ما تبقى من القطاعات الإنتاجية اللبنانية”. وفي السياق نفسه، يسأل الحاج حسن، عبر “المدن”، عن جدوى انضمام لبنان الى منظمة التجارة العالمية، “إذ أن الإقتصاد اللبناني ما يزال يعاني من تداعيات انضمامه الى اتفاقية التيسير العربية، بالإضافة إلى الاتفاقيات التجارية المبرمة مع الإتحاد الأوروبي، وبالتالي لا قدرة للإقتصاد اللبناني بوضع قطاعاته الحالي، على فتح اسواقه أمام دول العالم لاسيما أن القطاعات الإنتاجية في لبنان لا تملك القدرة ولا المقومات للخوض في منافسة شرسة مع منتجات الدول”.
ويذكّر الحاج حسن بالتداعيات السلبية لتوقيع لبنان على اتفاقية التيسير العربية والاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، إذ اتسع الفارق بين الواردات والصادرات بشكل هائل، فزادت الواردات نحو 24 ملياراً في حين تراجعت الصادرات، ولامس العجز 17 ملياراً في العام 2014، و15 ملياراً في العام 2015، من هنا يرى أنه بات من الضروري دعم الصناعة والزراعة وتفادي العجز في الميزان التجاري قبل الإنضمام الى منظمة التجارة العالمية، كما لا بد من التخفيف من وطأة الخلاف مع الشركاء الأوروبيين، في ظل منع تصدير منتجاتنا لاسباب فنية وتجارية في مقابل دخول المنتجات الأوروبية واكتساحها السوق اللبنانية.
وفي حين يتفق البعض مع موقف وزير الصناعة بشأن ملف انضمام لبنان الى منظمة التجارة الدولية WTO ويعتبرونه ضربة قاضية للقطاعات الإقتصادية جميعاً، تستكمل الأضرار التي لحقت بالإقتصاد من جراء فتح حدوده أمام المنتجات العربية والأوروبية، لا يزال البعض الآخر ينادي باستكمال المفاوضات مع المنظمة باعتبار أن انضمام لبنان سيفتح طاقات “الفرج” امام هذا البلد الصغير.