كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
توحي تحرّكات بعض القوى السياسية المؤيّدة ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية أنّهم ما زالوا يتحرّكون على أساس أنّ مبادرة الرئيس سعد الحريري لترشيحه ما تزال مستمرّة، وقد جاء حضور 72 نائباً للجلسة الانتخابية النيابية الأخيرة ليشجّعهم على الاستمرار في حراكهم، علّهم يبنون على الشيء مقتضاه…وفي موازاة هذا الحراك لمصلحة ترشيح فرنجية، والذي يوازيه الحراك الجاري لمصلحة ترشيح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، يبدو أنّ شيئاً ما يُطبخ لإعادة تطبيع العلاقات اللبنانية ـ السعودية التي أصيبت بانتكاسة كبيرة إثر قرار القيادة السعودية بوقفِ هبة الأربعة مليارات من الدولارات للجيش والقوى الامنية اللبنانية، ويُستدلّ الى ما يُطبخ من خلال لقاءات وتحرّكات السفير السعودي الدكتور علي عواض العسيري الذي يواظب على اتصالات ولقاءات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ومرجعيات سياسية أخرى، وكذلك من خلال زيارة الرئيس سعد الحريري السريعة والقصيرة للرياض التي كان سَبقه إليها الوزير وائل ابو فاعور موفَداً من رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي توجّه الى باريس للقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ومسؤولين فرنسيين آخرين، حيث سيكون الاستحقاق الرئاسي اللبناني وموضوع الهبة السعودية الموقوفة أبرز مواضيع البحث في هذه اللقاءات.
ويَعتقد البعض أنّ مِن السابق لأوانه توقّع حصول هذا التطبيع اللبناني ـ السعودي قريباً، لأنّ فريقاً من القوى السياسية اللبنانية يعتبر أنّ وقف الهبة التي كانت مقرّرة للجيش والقوى الامنية ربّما لا تكون هناك رجعة عنه، خصوصاً أنّ في الأفق ما يشير الى أنّ المواجهة السياسية الدائرة بين القيادة السعودية و«حزب الله» مستمرة كنتيجة لاستمرار المواجهة بين الرياض وطهران، إذ إنّ الجانب السعودي يعتبر أنّ هجومه على الحزب هو شكلٌ من أشكال المواجهة الأساسية مع طهران التي يشكّل هذا الحزب من وجهة النظر السعودية «اللسان العربي» للجانب الإيراني.
لكنّ حديث الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني عن احتمال زيارة وفد ايراني للمملكة العربية السعودية في القريب العاجل يوحي في رأي بعض السياسيين بأمرَين: الأوّل، إمّا أنّ روحاني يوجّه بهذا الحديث رسالة غير مباشرة الى القيادة السعودية يؤكد فيها استعداده للحوار معها بحثاً عن حلول للأزمات في المنطقة، والثاني، إمّا أنّ هناك اتصالات ووساطات تجري بعيداً من الأضواء تمهيداً لهذا الحوار بدءاً بوفد إيراني يزور العاصمة السعودية.
وفي رأي هؤلاء السياسيين أنّ مثل هذا الحوار السعودي ـ الايراني إذا حصل من شأنه ان ينعكس «برداً وسلاماً» على العلاقة المتوتّرة جداً هذه الأيام بين الرياض وحزب الله.
وعندها يمكن لأصحاب المساعي والمبادرات أن يتحرّكوا على خط تطبيع العلاقات اللبنانية ـ السعودية، ويمكن لرئيس مجلس النواب نبيه بري أن يلعب دوراً فعّالاً ومحورياً في هذا المجال، خصوصاً أنّ لديه دعوةً سعودية لزيارة المملكة منذ بضعة أشهر، وقد قبلها يومها مؤكّداً أنّه سيحدّد الوقت المناسب لتلبيتها بحيث تحقّق النتائج المرجوّة منها.
ويَعتقد قطب سياسي أنّ التصعيد المتبادل بين الرياض وحزب الله مهما اشتدّ فإنّه لن يؤثّر على الاستقرار في لبنان المضمون بقرار إقليمي ودولي واضح يَعتبره «خطاً أحمر» محظَّر على الجميع تجاوزُه، مهما علت نبرة الخطاب السياسي بين القوى السياسية اللبنانية المتمحورة حول كلّ من الجانبين المتخاصمين.
وفي هذا السياق، يقول متابعون للاوضاع الامنية نقلاً عن مراجع عسكرية وأمنية، ان ليس لدى الجيش والقوى الامنية أيّ معطيات توحي بأنّ هناك شيئاً خطيراً سيَحصل على الصعيد الامني، اللهمّ إلّا إذا حصل شيء مفاجئ من خارج السياق قد يكون المراد منه تعطيل إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية المقرّرة في أيار المقبل.
ويؤكّد هؤلاء أنّ ما تحقّق من إنجازات على مستوى مكافحة الإرهاب وكشف شبكاته والمتورّطين فيه جعلَ الارهابيين عاجزين عن تنفيذ أيّ عمليات إرهابية لأنّهم فقدوا الفرَص والقدرة على التخطيط لتنفيذ مثل هذه العمليات.
لكنّ هذا القطب السياسي إيّاه لا يرى في الأفق إمكانية قريبة لانتخاب رئيس جمهورية جديد، فحزب الله مستمر في دعمه ترشيحَ حليفه عون طالما هو مستمر في ترشيحه، ولن يزيح قيد أنملة عن هذا الموقف، على رغم ترشيح الحريري لفرنجية الحليف التاريخي الآخر للحزب إلى جانب عون.
على أنّ بعض القوى السياسية يرغب، وربّما يسعى، الى تأمين نصاب لانعقاد جلسة انتخابية رئاسية يتنافس ديموقراطياً فيها المرشحون عون وفرنجية وعضو «اللقاء الديموقراطي» النائب هنري حلو، فضلاً عن المرشحين المصنّفين توافقيين، ليفوز منهم من ينال أصواتَ الاكثرية النيابية المطلقة 65 صوتاً، ويقال إنّ الحريري وجنبلاط يتحرّكان في هذا الاتجاه منطلقَين من اقتناع لديهما أنّ انتخاب فرنجية إذا حصل لن يزعج حزب الله في النهاية حتى ولو استمرّ متمسّكاً بترشيح عون وداعماً له حتى النهاية، ولكنّ الحريري وجنبلاط يصطدمان بموضوع النصاب المطلوب لانعقاد الجلسة والبالغ 86 نائباً. فالجلسة الأخيرة حضرها 72 نائباً، ما يعني أنّها كانت تحتاج لحضور 14 نائباً إضافياً حتى يكتمل نصابها.
ولكنّ تأمين حضور هؤلاء الأربعة عشر نائباً ليس متيسراً حتى الآن، وربّما يحضر قسمٌ منهم في الجلسة المقبلة أو غيرها، ولكنّ ذلك لن يفيد، ما يَعني أنّ النصاب حتى يكتمل يتطلب توافقاً سياسياً على مرشّح بعينِه، أو توافقَ الجميع على خوض العملية الانتخابية بالتنافس الديموقراطي، ولكنّ توافقاً مِن هذا النوع مستبعَد، إذ يَعوقه انعدام اكتمال النصاب، وكذلك انعدام إمكانية التوافق عليه علناً، أو حتى ضمناً، بين مختلف القوى السياسية الممثّلة في الندوة النيابية.
ولذا يَعتقد القطب السياسي نفسُه، أنّه لا يمكن فريقاً أن يغامر، أو ينجح في تأمين نصاب الـ 86 صوتاً، سواءٌ بـ»غفلة» عن الآخرين أو بغير غفلة، علماً أنّ جهات سياسية ما تزال لا تثقُ بجدّية ترشيح بعض الكتل النيابية لهذا المرشّح أو ذاك، وتخشى وجود مناورات انتخابية خلف هذا الترشيح لغايات سياسية معينة، وترى أن لا شيء يمنع هذه الكتل من انتخاب مرشّح آخر مِن غير المرشحين المطروحين في حال انعقاد جلسة مكتملة النصاب، خصوصاً أنّ هذه الكتل تستطيع تأمين الأكثرية المطلقة المطلوبة لفوز أيّ مرشّح تؤيّده.
ويبدو أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يُحبّذ انتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد يتعاطى بمسؤولية في هذا المجال، ويحرَص على أنّ اكتمال نصاب أيّ جلسة ينبغي أن يفضي إلى انتخاب رئيس يكون مقبولاً من الجميع ولا يكون تحدّياً لأحد، وعندما قال يوماً بنزول جميع المرشحين إلى الجلسة، وليفُز من يفوز منهم ديموقراطياً، إنّما قال ذلك لاقتناعه بأنّ أيّ عملية انتخابية لن تفضيَ في النهاية إلّا إلى انتخاب رئيس يَقبل به الجميع.
حديث روحاني عن زيارة محتملة لوفد إيراني للرياض رسالة للسعودية تدعوها إلى الحوار أم تأكيد لتواصُل جارٍ سيفضي الى هذه الزيارة ؟