Site icon IMLebanon

عندما يصبح “الكتائب” بمواجهة “الهيمنة” على الشارع المسيحي

 

 

كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:

عندما سئل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مؤخّرا عن رأيه بمآل العلاقة مع حزب «الكتائب» بعد أن تكفّل تبنّي ترشيح «الحكيم» لميشال عون بكشف المستور من العلاقة التي لم تستقم يوما على الموجة نفسها، قال: «هذا شأن داخلي نبحثه مع حلفائنا».

لكن عمليا، هموم معراب في مكان آخر تماما: «تسويق» ترشيح «الجنرال» لرئاسة الجمهورية يأتي أولا، يليه العمل على استرضاء السعودية ووضع حدّ لتهوّر «حزب الله» الذي قد يطيح معادلة الاستقرار والعلاقات التاريخية و «البنّاءة» مع الرياض ودول الخليج.

في الفترة الماضية، حاذرت معراب الردّ على كل ما أصابها من سهام مباشرة من رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل. الأخير لم يقصّر في قول ما يجب قوله بعد ان «استسلم» حليفه المسيحي، كما قال، وقبله الرئيس سعد الحريري، لـ «الابتزاز الذي يمارسه حزب الله منذ عشرة أعوام».

باستثناء بعض الردود الانفعالية من جانب بعض القواتيين، التزم «الحكيم» الصمت، خصوصا ان ليس الجميل الابن هو المرجعية الصالحة لإطلاق أحكام بالاستسلام لشخص مثل جعجع، يقول أحد من المقرّبين من الاخير.

سياسة «النأي بالنفس» عن غضب بكفيا ترجمت ايضا في إدارة الظهر لمجموعة من الاسئلة «السيادية» التي وجّهها سامي الجميل، في مؤتمر صحافي عقده بعد أربعة ايام من إعلان معراب الرئاسي، الى عون شخصيا بوصفه المرشّح للرئاسة، لكنها استهدفت بالتوازي متبنّي هذا الترشيح. خلاصة كلام «الشيخ» ان التحالفات السياسية تُبنى على ثوابت وليس على المصالح الآنية!

أمل الجميل ان تنتهي هذه «العصفورية» سريعا ويعود الجميع الى صوابه. لكن «العصفورية»، بهذا المنطق، «مكمّلة». «القوات» لا تملك خطة بديلة حتى اليوم عن ميشال عون، من دون ان تكون معنية بإقناع بكفيا بكل البنود العشرة الواردة في «ورقة النيات» وجرّها الى تبنّيها أو محاولة إقناعها بصوابية خيارها الرئاسي.

يكتمل هذا الاستنتاج بعدم تجاوب الرابية ومعراب مع إعلان الجميل استعداد «الكتائب» للجلوس والبحث في نقاط «ورقة اعلان النيات من اجل توضيحها وتصويبها في الإطار الوطني الذي يحفظ لبنان». أما في مقلب الرئيس الحريري فتمسّك أكثر من اي وقت مضى بترشيح سليمان فرنجية للرئاسة.

يقول الوزير سجعان القزي الذي ابقى على تواصله «الطبيعي» مع معراب والرابية في الفترة الماضية «ان عدم الجواب يؤكّد صحّة الاسئلة ومشروعيتها. ربما شعر عون وجعجع بالاحراج، فالناس صفّقت للمصالحة المسيحية، لكنها لم تفهم الاسس والمعايير التي استندا إليها لاعلان توافقهما وتأييد الثاني للاول لرئاسة الجمهورية».

وزير الكتائب «البشيري أولا وأخيرا»، كما يصف نفسه، يقول: «حتّى بشير الجميل عندما كرّس وحدة البندقية، المسيحيون لم يحبّذوها، وقد ايّدوه بعد انتخابه رئيسا»، مشدّدا «على ان المصالحة تكون شاملة أو لا تكون، واجتزاءها بهذه الطريقة مقصود للاستفراد بالشارع المسيحي والهيمنة على قراره، مع العلم ان الرأي العام المسيحي ليس حزبيا، والكتائب في عزّ قوتها لم تستطع ان تمثّل أكثر من 25% من المسيحيين، فكيف يضعون 85% من المسيحيين في جيبهم؟».

يضيف القزي: «لسنا معنيين بإدانة هذا الفريق أو ذاك لخياره الرئاسي، لكن كان يفترض باسم التحالف واللياقة ان يتمّ التشاور مع الآخرين، قبل ان يرشّح الحريري وجعجع شخصيّن لا ينتميان الى خط 14 آذار».

تدريجا، انتقلت «الكتائب» من مرحلة حثّ عون وفرنجية على النزول الى مجلس النواب لإكمال بازل الانتخاب الرئاسي، الى مرحلة دعوة الحريري وجعجع الى سحب أيديهما من طبخة مرشحيّ «8 آذار».. «المحروقة».

وعلى ما يبدو عزّز مشهد جلسة 2 آذار في ساحة النجمة موقف «الكتائب» الذي صدقت توقعاته حيث لم يتخيّل أقل من تكرار سيناريو «حضر اهل العريس والعروس، وغاب العروسان». واقع يدفع القزي الى التساؤل: «اين اصبح ترشيح جعجع لعون؟ اين اصبحت ورقة النيات بعدم نزول الجنرال الى مجلس النواب تطبيقا للدستور الذي تحدّثت عنه الورقة؟ هل اتفقا على رئاسة الجمهورية ام على البلديات؟».

لكن قبل ان تسعى «الكتائب» الى رصد التطبيق العملي لورقة طيّ صفحة الخصومة المزمنة بين عون و «القوات»، فإنها اساسا لم تغادر بعد مربع التساؤل عمّا دفع جعجع الى السير بهذا الخيار الـ «لا منطقي».

يقول الوزير الكتائبي: «عام 2005 لم نتنازل لعون عن مقعدين وزاريين وثلاثة نواب، ما دفعه لاحقا الى توقيع ورقة التفاهم مع حزب الله. يومها فضّلنا الحلف الرباعي على عون، والآن نتنازل له عن الجمهورية كلها.. ما كانوا راحوا كل هؤلاء الشهداء».

بالمقابل، لا يقل المشهد وطأة لدى رئيس «تيار المستقبل» المتمسّك بترشيح نائب زغرتا. يعلّق القزي: «يقول فرنجية سعد في القلب، فيما الشيخ يريده في الصندوق!».

الرئاسة التائهة في زواريب المبادرات غير المجدية تدفع «الكتائبيين» الى التذكير بما سبق ان قاله سامي الجميل بأنه «في النهاية سيكتشفون أنّ موقفنا هو الأكثر واقعية وعقلانية، وأنّ ما يجري اليوم هو استسلام للابتزاز».

قد يسجل عدّاد الحضور رقما قياسيا جديدا في جلسة 23 آذار ويقترب أكثر من نصاب الثلثين من دون انتخاب رئيس في تمديد مرهق لدوامة الفراغ. لذلك يرى القزي ان «الخرق الرئاسي اليوم بات شبه مستحيل. لا احد قادر على إقناع مرشحه بالنزول الى البرلمان. لذلك فإن المبادرات اللبنانية على الصعيد الرئاسي قد انتهت عمليا في 2 آذار»، مشيرا الى «ضرورة البحث ليس فقط عن مرشحين جدد إنما عن مبادرة ينخرط فيها أصدقاء لبنان لانقاذ الرئاسة والجمهورية والكيان ومنع سقوطه النهائي تماما كما يحصل من تدخل دولي في سوريا، وكما حصل في التفاهم النووي بين ايران والدول الغربية»، متسائلا: «هل ضروري ان تنفجر عسكريا وأمنيا حتّى يتدخلوا؟».

هكذا، فإن أحد الشهود العيان على تفكّك آخر معالم الشرعية، بحكم موقعه الوزاري داخل الحكومة، يجزم أن «عدم انهيار الحكومة يؤكّد انهيارها»، شارحا بالقول: «لو لم يكن هناك انهيار حقيقي لكانت الحكومة، بكل مآزقها، استقالت منذ زمن، لكنها استمرت بحكم الحاجة».

مع ذلك، يجزم قزي «بأن قضية النفايات أدخلت الحكومة مرحلة التفكّك الحراري، فنحن على مسافة قريبة جدا من استقالة رئيس الحكومة إذا لم تحلّ الأزمة فورا حيث لم نعد نستطيع ان نستمر كواجهة من أكياس الرمل»، وعلّق ساخرا: «عندها بدلا من ان نلمّ الزبالة من الشوارع، نلمّ الحكومة…»!