تنكبّ دوائر المصرف المركزي على إعداد سياسة مالية لبنانية جديدة وفق هندسة تأخذ في الاعتبار التطورات التي يشهدها الاقتصادان العربي والعالمي. وفي السياق، تذكّر أوساط معنية أن مصرف لبنان في حال استنفار دائمة، ويراقب المستجدات المالية في المحيط كما على الساحة العالمية، ويراجع في هديها سياساته وقراراته لابقاء القطاع المالي اللبناني مستقرا ومحصّنا، وهذا ما حصل ابان الأزمة المالية العالمية عام 2008 والتي انطلقت من الولايات المتحدة الاميركية، وابان الأزمة الاقتصادية التي شهدتها دبي عام 2009، على سبيل المثال لا الحصر.
وفي اطار الخطوات الاحترازية تلك، يعيد المصرف المركزي اليوم النظر في بعض عناوين سياساته العريضة. أما المراجعة التي هو في صددها، فحتّمها انخفاض أسعار النفط في شكل غير مسبوق منذ 20 عاما، وتراجعه بنسبة تتخطى الـ 50 في المئة عما كان عليه في الصيف الماضي، حيث هبط من 115 دولاراً للبرميل في حزيران 2014 إلى أقل من 30 دولاراً، وما تركه هذا الهبوط من تداعيات على الموازنات العربية والأوروبية والعالمية، سيما في الدول المنتجة للنفط حيث باتت الاسعار المنخفضة تجبر دول الخليج على الاقتراض لدعم اقتصاداتها. أما لبنان، فاستفاد من انخفاض أسعار النفط في شكل محدود، حسب الاوساط، حيث اقتصرت التأثيرات الايجابية لهذا الهبوط عند الحدّ من تدهور الاقتصادي اللبناني، لكنها لم تسهم في تحقيق نمو اقتصادي نظراً الى وجود ازمة بنيوية في الاقتصاد كالدين العام. في المقابل، أضعف انخفاض اسعار النفط حجم تحويلات المغتربين اللبنانيين الى الداخل بقيمة نحو 2 مليار دولار، علما ان الاقتصاد اللبناني يعتمد في شكل كبير عليها، كما انعكس انخفاضا في مؤشر الاسعار وزيادة للعجز في الخزينة العامة.
وانطلاقا من هذه العناصر كلها، تشير الاوساط الى ان المصرف المركزي يهندس سياسة مالية جديدة ستتظهر في الايام المقبلة، هدفها صون الاستقرار المالي والنقدي في لبنان ومدّ شرايين الجسم المالي والمصرفي والاقتصادي بمضادات حيوية كفيلة بتعزيز مناعته في ظل أزمة النفط.
وكان أحد أعضاء الوفد النيابي اللبناني الذي زار الولايات المتحدة في الايام الماضية، لفت الى أن الادارة الاميركية أثنت أمام الوفد على أداء المصرف المركزي اللبناني وقيادته الحكيمة التي تمكّنت على مرّ السنوات من الحفاظ على الاستقرار النقدي في البلاد. وأشار الى ان الوفد لمس حرصا أميركيا على وضع لبنان المالي وسمع تأكيدا جازما بأن القرار الصادر عن الكونغرس في شأن «حزب الله» لا يستهدف في اي شكل من الاشكال المصارف اللبنانية، ولن تكون له أي مضاعفات على القطاع المذكور، بل يصب في خانة تجفيف موارد «الحزب» المالية وستصيب مفاعليه الاشخاص والشركات التي تساهم في تمويل الحزب، موضحا ان المسؤولين الاميركيين بقدر ما حرصوا على طمأنة الوفد الى ان القطاع المصرفي اللبناني سيكون محيَّدا، بدوا مصرّين على المضي قدما في تطبيق القانون لتضييق الخناق ماليا على «حزب الله»، ويذكّرون بأنه جزء من الحرب على الارهاب والتنظيمات المتطرفة كـ «داعش» وسواه، والتي تنخرط فيها الولايات المتحدة في شكل كبير، ويتكامل فيها العنصر العسكري، مع العناصر السياسية والدبلوماسية والمالية.