Site icon IMLebanon

أزمة اقتصادية كبرى في العراق.. ولكنه بعيد عن الإفلاس

IraqOil
محمود نجم

في أي وقت من العام جرب أن تبحث عن كلمة «إفلاس» عبر شبكة الإنترنت وستجد توقعات بإفلاس دولة ما أو عدة دول، وفي النهاية نصل إلى حقيقة أن الدول ليست شركات تُفلس.

في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، كان عنوان افتتاحية «نيويورك تايمز»: «هل يتجه العراق والأكراد نحو الإفلاس؟»، وفي يوم الخميس الماضي، تساءلت «إندبندنت» البريطانية «داعش أم الاقتصاد.. أيهما سيدمر العراق؟»، وفي اليوم نفسه أطلقت «واشنطن بوست» على العراق لقب «الدولة التي تواجه احتمال الإفلاس».

هذه الجُمل نفسها أطلقت على الأرجنتين في بداية الألفية، ولكن الدولة نفسها اتفقت خلال الأيام الماضية على تسديد ديون يبلغ عمرها سنوات، وتخطط لعودة قوية لأسواق المالية العالمية.
تستند التقارير الصحافية على البيانات الضعيفة المقبلة من العراق، وهي أرقام مقلقة بالفعل، فبجانب تكاليف الحرب مع «داعش»، تسدد الحكومة العراقية شهريًا ما يقرب من 4 مليارات دولار، في صورة رواتب لنحو 7 ملايين موظف، بالإضافة إلى معاشات للجيش، في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار النفط عالميًا، الذي يُعد مصدر لما بين 80 و90 في المائة من العائدات الحكومية.
هذا كما يعاني العراق من فساد كبير، وتحتل المركز رقم 161 عالميًا في تقرير مدركات الفساد العالمي الأخير من بين 168 دولة، وهو ما يدفع آلاف العراقيين إلى الشوارع احتجاجًا على فساد الحكومة، ونقص الكهرباء وغيرها من الخدمات، وهم مطالبون بدفع المزيد من الأموال نظير هذه الخدمات، في حين تم تخفيض المرتبات الحكومية.
وفي تطور غريب، أدخلت المستشفيات التي كانت على مدار وقت طويل تعالج العراقيين بالمجان، رسومًا قليلة، حتى على أولئك الذين يزورون أقاربهم المرضى، وزادت الرسوم الجمركية.. كما أن هناك خططًا لزيادة رسوم الكهرباء.
هذا كما يتعين على البلد سداد فواتير تتعلق بإعادة إعمار المدن التي دمرتها الحرب، وتقديم مساعدات لـ3.3 مليون من العراقيين، الذين نزحوا داخليًا على مدار العامين الماضيين.
ويتوقع العراق عجزًا في الموازنة بنحو 25 مليون دولار هذا العام، لكن هذا كان مستندا إلى وصول أسعار النفط إلى 45 دولارا للبرميل، وهو أمر لم يحدث حتى الآن.
وتتراوح التوقعات حول نسبة العجز لإجمالي الناتج العراقي بين 11.9 في المائة إلى 18.4 في المائة، وفقًا للأرقام المتباينة في تقارير مختلفة، تتراوح بين التفاؤل الشديد أو التشاؤم الكبير، لكل من الحكومة العراقية وصندوق النقد الدولي ومؤسسات التصنيف الائتماني.
وللتعامل مع هذا العجز على المدى القصير، يستعين العراق باحتياطاته من النقد الأجنبي، ومن المتوقع أن ينخفض الاحتياطي إلى نحو 43 مليار دولار هذا العام، مقارنة بـ59 مليار دولار في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ويسعى العراق للحصول على المزيد من الأموال من صندوق النقد الدولي، بعدما تلقى قرضًا عاجلاً بقيمة 1.24 مليار دولار العام الماضي، فيما تعرض الولايات المتحدة تقديم قرض بقيمة 2.7 مليار دولار للإنفاق العسكري، في حين أقرضت ألمانيا العراق ما يزيد قليلا على 500 مليون دولار لإعادة الإعمار.وأصدرت الحكومة العراقية سندات محلية، وتسعى إلى إصدار سندات دولية في وقت يطالب فيه المستمرون حول العالم بعائدات مرتفعة.
وفي مطلع الشهر الحالي، أعلنت شركة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني، ارتفاع ديون عدد من الحكومات العربية إلى أكثر من الضعف العام الماضي، متوقعة أن تظل مرتفعة خلال 2016، مؤكدة أن ديون العراق تجاوزت مبلغ 30 مليار دولار خلال العام الماضي 2015.
وتجاوز إجمالي الديون العراقية، الداخلية والخارجية، حاجز الـ70 في المائة من الناتج الإجمالي، وبذلك تكون تجاوزت الحدود الآمنة.
كل هذه البيانات تشير إلى أن الوضع سيئ، ولكن مقارنة بباقي دول العالم، نجد أن العراق في أزمة وليس «مفلسًا»، وأن الخطر الاقتصادي لا تجب مقارنته بخطر احتلال تنظيم إرهابي لجزء من الأراضي العراقية.
فإذا كانت هذه التقارير انتقدت اعتماد تقديرات الموازنة العراقية وفقًا لأسعار بترول مرتفعة نسبيًا، 45 دولارًا للبرميل، فهذه الصحف أيضًا اعتمدت على أن يبقى سعر البرميل عند 30 دولارًا، بينما السعر الحالي يدور حول 40 دولارًا، وهو أقرب للتوقعات العراقية، مما يقلل من حدة الأزمة.
وعلى الرغم من أن دولة العراق تم حذف اسمها من تقرير التنافسية الدولية لاستحالة جمع البيانات في مثل هذه الأوضاع، إلا أنه في حالة وجودها سيكون عجز الموازنة العراقية أقل من دول مثل مصر وفنزويلا (وفقًا لأرقام رسمية وتقديرات دولية)، وهي دول لم تُفلس بعد وغير مهددة بالإفلاس.
كما أن العراق التي تحتل ترتيبا متأخرًا بشدة في مؤشر مدركات الفساد تسبق بعض الدول سريعة النمو مثل أنغولا وغيرها.
أما النقاط الإيجابية، فهي قدرة العراق على سداد القروض وقيمة احتياجاتها من الواردات، عن طريق الاقتراض أو الاعتماد على احتياطاتها من النقد الأجنبي، التي ما زالت كافية للوفاء بالالتزامات الخارجية في الأجل القصير.
ورغم الانتقادات الشديدة لخطط التقشف العراقية، فإن معدلي التضخم السنوي والشهري في العراق شهدا انخفاضا في شهر يناير الماضي، مما يعني أن أثر الإصلاحات التي ترغب فيها الحكومة العراقية لن تكون مدمرة لموازنات المواطنين.
حيث أعلنت وزارة التخطيط أن الأرقام القياسية لعدد من الأقسام قد انخفضت في شهر يناير، ومنها قسم الأغذية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 3 في المائة، وقسم النقل بنسبة 0.9 في المائة، وقسم الاتصال بنسبة 0.2 في المائة، وقسم الترفيه والثقافة بنسبة 5.3 في المائة.
بينما في هذا الوقت، وصل معدل التضخم في الأرجنتين إلى 35.1 في المائة، ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم في فنزويلا، التي لديها أكبر احتياطي للبترول في العالم وتعاني حالة نقص للسلع الأساسية، إلى 720 في المائة خلال العام الحالي، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
هذا كما أعلنت وكالة التصنيف الائتماني «فيتش» عن تعديل تصنيف الاقتصاد العراقي من «مستقر إلى سلبي»، بسبب تراجع أسعار النفط وسوء الوضع السياسي والأمني، ولكن المؤسسة نفسها توقعت تحسن وضع العراق بصورة أكبر خلال عام 2017.
وتوضح هذه البيانات أن العراق يمر بأزمة خانقة، وأن عليه اتباع سياسات تقشفية ومكافحة الفساد بشكل حقيقي، واقتراض مبالغ كافية من الدول الصديقة والمؤسسات الدولية لسد الاحتياجات الضرورية وإدارة الاحتياطي بشكل يضمن الاستقرار المالي لأطول فترة ممكنة، مع التوسع في الشراكة مع القطاع الخاص.
وإذا عادت أسعار النفط لمستويات معقولة، فوق حاجز 45 دولارًا المتوقعة من قبل الحكومة العراقية، وتم القضاء على سيطرة تنظيم داعش على أجزاء من العراق، ستحمل الأعوام المقبلة فرصًا جيدة للحكومات العراقية لإصلاح الأوضاع بشكل هيكلي وإعادة تنظيم قطاعات الصناعة والخدمات حتى لا يكون مصير 36 مليون عراقي تحت رحمة أسعار البترول العالمية.