في بداية العام الجاري، قرع صندوق النقد الدولي ناقوس خطر جديد بسبب تردي الاداء المالي للبنان، فحض السلطات اللبنانية على ضبط اوضاع ماليتها العامة من خلال خفض مستوى الإنفاق من جهة، وتعزيز الايرادات من جهة اخرى.
هذه النصيحة التي اطلقتها رئيسة بعثة صندوق النقد إلى لبنان، أناليزا فيديلينتوا، جاءت بعد جولة للبعثة الى المعنيين في لبنان واطلاعها على ارقام المالية العامة والتي بينت استمرار انفلاش الانفاق وتراجع ملحوظ في الايرادات. وما يفاقم الامور سوءا الشلل السياسي الذي يؤثر سلبا على الحياة الاقتصادية. بالاضافة الى اعداد النازحين التي تضغط اكثر على موارد الاقتصاد العامة وعلى البنية التحتية، في حين يبقى موضوع التمويل الدولي لهؤلاء شحيحا.
بالامس، وزعت وزارة المالية بيانات وضعية المالية العامة عن شهري تشرين الاول وتشرين الثاني الماضيين بتأخر خمسة اشهر عن اخر بيانات نشرتها في ايلول. اذ كان يفترض نشر الارقام الخاصة بشهر شباط 2016، وهو امر لفت اليه كل من صندوق النقد والبنك الدوليين خلال لقاءاتهما المسؤولين وفي تقاريرهما الخاصة عن لبنان.
الارقام الموزعة بالامس لغاية تشرين الثاني 2015، تترجم موقف المسؤولة في صندوق النقد الدولي. فهذه الارقام تظهر الاتي:
1- زيادة في مجموع النفقات بواقع 326 مليار ليرة رغم تراجع الانفاق على مؤسسة كهرباء لبنان بواقع 1136 مليار ليرة بفعل انخفاض سعر النفط عالميا. وهذا يعني ان الزيادة الفعلية للانفاق هي في حدود 1400 مليار ليرة. وسجل العجز الكلي لغاية تشرين الثاني 4885,4 مليار ليرة من 4558,6 مليارا في تشرين الثاني 2014 وبزيادة نسبتها 7,17 في المئة.
2- زيادة تكلفة خدمة الدين العام بحوالي 340 مليار ليرة او 5,8 في المئة.
3- من ناحية الايرادات الاجمالية، سجل تراجع كبير بنحو 800 مليار ليرة، من 14179,2 مليار ليرة في تشرين الثاني 2014 الى 13380,4 مليارا في تشرين الثاني 2015.
وما يلاحظ في بند الايرادات هو التالي:
-ارتفاع الرسوم على المواد الملتهبة بواقع 107 مليارات ليرة، وهو امر مثير للاستغراب رغم تراجع اسعار المحروقات.
-تراجع الايرادات على التبغ والتنباك بواقع 75 مليار ليرة.
-ارتفاع الرسوم على السيارات بـ43 مليار ليرة، رغم الركود الذي يشهده هذا القطاع.
-تراجع الضريبة على القيمة المضافة (TVA) بواقع 125 مليار ليرة، وهو مؤشر اساسي الى تراجع الاستهلاك إما نوعاً أو كماً.
-تراجع الرسوم الجمركية بواقع 49 مليار ليرة، وهو مؤشر ايضا على تراجع الاستهلاك.
4- حققت المالية العامة فائضا اوليا بقيمة 1602 مليار ليرة، وهو امر لم يكن ليتحقق لولا انخفاض التحويلات الى مؤسسة كهرباء لبنان (1136 مليار ليرة ما نسبته 41,6 في المئة)، وتدفق التحويلات الفعلية من قطاع الاتصالات (1760 مليار ليرة)، والمدفوعات المتأخرة (التي تراجعت نحو 462 مليار ليرة)، والا لكان العجز المسجل اكبر بكثير.
وقد ابدت مصادر مالية متابعة، استغرابها من الانفلاش في الانفاق رغم الاوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمر بها لبنان. واذ اوضحت ان اوضاع المالية العامة لا تزال تشكل عائقا امام النمو الاقتصادي، رأت ان الحل يكون باحتواء الانفاق بهدف ضبط خدمة الدين، وتمرير الموازنة العامة الذي يؤمن انفاقا شفافا، وتعزيز الايرادات عبر تحسين التحصيل الضريبي.