Site icon IMLebanon

خيار الحرب لا يطمئن المسيحيين!

 

 

كتبت دنيز عطاالله حداد  في صحيفة “السفير”:

ليس خفياً أن خلط الأوراق السياسية، ينعكس أساساً على الساحة المسيحية. فتحالف «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» أسس لطبيعة جديدة من العلاقات التي لها ترجماتها في محطات ومفاصل سياسية.

لتغريد «الكتائب» خارج معظم الاصطفافات، منطقه وصداه. ولـ «المردة» حساباته وخصوصيته وانفتاحه المستجد على المستقلين في البيئة المسيحية. حتى حزب «الوطنيين الأحرار» يحاول أن يحدد تمايزاته. سبق حزب «الكتلة الوطنية» جميع حلفائه القدامى بانسحابه الصامت من معمعة «التنازلات السياسية والمبدئية وحتى الأخلاقية»، التي طبعت ممارسات «14 آذار».

مجموع هؤلاء، مضافة اليهم كتلتان أساسيتان هما: المستقلون من جهة والمتأثرون بالكنيسة ومواقفها من جهة ثانية، هم من يشكلون ما يمكن تسميته «الرأي العام» المسيحي. وهو «رأي عام» قلما توحد أو اتفق على مقاربة واحدة للمواضيع الشائكة لبنانيا أو عربيا. تترسخ في وجدانهم الجماعي مشتركات قليلة، لعل أبرزها التمسك بلبنان كياناً ودولة، مع حرص استثنائي على حضورهم ودورهم فيه. صحيح أن هذا التمسك يستند الى بعض هواجس «أقلوية»، ليس هنا مجال مناقشتها، إلا أنه قد يشفع لهم اختزان ذاك الوجدان قيماً أساسية لعل أبرزها الحرية.

ما سبق قد يكون مقدمة أساسية لفهم «مزاج» مسيحي تلقى بحذر خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الأخير. ففي تأبين شهيد الحزب علي فياض «علاء البوسنة»، صُدم بعض المسيحيين وهم يسمعون من نصرالله مفاخرته بمشاركة فياض في تدريب مقاتلين في البوسنة وفي الانضمام الى القتال في العراق، ليسقط في المواجهات السورية.

كثر من المسيحيين، خصوصا من ينتمون الى «التيار الوطني الحر» و «المردة» والقريبين منهم، يبررون للحزب، بدرجات متفاوتة، مشاركته في الحرب السورية. هناك الحجة جاهزة: «داعش» على حدودنا وقتالها بعيداً عن أرضنا مشروع ومباح.

لكن هذا العذر يصبح متعذراً عند الحديث عن البوسنة والعراق واليمن وكل جبهات القتال المفتوحة. فكرة القتال، في ذاتها، والاستعداد الدائم للمشاركة في الحروب المتواصلة والمفتوحة، لا تجد لها وقعاً طيباً في الأوساط المسيحية.

لا يتكبد مسؤول في «التيار الحر» أي جهد للدفاع عن هذا المنطق. يقول «نتمنى إبعاد لبنان عن كل تجاذبات المنطقة وصراعات الدول. نتفهم موقف السيد نصرالله ومنطلقاته الإيمانية والوطنية، لكننا لا نتبناها، ولسنا معنيين بالالتزام بها كحلفاء». يضيف «نحن نقدر شهادة كل شهيد يسقط في مواجهة الإرهاب التكفيري ونتمنى لو يمكننا تحييد لبنان عن هذه المواجهات».

في أوساط «الكتائب» كلام عالي السقف عن «تقديم شباب لبنان أضاحي على مذبح المصالح الايرانية. ووضع لبنان في مهب المواجهات الدائمة». يؤكد الكتائبيون أن خطوطهم مفتوحة مع الحزب، «لكننا لا نتنازل عن قناعتنا التاريخية بوجوب تحييد لبنان، بالمعنى الإيجابي، عن الاقتتال على كل الجبهات».

في أوساط «القوات» صدمة من «الجرأة في تهميش وتهشيم الدولة في خطاب نصرالله الأخير. فهو، الحزب المحلي، يعلن صراحة أنه يرسل شباباً ليدربوا ويحاربوا ويموتوا في كل دول العالم وحيث يرتئي. هذا أمر يعاقب عليه القانون اللبناني، ونصوصه واضحة في هذا المجال».

لا يمكن لأحد اختصار «الرأي العام» المسيحي، بموقف أو رأي. لكن يمكن تلمس بعض مناخاته التي تلقت بحذر وانزعاج خطاب نصرالله الأخير. قد يكون لبنان المشتهى في وجدان بعض المسيحيين أقرب الى جزيرة، لكن تجاربهم المتكررة و«واقعيتهم السياسية»، جعلتهم أكثر تأقلماً مع واقعهم ومحيطهم. الأكيد أن معظم المسيحيين اليوم لا يريدون تكرار تجربة الحرب تحت أي شكل كانت. وقد يكونون أكثر تهيباً من الفتنة السنية ـ الشيعية من أصحاب الشأن أنفسهم. فإلى اليوم ما يزالون يعيشون تداعيات تلك الحروب المشؤومة. برأي بعضهم أن خيار الحرب لأي فريق كان لا يطمئن المسيحيين.