أظهرت دراسة إنجليزية أن المواطنين في الأنظمة الحاكمة الفاسدة يكونون أكثر ميلا للغش والخداع وقلة الأمانة. وتبين من خلال الدراسة أن المواطنين في ألمانيا والسويد على سبيل المثال من أكثر شعوب العالم التزاما بالقوانين.
ذكر سيمون جيشتر و يونثان شولتس في دراستهما التي نشرت في مجلة “نيتشر” البريطانية أنه كلما ازدهر الاقتصاد الخفي أو الأسود في بلد ما كلما كان العوام في هذا البلد أكثر ميلا لمخالفة القوانين. وتبين من خلال الدراسة أن المواطنين في ألمانيا والسويد على سبيل المثال من أكثر شعوب العالم التزاما بالقوانين.
أعد الباحثان جيشتر و شولتس اللذان يدَرسان في عدة جامعات منها جامعة نوتينجهام البريطانية مؤشرا لحجم انتهاك القواعد في 159 دولة اعتمدا في إعداده على بيانات تعود لعام 2003 تتعلق على سبيل المثال بحجم التهرب الضريبي والرشوة والفساد وبمدى جودة المؤسسات السياسية في دولة ما. وكلما ازداد حجم الغش والاحتيال والفساد وقلة الأمانة في بلد ما كلما احتل هذا البلد مركزا متقدما في المؤشر. وبالإضافة إلى هذا المؤشر اختار الباحثان 2568 شخصا من 23 دولة وأجريا معهم تجربة طلب منهم خلالها أن يلقوا زهرة النرد مرتين بعيدا تماما عن أعين الآخرين ثم يبلغوا القائمين على التجربة النتيجة التي حصلوا عليها ليحصلوا على مال يزيد كلما زاد العدد الذي حصلوا عليه باستثناء عدد 6 الذي لا يجلب أي مكسب للمشاركين في التجربة.
قاس الباحثان من خلال هذه التجربة مدى صدق المشاركين الذين ترك لهم الخيار، إما الإبلاغ عن رقم خمسة والحصول بذلك على أعلى جائزة مالية طالما أنه ليس هناك رقيب يمنع ذلك أو التزام الصدق مع النفس والإبلاغ عن الرقم الحقيقي بصرف النظر عن مدى نفعه المالي. اعتمد الباحثان على التوزيع الاحتمالي المستخدم في علم الاحتمال والإحصاء لمعرفة مدى كذب المشاركين “وتبين من ناحية المبدأ أن المشاركين في التجربة من جميع الدول كانوا صادقين بشكل مدهش”، حسبما أوضح سيمون جيشتر مضيفا: “لم يلجأوا للكذب بالدرجة القصوى لمضاعفة ربحهم مما يؤكد صحة النظرية التي تذهب إلى أن الإنسان بشكل عام يحرص على الحفاظ على صورته الذاتية الإيجابية أمام نفسه مما يجعله لا يكذب بسهولة”.
غير أن الباحثين لاحظا شيئا لدى معظم المشاركين في كل الدول التي تم اختيارها للدراسة ألا وهو أن هؤلاء المشاركين أبلغوا كثيرا عن الرقم الأعلى الذي حصلوا عليه خلال الرميتين حتى وإن كان الرقم الذي حصلوا عليه في الرمية الثانية أقل من رقم الرمية الأولى. وأكد الباحثان أنه من الممكن اعتمادا على علم الإحصاء والاحتمال التمييز بين هذه الطريقة المستخدمة في تزييف الحقيقة من ناحية واختراع رقم آخر لم يحصل عليه المشارك في إحدى الرميتين بالنرد من ناحية أخرى “فالمشاركون لم يغشوا بشكل حر ولكنهم عرضوا الحقائق بالشكل الذي يخدم مصلحتهم”. وتبين للباحثين أن الكذب الذي ارتكبه المشاركون في التجربة ويرون أنه كذب مبرر، يتناسب مع مركز دول هؤلاء المواطنين في المؤشر الذي وضعه الباحثون “فكلما انتشر التهرب الضريبي والرشوة والفساد وغير ذلك من المخالفات السلوكية في بلد ما كلما كان مواطنو هذا البلد أكثر ميلا للالتفاف على القواعد”.
وكان باحثون قد اكتشفوا علاقة مشابهة في دراسة لهم عام 2006 خلال تحليل ممارسات دبلوماسيين في نيويورك. غير أن هذه الدراسة الجديدة توضح علاقة متبادلة وليس علاقة سببية. كما أن نتيجة هذه الدراسة لا تعني بالضرورة أن سكان بلاد ما أقل صدقا من سكان بلد آخر، فربما كيف هؤلاء السكان سلوكهم طبقا لعادات وأعراف سائدة حسبما أوضح الباحثان. وتبين أن المشاركين الأكثر صدقا والذين أبلغوا كثيرا عن حصولهم على رقم 6 رغم أن هذا الرقم لا يفوز كانوا من دول صنفت في ذيل المؤشر وبها مؤسسات سياسية سليمة. ومن بين هذه الدول ألمانيا والنمسا وبريطانيا والسويد.
وأثارت الدراسة عددا من الأسئلة المهمة منها على سبيل المثال مدى تأثير اتصال مواطني دولة بمواطني دولة أخرى من خلال السياحة أو علاقات العمل أو الهجرة على صدقهم الداخلي ونزاهتهم حسبما رأى شول شالفي من جامعة أمستردام في معرض تعليقه على الدراسة.